استثمارات الإمارات.. السودان القطر الجاذب والملاذ الآمن
قال أكاديميون ومحللون اقتصاديون إن الاتفاق لإنشاء ميناء جديد بمواصفات حديثة خطوة في الاتجاه الصحيح، مضيفين أن هناك فوائد اقتصادية للسودان إضافة إلى تشغيل العمالة، وأوضحوا أن السودان يحتاج فعلاً لمنطقة تجارة حرة ليتحول إلى مركز تجارة، ويرون أنه من المهم توضيح رؤية الحكومة لتطوير الموانئ الأخرى حيث لا تتضرر مصالحهم، إلى جانب الكشف عن عدد العمالة السودانية التي ستكون ضمن الطاقم، وحذروا من عقبات تواجه المشروع المتمثلة في كيفية ضمان مصالح أهل شرق السودان وكسب ثقتهم.
إعلان الاتفاق
وبحسب مصادر صحافية فإن الحكومة السودانية ترتب للإعلان عن اتّفاق لإنشاء ميناء جديد بمواصفات حديثة شمال مدينة بورتسودان بتمويل من شركة أبو ظبي القابضة وذلك ضمن مشروعات زراعية واستثمارية تبلغ تكلفتها ستة مليارات دولار شراكة مع”مجموعة دال، المشروع يحتوي أرصفة بمواصفات عالمية، وأنظمة مناولة حديثة لاستقبال سفن الحاويات الكبيرة، إضافةً إلى سفن السحب السائب ذات السعة العالية، كما يحتوي المشروع على منطقة حرّة صناعية تجارية ضخمة، ومنطقة سكانية تستوعب نحو مائة ألف من العاملين بالميناء، ومن المقرّر إنشاء طريق مرور سريع بطول 450 كيلو متر من منطقة مشروع أبو حمد الزراعي بولاية نهر النيل إلى الميناء الجديد بتمويل من صندوق أبو ظبي لمدة 25 عاماً.
استثمار جيد
ويعتقد أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين، مزمل الضي عباس، أن هذا المشروع اقتصادياً خطوة في الاتجاه الصحيح إن لم يكن فيها بعض الأجندة السياسية المختلفة، واعتبر أن أي استثمار أجنبي يأتي من الخارج سواء كان استثماراً في القطاع الزراعي أو الصناعي أو قطاع النقل أو يمثل استثمار في الموانئ البرية، اعتبر أنه استثمار جيد يرفد الاقتصاد بموارد مالية
عمالة وإيرادات
وأشاد بشراكة المشروع، وقال في حديثه لـ”اليوم التالي” إن الناحية الاقتصادية الاستثمار كشراكة مع الحكومة الإماراتية متمثلة في أبو ظبي شراكة ممتازة، مبيناً أن أسامة داوود الشريك فيه يعتبر استثماري سوداني ناجح له العديد من الشركات العاملة في قطاع الاقتصاد، ومساهمة بقدر كبير من ناحية تشغيل العمالة والإيرادات التي تأتي للحكومة عن طريق الشركة.
عوائد وأرباح
ولفت إلى أن هذا المشروع على مدى 25 عام يسمى نظام التشغيل والتمويل والبناء، موضحاً أن الحكومة التي تأتي كمستثمر في البلاد تقوم بتمويل المشروع بالكامل حتى تشغيله ويكون على مدى سنوات معينة، ويبين أن هذه الشراكة الحكومة المتمثلة في هذا النظام خلال 25 أو 30 عام تأخذ من المشروع بعض العوائد والأرباح التي تأتي، وفي نفس الوقت تقوم بالصيانة الدورية للمشروع وتجديده سنوياً، وتابع: وبعد هذه السنين تعقد شراكة جديدة أو توقف المشروع، وزاد: عند إيقاف المشروع فسيكون بالكامل لحكومة السودان ويمكن أن تقوم بتشغيله.
فوائد كبيرة
ويشير إلى أن من فوائد المشروع الفائدة الاقتصادية لحكومة السودان، إضافة إلى تشغيل العمالة، موضحاً أن ميناء بورتسودان يمثل واجهة للسودان ويعتبر معبر لكثير من الدول في مناولة الحاويات ونقل البضائع، إضافة إلى استيراد السلع والخدمات لدول أخرى مثل الدول الحبيسة مثل تشاد وأفريقيا الوسطى، ويضيف أن في هذا المشروع طريق قومي من منطقة أبو حمد المشروع الزراعي إلى منطقة الميناء الجديد الذي سيتم إنشاؤه، معتبراً أن ذلك فيه فائدة كبيرة جداً منها ربط المدينتين عن الطريق المعبد، قاطعاً أنه سيسهم كثيراً في النقل البري وتقليل التكاليف من مشروع إلى مشروع آخر ويفتح آفاقاً جديدة لمشروعات زراعية وصناعية أخرى وغيرها من المناطق في الولاية الشمالية.
حركة تجارية
ويواصل مزمل قائلاً: عندما نأخذ الموضوع من زاوية جيوبوليتكية نلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق السعودية والإمارات، تريد أن تسيطر على الموانئ البحرية، وأضاف: تعتبر المداخل الأساسية للحركة التجارية العالمية، وتابع: هي لا تريد للصين مثلاً أن تدخل في مثل هذا المشروع مع حكومة السودان، موضحاً أن دخول الصين من بوابة السودان سيكون لها تمدد في القارة الأفريقية خاصة أن السودان مدخل وبوابة ذات أهمية بمكان بحكم الموقع الجغرافي الحيوي.
مواصفات عالمية
وطالب الحكومة بضرورة أخذ الحذر في حالة توقيع الشراكة مع حكومة أبوظبي بأن تضمن إتمام تنفيذ المشروع بالمواصفات العالمية ومن ثم تمويله وتشغيله وصيانته في حالة انتهاء الفترة المتفق عليها بين الجانبين، وقال: حتى لا نقوم باستلام مشروع منتهي الصلاحية لا يصلح لتحمل عشر حاويات ناهيك عن آلاف الأطنان من الحاويات.
مصالح السودان
وقال الباحث والمحلل الاقتصادي د. فاتح عثمان إن المشروع الذي أعلنه رجل الأعمال أسامة داوود باعتبار أن شركته جزء منه هو استثمار بقيمة 6 مليار دولار، مضيفاً أنه يحتوي على مشروع زراعي في أبوحمد وطريق مرور سريع وميناء حديث ومنطقة حرة في الميناء ومدينة سكنية للعاملين تتسع لـ100 ألف عامل، ويعتقد أن هذا المشروع إن تمت صياغة الاتفاق المنظم له بما يكفل مصالح السودان ويكفل مصالح أبناء شرق السودان خاصة، يجب أن يجد الترحيب وأن تقدم له كل التسهيلات الممكنة، وبرر ذلك لأن وضع موانئ السودان بشكلها الحالي غير مهيأة لنقل تجارة السودان بشكل كفء ناهيك عن نقل تجارة الدول الأخرى الحبيسة مثل إثيوبيا وجنوب السودان وتشاد.
أخطر العقبات
ونوه الى أن السودان يحتاج فعلاً لمنطقة تجارة حرة ليتحول إلى مركز لتجارة الترانزيت في إقليم شرق أفريقيا، ويشير إلى أن أخطر عقبات تواجه هذا المشروع هو كيفية ضمان مصالح أهل شرق السودان وكسب ثقتهم في أن المشروع ليس القصد منه تشريد أبناء البجا ولن يؤدي لفقدان عملهم في الموانئ.
موقع استراتيجي
ويوضح الباحث بالمركز الدولي لدراسات المستقبل، محي الدين محمد محي الدين، أن الاقتصاد السوداني يحتاج إلى استثمارات تنهض بالبنية التحتية وتطور من الخدمات خاصة في الموانئ، ويقول في حديثه لـ”اليوم التالي” إن السودان يمتاز بموقعه الاستراتيجي على البحر الأحمر الذي يؤهله لأن يكون منطقة جذب اقتصادي واستثماري، مبيناً أن ضخ الإمارات مبلغ 6 مليار دولار في مشروعات ذات عائد اقتصادي سيكون تحولاً مهماً يعزز من فرص نمو الاقتصاد الوطني، وتابع: ومع أن هناك تحفظات مردها الخوف من تأثير قيام الميناء على الموانئ السودانية الأخرى إلا أن مسؤولية الدولة أن تعمل على تطوير هذه الموانئ وتدعمها بمعدات المناولة الحديثة وجعلها محطات متخصصة كأن توظف في نقل البضائع وتلبية احتياجات دول الجوار المغلقة.
تحقيق مصالح
وقال: مثلاً يمكن تقديم تسهيلات تشجع دول غرب أفريقيا على نقل بضائعهم عبره عن طريق تشاد وأفريقيا الوسطى، لافتاً إلى أن هذا يحتاج عملاً في تطوير بنيات النقل البري والسكك الحديدية ومن شأن هذا الأمر أن يعزز كذلك من العلاقات التجارية مع دولتي إثيوبيا وجنوب السودان اللتان تعتمدان على الموانئ السودانية بشكل كبير في استقبال حاجتهما من البضائع، مشيراً إلى أن ذلك يمكن أن يحقق المصالح العليا للبلاد باستقبال استثمار يزيد من استفادة بلادنا من موقعها الاستراتيجي وفي ذات الوقت نعمل على أن لا تضار الموانئ الأخرى.
التزام وشفافية
وقطع محي الدين أن قيام مشروع اقتصادي متكامل يتضمن استغلالاً للأراضي الخصبة في الزراعة مع إنشاء طريق بري يربط المشروع بالميناء سيمثل طفرة مهمة تحقق ترقية الاقتصاد، ويرى أن الواجب يحتم الالتزام بالشفافية في طرح المشروع على الشعب السوداني وبيان الفوائد المرجوة منه، إضافة إلى توضيح العائد المتوقع والمدة الزمنية التي ستؤول خلالها ملكية المشروع بمكوناته المختلفة لحكومة السودان، وتابع: الأهم توضيح رؤية الحكومة لتطوير الموانئ الأخرى بحيث لا تتضرر مصالح العمال والكشف عن عدد العمالة السودانية التي يتوقع لها أن تكون ضمن أطقم العمل في المشروع، وقال: بذلك يتفهم الناس الجدوى الاقتصادية للمشروع ويتبدد الخوف من انعكاساتها على واقع إنسان شرق السودان الذي ترتبط حياة معظم ساكنيه بالبحر وموانئه.