عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق صديق تاور : كل المعطيات تشير إلى فشل العملية السياسية برعاية الآلية الثلاثية
الوسيط الأفريقي انحاز للعسكر وأتى بالفلول بـ”شعار” عدم الإقصاء
25 أكتوبر انقلاب فلول النظام البائد وحلفائهم من حركات مسلحة وانتهازيين مدنيين
مقدمة:
توقع عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق البرفيسور صديق تاور، فشل الحوار الذي انطلق برعاية الآلية الثلاثية وجُمِّدت اجتماعاته مؤخراً عقب انطلاق باهت، وبرر تاور توقعه بالطريقة التي تسير عليها الآلية، والتي حكمت عليه بالفشل قبل بدايتها.
واتهم تارور في حوار أجرته معه (اليوم التالي) الوسيط الأفريقي بالانحياز للعسكر، والعمل على إبعاد بعثة (يونيتامس) من المشهد، مشيراً إلى أن الطرف الأفريقي دخل منذ البداية بعقلية التسوية لصالح الانقلابيين، وتابع: “بحكم تجربته السابقة للأسف الوسيط جاء بشعار عدم الإقصاء وأدمج النظام البائد، ولعب دور المتآمر على الثورة السودانية وهو يعرف كل التفاصيل ويحاول إقحام النظام البائد وأعوانه في العلمية السياسية”.
وقال تاور، إن انقلاب 25 أكتوبر هو انقلاب فلول النظام البائد وحلفائهم من حركات مسلحة وانتهازيين مدنيين.
* كمدخل موضوعي للحوار، ما هو تقييمكم للوضع الذي تعيشه البلاد، بعد انقلاب 25 أكتوبر؟
انقلاب 25 أكتوبر الغادر الذي قام به المجلس العسكري الانتقالي، بقيادة البرهان وحميدتي، انطلق من خدعة (تصحيح مسار الثورة)، كشف منذ يومه الأول أنه انقلاب تحالف أعداء الثورة السودانية التي تفجرت ضد ديكتاتورية نظام الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة، بهدف حماية مصالحها الاقتصادية وحمايتها من المساءلة عن الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها بحق الشعب السوداني جماعياً أو فردياً.. هذا التحالف هو تحالف أصحاب المصالح التي انبنت في ظل القهر والظلم والفساد بامتداداتهم في مؤسسات الدولة المختلفة الأمنية والسياسية والاقتصادية، وفي الحركات المسلحة، إضافة لارتباطاتهم الخارجية بالمحاور الإقليمية والدولية، لذلك فقد انتهى بعد ثمانية أشهر من المناورات والأكاذيب إلى إعادة إنتاج ذات نظام المخلوع الذي عصفت به انتفاضة الشعب السوداني المجيدة في 11 أبريل 2019م، إعادة إنتاجه بذات الدموية والبشاعة والقبح. وبذات العزلة الشعبية والدولية، وبذات سياسات الإفقار والاحتقار للشعب.
إذاً هو ببساطة انقلاب فلول النظام البائد وحلفائهم من حركات مسلحة وانتهازيين مدنيين.
* هنالك اعتقاد أن غرض 25 أكتوبر، هو إعادة فلول النظام البائد للواجهة مجدداً؟
الانقلاب الذي زعم تصحيح مسار الثورة لم يفعل أكثر من إلغاء ما تم إنجازه في عامي الحكومة الانتقالية، على صعيد تفكيك مخالب زمرة (الكيزان) المسمومة من جسد الدولة، فقد أعادهم إلى مواقعهم التمكينية السابقة في كل الأجهزة، وأعاد لهم منهوباتهم من أموال وأصول هدت جسم الاقتصاد الوطني، وخلصهم من العدالة.. إلخ. مثلًا فك تجميد أرصدة المئات من الفلول، ثم إعادة تجميدها مرة أخرى بعد أسبوع، ماذا يفسر ذلك.. وعلى ذلك قس.
* البعض يقول إن التسوية التي تقودها الآلية الثلاثية لإعادة الشراكة مع العسكر من جديد؟
الآلية الثلاثية أرادت شرعنة الانقلاب بفرض تسوية سياسية تحمي الانقلابيين من جريمه الانقلاب والغدر، وتسمح بعودة النظام البائد بلافتات جديدة يرعاها ويحتضنها قادة الانقلاب.. وهذا نهج فيه استخفاف بتضحيات السودانيين الكبيرة على مدى السنوات المنصرمة، وفيه عدم جدية في ما يقولون عن دعم الانتقال المدني الديموقراطي.. إذا كان وصف ما حدث في ٢٥ أكتوبر أنه انقلاب عسكري فهو بالتأكيد ضد التحول المدني الديموقراطي وعرقلة له.. وبالتالي فالواجب هو عزل الذين قاموا بهذا الفعل الضار عن أي دور في العملية السياسية القادمة قبل محاسبتهم عليها، وينطبق هذا أيضاً على من ساندهم في فعلتهم الشنيعة هذه من حركات مسلحة أو مدنيين.
وينبغي أن نتعلم من تجربة الشراكة التي انتهت بالغدر والخيانة.
* يتهمون المجلس المركزي بمحاولة إجراء تسوية، خاصة عقب لقاء المكون العسكري بوساطة سعودية أمريكية؟
اللقاء الذي تم بمنزل السفير السعودي في الخرطوم الأسبوع الماضي، لم يكن حواراً بين المكون العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير. هي دعوة قدمتها المبعوثة الأمريكية للاستماع لرأي الآخيرين حول رؤيتهم للخروج من الأزمة بحضور عسكر الانقلاب، وذلك بعد أن رفضت الحرية والتغيير الجلوس مع وكلاء الانقلاب. وأوضحت ذلك في مؤتمرها الصحفي وفي التنوير الذي قدمه عمر الدقير بدار حزب الأمة، قدمت الحرية والتغيير اشتراطاتها بإنهاء الانقلاب وإقامة سلطة مدنية كاملة، وإلغاء ما قامت به سلطة الانقلاب على كافة الأصعدة، والمحاسبة على الجرائم التي ارتكبت بعد الانقلاب، وعدم الرجوع لما قبل ٢٥ أكتوبر.
وكان اللقاء علنياً وليس سرياً ونقل ما تم للشعب السوداني بالوسائل الإعلامية المختلفة، أعتقد ما حدث يجب أن ينقل القوى المناهضة للانقلاب خطوة باتجاه التنسيق لإسقاط هذا الانقلاب.
* في منحى آخر، كيف تنظرون لدور الوسيط الإفريقي ود لبات، في حل الأزمة؟
ظهر ولد لباد في المشهد السوداني أول مرة بعد سحب البساط من الوساطة الإثيوبية التي قادها الرئيس أبي أحمد في مايو ٢٠١٩م. وظل حاضراً حتى توقيع الوثيقة الدستورية في أغسطس ٢٠١٩م. وبالتالي كان متوقعاً أن يكون ظهوره من جديد ضمن الآلية الثلاثية وبعد ثلاث سنوات من التجربة العملية للوثيقة الدستورية، من باب معرفته بالأطراف الأساسية وبالتزاماتها المنصوص عليها ومحاكمة التجربة على هذا الأساس، ولكن الواضح أنه جاء بأولوية أن يسحب البساط من البعثة الأممية، وأن يستأنف دوره بذات الطريقة وكأن الزمن قد تجمد خلال سنوات غيابه. وهو بهذا أصبح خصماً على العملية وليس إضافة.. هذا ما يجعلنا نطرح على الاتحاد الأفريقي وكذلك (الإيغاد) استبدال مبعوثيهما بآخرين لهم القدرة على التعاطي مع الأزمة الحالية بمستوى مختلف من الإدراك والجدية.
* هل تتوقعون نجاح الحوار في ظل الرفض والتجاذبات التي تشهدها الساحة السياسية حالياً؟
لكيما ينجح أي حوار لابد من محددات متفق عليها تنظم عملية الحوار نفسها، ما هي الأطراف المعنية بالحوار؟ وما هي مرجعياته؟ وما هي مستهدفاته؟ ثم ما هي ضمانات تنفيذ مخرجاته؟
هذه أسئلة جوهرية ينبغي أن نجيب عليها قبل الشروع في أي إجراءات عملية.
الإصرار على إقحام فلول نظام البشير بعناوين ولافتات مكشوفة، وأدوات الانقلابيين، من معتصمي الموز ومشايعيهم، في حوارات رسم مسار التحول الديموقراطي بالبلاد هو أمر غريب حقاً. لا يمكن أن نضع رئيس حملة (تقعد بس)، ووزير داخلية المخلوع، ودعاة (الليلة ما بنرجع إلا البيان يطلع)، ووزراء الانقلاب، نضعهم تحت مظلة واحدة مع أسر الشهداء، ولجان المقاومة، وقوى الحرية والتغيير، ومحامي الطوارئ وكل الرافضين للانقلاب من قوى الثورة السودانية. هذا ضرب من العبث. مثل هذا الحوار أفضل منه محاورة عمر البشير ونظامه الساقط.
* في حال فشل الحوار المباشر، ما هي الخيارات المتاحة أمامكم، والطرف الآخر؟
ليس هناك حوار أساساً لأنه لا توجد أرضية مشتركة، هناك مجموعة نفذت انقلاب عسكري على سلطة مدنية فرضتها إرادة الشعب السوداني التي أسقطت نظام البشير، من أجل سلطة مدنية ديمقراطية واضحة المعالم. هذه المجموعة الانقلابية ارتكبت بحق البلد والشعب فظائع لا تغتفر.. فعلى ماذا تتحاور وبأي حق تريد أن تتحاور؟!
الشيء الوحيد هو أن تسلم السلطة لمن تتوافق عليه قوى الثورة وتمتثل لإرادة الشعب
* كيف تنظر إلى الأصوات التي تنادي بطرد البعثة الأممية؟
الأصوات التي تنادي بطرد البعثة هم أبواق الانقلابيين.. ممن لا يريدون نجاح التحول المدني الديموقراطي.. وقادة الانقلاب الذين أزعجهم تقرير رئيس البعثة حول واقع حقوق الإنسان في ظل الانقلاب، لمجلس الأمن في مارس الماضي.
* الشارع ينتقد مواقف القوى السياسية المتشاكسة فيما بينها، في تقديرك هل ما يجري يمكن أن يكون سبباً من أسباب إطالة عمر الانقلاب؟
عدم الوصول لصيغة تنسيقية بين القوى الوطنية الرافضة للانقلاب طيلة هذه المدة، رغم الاتفاق على هدف إسقاط الانقلاب، ورغم العديد من المشتركات الوطنية، ورغم ما قالته التجربة العملية لقوى الثورة في عدد من الولايات، هو شيء مؤسف. لأن المستفيد الوحيد هو حلف الانقلابيين والمتضرر المشترك الأعظم من هذا الانقلاب هو الشعب السوداني كله بلا استثناء.
هناك أطراف محسوبة على قوى الثورة تجتهد بكل طاقتها في عرقلة عملية الوصول لصيغة تنسيق توحد مظلة إسقاط الانقلاب، وتعمل من جهة على إفشال مساعي الآخرين التنسيقية، حتى تستفرد هي بمركز يتيح لها الهيمنة كما تعتقد.. وهذه فضلًا عن طفولتها اليسارية ونرجسيتها، فإنها تخدم الانقلاب بوعي أو بدون وعي.
الإسراع ببناء جبهة شعبية واسعة لإسقاط الانقلاب واستعادة الديموقراطية، على غرار ما تم في ولايات مثل الجزيرة ونهر النيل وكسلا و …
* هل تتوقعون أن يسلم العسكر السلطة فعلًا لحكومة مدنية ويعودوا إلى الثكنات؟
هذا ليس واردًا إلا إذا ضاق عليهم الخناق أكثر وأكثر، بالفعل المقاوم السلمي الواسع المتنوع المتجدد. واستمرت العزلة السياسية والدبلوماسية. فهؤلاء ارتكبوا جريمة الانقلاب ضد شعبهم لكيما يبقوا على السلطة (خوفاً وطمعاً). لذلك تراهم يدعون أنهم سيسلمون السلطة للمدنيين مرة إذا توافقوا ومرة أخرى بعد الانتخابات.. وفي نفس الوقت يطلقون أيدى أجهزتهم القمعية بوحشية ضد أي حراك جدي كما حدث في يوم تدشين الجبهة الشعبية الواسعة في مدني، حيث اقتحمت أجهزتهم الأمنية الاجتماع واعتقلت رئيس الاجتماع الأستاذ عبد الله محمد الحسن بلا تهمة، وأبقته قيد الاعتقال حتى بعد ما قيل عن رفع حالة الطوارئ. لا يمكن بأي حال الثقة في قادة هذا الانقلاب الدموي.