الطاهر ساتي يكتب.. علامات..!!
:: ومن الأخبار الغريبة، أحبطت شُعبة مكافحة المخدرات – بفرعية أم روابة – محاولة تهريب كميات من الذهب كانت في طريقها إلى الخرطوم، هكذا الخبر.. فالذهب كان في طريقه إلى الخرطوم، والتي لا تزال عاصمة وإحدى مناطق السودان، مثل أم روابة، أي لم تنفصل بعد، بحيث تصبح دولة.. فالشرطة اشتبهت في عربة كانت في طريقها الى الخرطوم، وفتشتها، ووجدت الذهب، وأقر مالكه به، فصادروه، لصالح الشركة السودانية للموارد المعدنية..!!
:: لم يضبطوا العربة على حدود البلد مع مصر أو تشاد وغيرها من دول الجوار، بل أوقفوها وهي في طريقها إلى الخرطوم.. وعندما عثروا على الذهب، لم يذهبوا به إلى المحكمة، بل فتحوا بلاغاً تحت المادة (32 إجراءات)، وسلموا ذهب المسكين لشركة المعادن، وكأن هذا المسكين كان قد سرقه من شركة المعادن.. عفواً، حتى لو كان الذهب مسروقاً من الشركة، فالعدالة تقتضي استرداده – لصالح الشركة – بالمحكمة، وليس بالشرطة..!!
:: فالشاهد، لا أحد – غير المسمى بالمسؤول – يفسد العلاقة بين الشرطة والمواطن.. وكثيراً ما نحلم بأن تكون قوانين البلد عادلة (منطقية)، ليبقى الود والتقدير بين الشرطة والمواطن، وللأسف لا حياة لمن نناشد.. لو كانت الدولة عادلة، لوجب على الشرطي حماية هذا المواطن – وذهبه – حتى يصل الخرطوم مطمئناً، ولكن – بأمر المؤسسات والقوانين الظالمة – تحولت إلى (همباتة)..!!
:: نعم، المواطن اليوم في الطرق الولائية ومناطق الإنتاج، لا يخاف الذئب على نفسه ولا قطاع الطرق على (ذهبه)، بل يخاف شركة المعادن وشرطة البلد المأمورة بتنفيذ (القوانين الظالمة)، ومثل هذا الخوف يعكس اختلال الأوضاع.. ولا يلوح في الأفق ما يُشير إلى ميلاد (دولة المؤسسات) التي لا تنتهك حقوق المواطن، ومنها عدم تعرضه لمثل هذه (الهمبتة) المسماة بالقانون..!!
:: فالإجراء الذي ينتهك حقوق المواطن لا يجب أن يسمى بالقانون.. وغير بعيد عما حدث – ويحدث – بطريق (الخرطوم/أم روابة)، شهد مجمع الذهب بالخرطوم – يوم أمس – احتجاجاً وإضراباً عن العمل، وذلك عقب استيلاء محتال على (مصوغات ذهبية) من أحد الصاغة باسم شركة المعادن، بحيث قال – للسوداني – عضو لجنة اتحاد الصاغة هشام محمد: (المحتال استولى على غوايش ولاذ بالفرار، وقال له أنا موظف بالشركة)..!!
:: هذا الحدث لا يختلف عن ذاك.. فالشاهد، كما أن المناخ في طرق البلد (مناخ همبتة)، فإن المناخ في عمارة الذهب أيضاً (مناخ احتيال).. فالوجود العشوائي لمنسوبي شركة المعادن بعمارة الذهب أغرى المحتالين بالتواجد، وهذا يعني أن سياسات الدولة هي التي وفرت مناخ الاحتيال.. وفي طريق أم روابة أيضاً، عندما ينشط قطاع الطرق باسم الشرطة وينهبوا المسافرين، أعلم بأن سياسات الدولة هي توفر مناخ النهب..!!
:: على كل حال، ولاية وزارة المالية على المال العام (مفقودة)، وآليات تحصيل رسوم الذهب (مشبوهة).. لو كانت دولة مؤسسات، لتم تحصيل الرسوم – بالأورنيك الإلكتروني الموحد – في (مواقع الإنتاج)، ثم بذات الأورنيك – الإلكتروني الموحد – في منافذ التصدير، وليس في الطرقات والأسواق بواسطة الشرطة وغير العاملين في وزارة المالية.. ما يحدث بعض من علامات انهيار الدولة، ولكن السادة بالمجلس السيادي لا يشعرون ولا يتأثرون بما يحدث بعيداً عن (كراسيهم)..!!