خصخصة شركات (الجيش).. مؤامرة أم إصلاح؟
د. هيثم فتحي: تحويل شركات الجيش إلى شركات مساهمة التزام لصندوق النقد الدولي
عادل خلف الله: محاولات خصخصة شركات (الجيش) مقصود بها إعادة تمكين الإسلاميين
بروفيسور عصام بوب: وزير المالية “غير مؤهل” لإصدار حكم الخصخصة لأي مؤسسة حكومية
الخرطوم: آفاق عبد الله
بحسب إفادات خبراء الاقتصاد لـ(اليوم التالي) إن السلطات ربما تمضي في اتجاه خصخصة شركات (الجيش) بسبب الضغوط الدولية التي تتعرض لها للتقليل من نشاطها وتعاملاتها.
إلا أنهم أجمعوا على أن اتجاه خصخصة الشركات يحمل مؤشرات فساد وتلاعب في شركات عامة السودانيين.
ومطلع الأسبوع المنصرم، قال وزير المالية د. جبريل إبراهيم على هامش الاجتماعات السنوية للبنك الإسلامي للتنمية في شرم الشيخ (بحسب بلمبورغ): إن السودان يمضي قدماً في خطط خصخصة الشركات المملوكة للجيش، ويجري محادثات مع دول الشرق الأوسط للمساعدة في تمويل اقتصاده الذي يعاني من ضائقة مالية، وإن جميع الشركات التجارية العسكرية ستطرح للاكتتاب العام، باستثناء الشركات المنتجة للأسلحة، وسيكون ذلك قريباً”.
وأقر بأن البنك الدولي وصندوق النقد الدوليين لن يستأنفا التعاون دون اتفاق سياسي مشروع لتأسيس حكومة ديمقراطية.
فيما وصف القيادي بالحرية والتغيير، عادل خلف الله الخطوة بـ(المؤامرة الجديدة)، وقال لـ(اليوم التالي): المقصود بها تحويل تلك الشركات إلى رأسمالية الحركة الإسلامية بعد الارتداد على قرارات لجنة إزالة التمكين.
منافسة غير عادلة
قال الخبير الاقتصادي، أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية د. هيثم محمد فتحي لـ(اليوم التالي) إن الاستثمار والاقتصاد ليس المهمة المتعارف عليها للجهات الأمنية بسبب تنوّع أنشطتها في كافة مجالات الاقتصاد ما يجعلها دوماً في موقع منافسة غير عادلة مع شركات القطاع الخاص وغيرها من الشركات الحكومية، ما يقطع الطريق أمام الاستثمار، وعلل حديثه بأن المستثمر لن يجذبه بلد تسيطر فيه القوى الأمنية على الاقتصاد، علاوة على أن هذا التوجّه يقطع الطريق أمام القطاع الخاص ويؤدي إلى ضموره وخروجه تدريجاً من المشهد الاقتصادي.
وأوضح أن عدم وجود قوانين ولا معادلة اقتصادية أو حتى سياسية، للتأكد من عدالة التنافس بين الكيانات الاقتصادية والمؤسسة العسكرية، إذ أن ديوان المراجعة القومي يقوم بالرقابة على أعمال تلك الشركات عبر مئات اللجان التي يرسلها سنوياً، وإذاً ثمة فارق كبير بين الرقابة التي قد يترتب عنها محاسبة ومساءلة، وبين مجرّد الاطلاع، مع وجود تجارب في دول عملت على تقليص الأنشطة الاقتصادية لجيوشها، وعلى رأسها الصين وتركيا.
ومضى د. هيثم قائلاً: نجد أيضاً صعوبة في تحقيق الهيئات والشركات الحكومية في البلاد أرباحاً نتيجة حال الانكماش المتوقعة في الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن بسبب ارتفاع نسب التضخم، إلا في حال اتجاه الحكومة السودانية إلى خصخصة جزء مقدر من هذه الشركات لتوفير أموال معتبرة من العوائد.
مشيراً إلى أن هناك طريقتين للتخلص من الشركات الحكومية الخاسرة منها الخصخصة والتصفية، أن الهدف الأساسي لمؤسسات الدولة هو حماية المال العام، فيما يتمثل الهدف الأساسي للشركات التجارية في تحقيق عائد ربح مناسب على رأس المال، وأضاف: لابد من بناء الاقتصاد السوداني على أسس الاقتصاد العالمي الحر وتضيق ملكية الحكومات لأدوات الإنتاج لأقصى حد.
وشدد على أن دور الحكومة الرقابي لا غنى عنه لضمان نجاح المشروعات، وأشار إلى أن تحويل شركات الجيش إلى شركات مساهمة عامة هي جزء من الإصلاحات الاقتصادية التي التزم السودان بها لصندوق النقد الدولي في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وطالب بضرورة وجود خطة لصرف عائد الخصخصة في برامج إنتاجية، لكي يعوض الاقتصاد الوطني بأصول رأسمالية بديلة، حتى لا ترتكب أخطاء في حق الأجيال القادمة، بإهدار الأصول الرأسمالية عبر برامج الخصخصة بدون أن يتم تعويض الاقتصاد بأصول رأسمالية جديدة، وزاد: وهذا هو التحدي الحقيقي الآن، لكن دعيني أتساءل: هل من حق حكومة انتقالية اتخاذ إجراء مثل ذلك.
تهديد الاقتصاد
فيما قال المتحدث الرسمي باسم حزب البعث، الخبير الاقتصادي عادل خلف الله لـ(اليوم التالي) إن الاستمرار في الخصخصة على نطاق واسع مرفوض لأنه يهدد الاقتصاد السوداني ويقلل من المصادر الإيرادية للنقد الأجنبي ويزيد معدل البطالة وتتراجع بسببه الوظيفة الاجتماعية للدولة، بحسب التجارب التي شهدتها دول العلم الثالث، وتابع: “علينا أن نحارب الخصخصة التي ابتدرتها الإنقاذ منذ مطلع الثمانينيات لأن واحد من سمات الاقتصاد السوداني ومجتمعه بتعدد القطاعات وتكاملها وقيامها بدور رائد في القطاع العام والخاص وقطاع مختلط وتعاوني من حيث المبدأ”.
ووصف خلف الله، اتجاه الخصخصة بـ(المؤامرة الجديدة)، وقال: “هذه الخطوة تحيط بها الشبهات، والمقصود بها تحويل تلك الشركات إلى رأسمالية الحركة الإسلامية بعد الارتداد على قرارات لجنة إزالة التمكين”.
وأضاف: أما فيما يتعلق بالدعوة التي أطلقها وزير مالية السلطة الانقلابية – حسب تعبيره – “ليس من حقهم التصرف في مؤسسات الدولة، وأن المطلب الذي أصبح مطلب وطني هو أيلولة الشركات الاقتصادية والمالية والتجارية التابعة للقطاع الأمني والعسكري وتبعية إيراداتها إلى وزارة المالية وسلطة المراجعة القومية مع التوصل إلى صيغة إدارية تتوافق عليها الجهات المهنية مع قطاعات الجهاز الأمني والعسكري للشركات ذات النشاط العسكري”، وأشار خلف الله إلى أن الوزير ليس مخولاً ولا يمتلك سلطة تنفيذ ما أعلن عنه علماً بأنه أشار إلى التصرف فيها كشركات اكتتاب ومساهمة عامة وهو أيضاً لم يحدد نسب الأسهم ولمن توؤل له نسب الشركات وما يحدد علاقة وزارة المالية بها، وشدد على ضرورة الكشف عن عدد الشركات وحجم نشاطها المالي والاقتصادي، واستطرد خلف الله بالقول: “الغموض يكتنف ما أعلن عن الوزير إجمالاً ويبدو وبخلفيته الانقلابية والأيدلوجية وبعد قرار الانقلاب الذي هو أحد أركانه بإصدار قرارات مخلة وأغلبها غير قضائي وخارج السلطة القضائية بإرجاع ما استعادته لجنة التفكيك للإيرادات العامة إلى فلول النظام البائد مجدداً وجهاته المالية والأمنية، وتابع: إن هذه الخطوة في هذا الإطار تهدف إلى تحويل أصول مؤسسات الدولة العسكرية لصالح الجماعة ورأسماليتها الطفيلية أسوة بما تم بالمؤسسات والشركات والأصول المدنية، لذلك فإن هذا التوجه خطير ويتطلب من القوة الحية في المجتمع بمختلف تشكيلاتها مواجهته.
مراجعة القرار
وأوضح أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية بروفيسور عصام عبدالوهاب بوب أن خصخصة شركات الجيش لا تضيف شيئاً للاقتصاد السوداني، بل يقتطع منها. وتساءل: في إفاداته لـ(اليوم التالي): “ما هو نمط الخصخصة، وهل تباع لأفراد، وهل ستشمل حتى الاستثمارات الأجنبية؟”، مشدداً على ضرورة الكشف عن مدى ربحية أم خسارة هذه الشركات في الوضع القائم.
وقال بروفيسور بوب: (لا أعتقد أن وزير المالية مؤهل لكي يصدر حكم الخصخصة لأي مؤسسة حكومية)، وأشار إلى أن ذلك يرجع إلى آلية مهمة وقرار جماعي، واستطرد: رأينا مثل هذه القرارات من قبل وكانت النتائج محبطة وسالبة للاقتصاد السوداني، ومضى متسائلاً: لماذا يأتي مثل هذا القرار في هذا الوقت لماذا لم يختار ضمها إلى وزارة المالية والإشراف عليها إدارياً ومالياً، وأضاف: “مثل هذا القرار له أبعاد اقتصادية وسياسية هامة وربما يجيب رغبات الشعب الذي يريد المزيد من الشفافية والمسؤولية الاجتماعية المطلوبة خلال هذه الفترة الانتقالية التي تتسم بعواصف تتجلى في الشارع السياسي”، ودعا إلى إخضاع القرار لمزيد من الدراسة من الناحية الاقتصادية وجدوى الخطوة قبيل تنفيذها بصورة عشوائية.
وتابع بروفيسور عصام عبدالوهاب هذا من الناحية الاقتصادية، أما من الناحية السياسية فلا بد من إلغائه تفادياً للمزيد من الاحتقان والمشاعر السالبة لأنه يغذي الكثير منها بين العسكريين والمدنيين.
وأشار إلى أن ضم الشركات لوزارة المالية هو القرار الذي يخدم المصلحة الوطنية أولاً وأخيراً، وتابع: (كفى بيع لممتلكات الأمة).