مشاكل البترول بغرب كردفان .. عندما تنطلق الشرارة
*والي غرب كردفان: مطالب أهل المصلحة مشروعة ونعيب الاعتداء على المنشآت
* الشركات تحاول التعامل مباشرة مع المواطنين بمعزل عن حكومة الولاية
*هنالك سرقات متكررة للسياج الخاص بجمع النفايات
*بكتريا حميدة تساعد في امتصاص الخام المتدفق
—
تقديم:
قصة البترول السوداني غاية في الغرابة، فعندما كنا صغاراً ونحن نقضي إجازتنا السنوية في مناطق الأهل بالخوي والنهود وذلك منتصف السبعينات من القرن الماضي كان أكثر ما يجذبنا هو مرور شاحنات أمريكية ضخمة تسمى بالـ(كنور) وهي أضخم شاحنات أراها في حياتي، لأن أطول شخص في المنطقة لا يستطيع أن يصل إلى ارتفاع إطار تلك الشاحنات، وكان من المعلوم أن تلك الشاحنات تتبع للشركات الأمريكية العاملة في مناطق البترول (شركة شيفرون) وبعد ذلك حدث ما حدث من توقف للشركة عن التنقيب وما قيل عن إغلاقها للآبار بطريقة لا تفتحها إلا هي، وهكذا ضاعت فرصة أولى للسودان للإفادة من مخزونه النفطي.
مرت الأيام وأتت الإنقاذ لتحيي الحلم القديم لكن بأيدٍ من دولة الصين، تدفق النفط وعم خيره كل السودان الا مناطق إنتاجه لأسباب كثيرة سنوردها في هذا التحقيق الذي جمعت معلوماته بصورة مستقلة من حقل بليلة النفطي ومدينة الفولة حاضرة ولاية غرب كردفان والتقيت بكل الأطراف بحمد الله فكان هذا التحقيق الذي أتمنى أن يسبر أغوار الأحداث التي كادت تعصف بإنتاج البترول السوداني وتعيد عداد إنتاجه إلى الصفر، وهو أمر ما كان له أن يؤثر على السودان فحسب، بل على الأسعار العالمية للنفط برغم الإنتاج المتواضع للسودان إلا أن سماسرة النفط عابري القارات سيتخذون ذلك ذريعة لرفع أسعاره .
*تخطيط وتنفيذ
عندما بدأت الشركات المتعاقدة مع السودان في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه يقول محدثي وهو مدير المشروع الصيني، قامت بكل ما يضمن المعايير العالمية من حيث إبعاد السكان المحليين إلى مناطق آمنة من الآثار الجانبية لحفر واستخراج (الزيت)، وذلك من حيث المسافة والاتجاهات، مع توفير كافة الخدمات لأولئك السكان من مياه شرب ومشافٍ وطرق معبدة (ردميات) كما قامت الشركات بإنشاء قرى نموذجية لإسكان أولئك المواطنين، وهكذا سارت الأمور كما هو متفق عليه ولكن برزت للسطح ثلاثة مشاكل:
الأولى وهي متعلقة بالشركات أن الشركات تقوم بتنفيذ كل المشروعات عبر شراكة بينها والحكومة المركزية والحكومة الولائية حيث يبرز هنا وهناك تقصير من المقاولين الذين تتعاقد معهم الولاية وأحياناً الحكومة المركزية ولا نكون هنالك متابعة دقيقة لما ينتج من تقصير هنا وهناك في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.. المشكلة الثانية متعلقة بالمواطنين الذين يتم تقديم الخدمة لهم إذ أنهم مع أول بوادر نقص في الخدمات يعودون مرة أخرى إلى داخل مربعات التنقيب حيث تتعالى نسبة الخطر من التلوث (على قلته.. إذ أن البترول السوداني يتميز بخلوه من الرصاص)، والمشكلة الثالثة هي أن معظم مواطني ولايتي غرب كردفان وشرق دارفور التي توجد بها مربعات النفط هم قبائل رحل لذا لا تستطيع الشركات السيطرة عليهم أو ‘خراجهم من مناطق الإنتاج خاصة مع تعالي نبرة الحقوق من قبل أبناء الولاية من المتعلمين.
وعلى هذا المنوال يستمر الجدل البيزنطي وتضيع حقوق الشركات والمواطن على السواء نسبة لعدم سيطرة الحكومة المركزية على مناطق البترول حيث يجب عليها أن تخلي كافة مناطق الإنتاج من أي وجود غير مرخص له أو مرغوب فيه حسب الاتفاق بين حكومة السودان والمستثمر صاحب شركة التنقيب سواء كان أجنبياً أو وطنياً.
للمواطنين قضية:
على حسب ما قدمنا نلاحظ أن المواطن الذي يسكن أو يزرع في أي أرض لأي دولة لا يحق له الانتفاع بالثروات المكتشفة بها إلا على سبيل التعويض مادياً أو بأرض أخرى يسكنها أو يزرعها، ويبدو أن مواطني منطقة حقل بليلة استنفدوا هذا الشرط لأن من قابلناهم تحدثوا عن مواضيع أخرى تتعلق بالخدمات والتوظيف وحتى الخدمات هم يتحدثون عن صيانة آبار المياه التي قامت بإنشائها الشركة..
مواطنو بير عمر :
شيخ منطقة بير عمر محمود عبد الله أحمد قال لـ(اليوم التالي): نحن مواطني بير عمر نعاني من انعدام خدمات المياه والبئر الوحيدة التي تمدنا بمياه الشرب متعطلة وتحتاج إلى صيانة عاجلة، كما أننا أصلاً نطالب بأن يتم توظيف أبنائنا في الشركات العاملة في البترول كحق أصيل والآن قدمنا قائمة بأسماء أبنائنا الذي يحترفون قيادة السيارات والشاحنات لتوظيفهم ولكن حتى الآن لم نجد رداً، ويقول الشيخ محمود إن اكتشاف البترول في مناطقنا لم يجلب لنا سوى الأمراض.. لكن من ناحية أخرى يقول محمود: نحن ضد إتلاف آبار البترول أو الهجوم المسلح عليها فهي حق للدولة قبل أن تكون ملكاً لنا، ولكننا سنظل نطالب بحقوقنا بالطرق السلمية مهما طال الزمن أو قصر ويختم بالقول: نحن نحملكم المسؤولية كإعلاميين حتى تقوموا بتوصيل صوتنا إلى كافة الجهات التي يمكن أن تنصفنا.
من جهته قال الناشط الشبابي آدم حامد عبد الله: نحن كمجمتع محلي نعاني الأمرين من إهمال الحكومة وشركات البترول فنحن لدينا نقص في مياه الشرب ولا ندري أين تذهب أموال المسؤولية المجتمعية التي تأتي من الشركات، وأضاف: نحن كشباب نعاني من البطالة في ظل وجود فرص عمل كبيرة يستفيد منها غيرنا إذ يتم تعيين الموظفين والعمال من الخرطوم، هل تصدق أننا في منطقة بير عمر كلها ليس لدينا موظف أو عامل واحد يعمل في شركات البترول؟ وقال: نحن بالطبع لا نؤيد اللجوء إلى العنف فهو يوسع دائرة الضرر وقد تحدث من أبناء منطقة بير عمر نفر كريك منهم حامد محمود وموسى حماد موضحين حاجة المنطقة إلى خدمات الصحة والمياه والتعليم بالإضافة إلى الاتصالات .
* تخريب آبار المياه
في بحثي عن تساؤلات أهالي منطقة بير عمر خلصت إلى ثلاث حقائق مفزعة: أولاها أن معظم سكان هذه المنطقة كان قد تم ترحيلهم إلى قرى نموذجية الا أنهم عادوا إلى المناطق التي بها آبار البترول والثانية أن هنالك تخريب متعمد لبئر مياه الشرب الخاصة بهم من قبل جهات أخرى أو سكان مناطق أخرى لم تصلهم الخدمات فعمدوا إلى حيلة (علي وعلى أعدائي)،
والثالثة أن توجيهاً قد تم بتشغيل أبنائهم في الشركة ولكن عبر المعاينات التي يجب أن تتم بالخرطوم حيث رئاسة الشركة
*خفير قائد لحركة مسلحة:
من المفارقات العجيبة أن خفيراً بأحد مواقع الشركة هو من يدعي أنه أنشأ حركة مسلحة لتخريب آبار البترول وهو لا يملك سلاحاً ولا عتاداً ولا جنوداً ولكن بعض الإعلاميين يسلطون عليه الضوء أكثر مما يستحق وهو ما يخلق بعضاً من المعوقات في المنطقة، إلا أن الحكومة لا تريد الدخول معه في مواجهات لا تحمد عقباها.
السلامة أولاً:
تعتبر إجراءات السلامة المهنية رأس الرمح في كافة الصناعات التي تعتمد على الآلات أو تلك التي يحتمل فيها وقوع إصابات، مهما كانت قلة الإصابات أو تأثيرها، وفي مجال البترول تبدأ إجراءات السلامة منذ البداية، وحسب الباشمهندس حلمي الطائف مشرف السلامة بمربع 6 التابع لشركة بتروإنرجي فإن هنالك أصلاً إجراءات ملزمة للشركات باتباع إجراءات السلامة وذلك عند توقيع العقد.. ويواصل حلمي إفاداته لصحيفة (اليوم التالي) قائلاً: إن أي صناعة تنتج عنها مخلفات، لكن البترول أصلاً يجب أن تكون فيه نظم سيطرة، ونحن لدينا تشريعات ولوائح صادرة من وزارة النفط وهي كما أسلفت تصدر منذ توقيع العقد ومن ثم عقود العمل، كما أن هنالك أصلاً قسم مختص بوزارة النفط يسمى إدارة البيئة في مواقع الإنتاج النفطي ونحن كشركة نرسل تقارير دورية إلى وزارة النفط وللشركة أيضاً سياسات ولوائح متعلقة بإدارة البنية التحتية ولديها قسم مختص بإدارة السلامة، لذا فقد قامت الشركة بحصر وتسجيل وتقسيم كل المؤثرات المحتملة من عمليات استخراج البترول بالمربع ووضعت معايير ومقاييس للتحكم في هذه الآثار البيئية وذلك وفقاً للمتطلبات الدولية العامة والمحلية القانونية والمتطلبات الخاصة بالشركة حيث تكون كل القياسات البيئية دون الحد الأدنى المسموح به.
كما أن هنالك مصادر مكتملة لوجود مخلفات بيئية بترولية وهي :
عمليات التشغيل والحوادث الخارجة عن السيطرة وحوادث التخريب المتعمد من قبل مجهول وهذه الأخيرة تمثل النسبة الأعلى من تدفق الخام على الأرض وهي واحدة من التحديات التي تواجه الشركة حالياً وهي تتطلب المساعدة من الجهات الحكومية والأمنية للسيطرة على التخريب المتعمد أولاً
كما تقوم الشركة بنشر التوعية البيئية بين منسوبيها وتدريب موظفين لمراجعة كل ما يختص بالبيئة، كما قامت الشركة بالتعاقد مع شركات ومؤسسات متخصصة في إدارة المخلفات البيئية تشرف على معالجة أي مخلفات ناتجة عن العمليات المتعلقة باستخراج النفط ومن بينها الهيئة القومية للغابات والتي تقوم بمعالجة المياه الصناعية المرافقة لاستخراج النفط وذلك بعمل أحواض لاستيعاب تلك المياه ومعالجتها واستزراع نوع محدد من النباتات التي تقوم بامتصاص الخام والسموم من تلك المياه.
وهنالك أيضاً شركة لمعالجة المخلفات البترولية وهنالك معلومة مهمة عن خام البترول الذي يسيل على الأرض سواء عن طريق الفعل المباشر أو بالحوادث العادية إذ هنالك عملية بسيطة للتعامل مع ذلك أولاً نقوم بحفر الخام من الأرض مهما كانت المساحة ومهما كان عمق تسرب الخام في التربة، نقوم بأخذ تلك التربة إلى أحواض معدة مسبقاً ومن ثم يقوم تيم متخصص بخلط تلك التربة بروث الماشية فتنشأ من الخليط بكتريا تتغذى على خام البترول وتعود التربة إلى ما يقارب قوامها الطبيعي خالية من التلوث، كما أن هنالك شركة لمعالجة النفايات العادية التي تخرج من المعسكرات، كما أن هنالك تعاون بين الشركة وهيئة جامعة الخرطوم الاستشارية لعمل قياسات بيئية دورية في المربع الذي تعمل به الشركة وهنالك تعاون بين الشركة وهيئة جامعة الخرطوم الاستشارية لعمل قياسات بيئية دورية في مربع ستة الذي تعمل به الشركة، كما تتميز شركة بتروإنرحي باستخدام الغاز لتوليد التيار الكهربائي لتشغيل كل الآلات والمعدات والأجهزة التي تستخدم الكهرباء بالحقل والمكاتب الإدارية والثكنات، كما عملت الشركة على إنشاء مواقع محصنة بكافة الحقول للتعامل مع النفايات العادية التي تنتج من المعسكرات السكنية ومواقع الإنتاج حيث تشرف عليها شركة خاصة ولكن للأسف هنالك تكرار لسرقة السياج الحامي لهذه المواقع وكذلك العلامات التحذيرية حيث تقوم الشركة في كل مرة بعمل سياج جديد
وقد حازت شركة بتروإنرجي على المواصفة الدولية آيزو 14000و 45001
المختصة بنظم إدارة البيئة والسلامة المهنية.
وختاماً: حتى الآن لم يتم التبليغ رسمياً بأي حالة إصابة نتيجة التعرض لمخلفات بيئية فيما يخص الإنسان والحيوان.
شركات تتعامل مباشر مع المواطن
وأكد والي ولاية غرب كردفان الأستاذ خالد (قيلي) لـ(اليوم التالي) أن ما حدث بمناطق التنقيب عن البترول بالولاية مرده التعامل الفوقي للشركات التي تسعى إلى التعامل المباشر مع المواطن بمعزل عن حكومة الولاية وهذا أمر خطأ لأن الولاية هي المسؤول الأول عن خدمات ورفاهية المواطن كما أن مشروعات التنمية بالولاية لديها خارطة واضحة، ونحن كولاية نعرف احتياجات المناطق بصورة مخطط لها، ويقول الوالي إن التعامل المباشر مع المواطن يخلق بعض الغبن لأن هنالك مناطق بها خدمات أكثر تخل بالتوازن التنموي، ويختم قيلي بالقول: نحن كولاية ندين ونستنكر الهجمات المتكررة على مناطق البترول، ونقول إن مطالب المواطنين مشروعة ولكن لا يتم المطالبة بها على هذا النحو والاعتداء على المنشآت، لذا نطالب المواطنين بالحضور إلى مكاتبنا المفتوحة لهم ونحن لدينا خارطة تنموية تشمل كل مناطق الولاية ولنا شراكات ضخمة مع الكثير من المؤسسات والمنظمات المحلية والعالمية والاقليمية ولا يعجزنا تقديم كافة الخدمات للمواطن الذي هو رأس الرمح في التنمية.