عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق البرفيسور صديق تاور: هذه (…) هي الإجراءات المطلوبة لإقامة انتخابات مُبكرة
هذا (…) هو الأمر المؤسف الذي ساعد فيه بعض مدنيي السيادي المكون العسكري
قادة الانقلاب وأعوانهم يحاولون شيطنة الأحزاب
العلاقة بين “العسكر والمدنيين” في الأشهر الأولى كانت تدار بمسطرة الوثيقة الدستورية
مقدمة:
في الجزء الأول من الحوار، تحدث عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق البرفيسور صديق تاور، عن مآلات الأوضاع السياسية وتأثيرات انقلاب الـ(25) من أكتوبر على الساحة الداخلية والخارجية، وعلاقة الوسيط الأفريقي بالعسكر.
أما في هذه الجزئية الأخيرة من الحوار تحدث تاور، عن العثرات التي واجهت الحكومة الانتقالية في قضايا وملفات أبرزها السلام واستكمال هياكل السلطة، وتحدث أيضاً عن آرائه التي قدمها داخل مجلس السيادة قُبيل انقلاب 25 أكتوبر حول ملف التطبيع وغيره من القضايا الساخنة.
ويقول تاور إن حكومة جوبا لم تكن موفقة في اختيار الوسيط المناسب لإدارة ملف السلام، ووصف الاتفاقية بـ(العرجاء) في وقت حمل فيه المكونات الـ(3) التي شاركت في السلطة مسؤولية فشل ملفات عدة.
فإلى مضابط الحوار..
* هنالك حديث عن انتخابات مبكرة في حال عدم توصل الآلية إلى حل؟
الانتخابات المبكرة تحتاج إجراءات عملية مبكرة أيضاً.. أولها زوال الانقلاب وكل مترتباته التشريعية والقانونية والسياسية والأمنية والإعلامية.. وخلق بيئة صحية للانتخابات تضمن عدم تحولها لأزمة جديدة مضافة لأزمات الانتقال في السودان.. هذه المطلوبات تقوم بها سلطة مدنية كاملة يتوافق عليها مناهضو الانقلاب من جهة، والتكوينات السياسية والمدنية الأخرى المعنية بالمشاركة في الانتخابات، فهي ليست صناديق فارغة تتم تعبئتها بالتزوير والتلاعب بالأرقام وبالدوائر الجغرافية، وتوجيه الأجهزة الأمنية وتحشيد جماعة الدفع المقدم كما كان يفعل عمر البشير.
وهي بيئة لا يقوم بتهيئتها إلا من يؤمن بالديمقراطية وهؤلاء ليس من ضمنهم الانقلابيين من عسكر وحركات ومدنيين.
* ماذا عن شيطنة الأحزاب؟
الأصوات التي تحاول شيطنة الأحزاب الوطنية على رأسها البرهان وحميدتي قائدا انقلاب ٢٥ أكتوبر الدموي، عاونهم في دعايتهم الفارغة تلك جماعة ما عرف بـ(اعتصام الموز) من فاقد سياسي وفلول.. هؤلاء جميعاً معروفة دوافعهم يحركهم الغرض والمرض.
* طبيعة العلاقة بين العسكر والمدنيين، إبان الشراكة، هل كان هناك مشاورة في اتخاذ القرارات؟
في الأشهر الأولى كانت الأمور تدار بمسطرة الوثيقة الدستورية في توزيع المهام تصريفها، وكانت هناك روح تعاون ظاهرة خاصة إذا نظرنا لطبيعة المشاكل غير المتوقعة في حينها مثل كارثة السيول والفيضانات على نطاق جغرافي واسع، ووباء الكوليرا في بعض الولايات، ومهددات الموسم الزراعي، والصدامات المسلحة ذات الطابع القبلي هنا وهناك وغيرها.. هذه كانت ضغوط فرضت نفسها وفرضت على الجميع أن يتعاونوا لمواجهتها بروح المسؤولية الوطنية.
ولكن في ذات الوقت لم تكن الثقة متوفرة بالقدر الذي يدعو للاطمئنان. خاصةً مع ظهور نزعة منافسة رئيس الوزراء في سلطاته وصلاحياته مما خلق تقاطعات مربكة، للأسف ساعد بعض مدنيي السيادي في ذلك. ظهر ذلك في ملف السلام بشكل واضح.
* إلى أي مدى كان لتوقيع اتفاق سلام جوبا في 3 أكتوبر أثر في إيقاف الحرب بالبلاد، وما تقييمكم للاتفاق؟
مع الرغبة الكبيرة لتحقيق السلام كهدف رئيس للفترة الانتقالية كما حددت الوثيقة الدستورية، اندفع كثيرون بالعاطفة والحماسة والحلول السهلة، ولم ينظروا للأمور بما تستحق من أبعاد متكاملة، فتم تهميش رئيس الوزراء عمداً واستحواذ المكون العسكري على الملف اختطافاً، وبمساعدة بعض أطراف العملية، فالوثيقة الدستورية تتحدث عن سلام شامل، بينما هؤلاء كانوا يتحدثون عن مدى زمني فقط، وممولين ومسهلين وضامنين حتى نسوا جوهر العملية السلمية نفسها..
وعلى الرغم من ظهور جوبا كمنبر شقيق، إلا أن حكومة الجنوب لم تكن موفقة في اختيار الوسيط المناسب لإدارة ملف بهذا القدر من التعقيد.. كما أن بعض الحركات كانت تضمر نوايا تآمرية ومظاهر سلوكية انتهازية، لم تتضح إلا بعد مشاركتهم في السلطة الانتقالية.
إضافة لذلك ممانعة حركتي الحلو وعبد الواحد في ااإنخراط فيها جعل منها عملية عرجاء .
* في منحى آخر، حدثنا عن تجربة إكمال مؤسسات السلطة الانتقالية، قبل الانقلاب؟
تضافرت عوامل وأطراف عدة في عرقلة استكمال بناء هياكل السلطة الانتقالية، منها على سبيل المثال مجموعة سلام جوبا التي كانت تصر أن يظل كل شيء كما هو موروث من نظام المؤتمر الوطني إلى حين توقيعهم على اتفاق سلام.. وفي نفس الوقت لم يكونوا مهمومين بسرعة الوصول لهذا الاتفاق.. هذا كان شرطًا في صالح النظام البائد وليس لصالح قوى الثورة. وللأسف جاملتهم الحرية والتغيير فظل كل شيء على حاله وكل السودان يشتكي من استمرار النظام البائد في مفاصل الدولة ومؤسساتها يمارس ما يمارس من تخريب وهزيمة لمشروع الثورة السودانية.
الأمر الثاني تعلق بتلكؤ قوى الحرية والتغيير في تكوين المجلس التشريعي، واستمراء صيغة المجلسين كآلية بديلة حتى في القضايا التي هي أكبر من المجلسين.
أما الثالث فتمثل في إصرار المكون العسكري على حماية عناصر النظام البائد وحرصه على فرضهم ضمن مؤسسات السلطة الانتقالية. هذا الإصرار الغريب على رأسه ثنائية البرهان – حميدتى بشكل أساسي.. يلاحظ ذلك على مستوى عمل لجنة التفكيك، ومؤسسات العدالة، إشرافية أبيي.. إلخ.
* في قضية التطبيع، ماذا كان موقفك داخل مجلس السيادة حيال الملف؟
هناك حقائق أساسية في موضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني لا بد من الوقوف عندها، فقد ظهر هذا الموضوع بشكل مفاجئ وفردي بزيارة البرهان لعنتيبي دون أن يطلب منه أحد ذلك، ودون أن يشاور أحداً، علماً بأن التطبيع مع إسرائيل ليس من أجندة الفترة الانتقالية، ولا من بنود الوثيقة الدستورية، ولا من أولويات الشعب السوداني.. وقد نفى رئيس الوزراء صلته بهذه الخطوة رغم ادعاء البرهان أنه أطلعه عليها.
أهم من ذلك أن تفكيك السودان لدويلات متحاربة بتصعيد الاختلافات القبلية والإثنية والجهوية والدينية، وتشجيع النزاعات المسلحة بين هذه المكونات، هو هدف استراتيجي معلن تجاه السودان وليس خفياً، باعتباره (بحسب التقديرات الأمنية الإسرائيلية نفسها)، بمساحته وتعداد سكانه وجغرافيته وتاريخه، إذا ما توفرت له فرص الاستقرار الأمني والسياسي، سيكون المهدد الأكبر لمشروع الدولة الصهيونية في أفريقيا والمنطقة العربية. هذا معلن في الأدبيات السياسية الإسرائيلية، لذلك يعتبرون انفصال جنوب السودان واحد من نجاحات خطتهم هذه، وخطوة من خطواتها، فما الذي يجعلنا نفتح الباب للثعبان ليدخل في بيتنا؟!!
أضف أيضاً أن الطريقة التي تعاملت بها أطراف الحكومة الانتقالية فيما بعد كلها غير مؤسسية ولا دستورية، وقد كتبت مذكرة بعد اجتماع إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل بطريقة استغفالية تآمرية لمجلس السيادة ومجلس الوزراء ضمنتها الحيثيات التي تفضح ما قاموا به من مؤامرة ضد الشعب السوداني الذي صادروا حقه في قضية أكبر منهم ومن ألاعيبهم. إذاً بعيداً عن الآيديولوجيا والدين والقومية، تكفي علاقة الصهاينة بالمكون الانقلابي سبباً لكي يعيد كثيرون النظر في تفكيرهم تجاه هذا الكيان المعادي لتطلعات الشعب السوداني وهو يناضل من أجل الاستقرار والتقدم.
للأسف بعض أعضاء الحكومة الانتقالية كانوا يقومون بأدوار عمالة مفضوحة في هذا الإطار، بحماسة يحسدون عليها، ولا ندري من أين أتى هؤلاء وكيف تسللوا إلى صفوف الثورة السودانية!.