تعد الاشتباكات المسلحة على طول الحدود بين السودان وإثيوبيا أحدث تطور في تاريخ من الاعتداء المستمر منذ عقود من جانب أديس أبابا، رغم أنه من النادر أن يقاتل الجيشان الإثيوبي والسوداني بعضهما البعض مباشرة للسيطرة على الأراضي، إلا أن الأخيرة تقوم بانتهاكات واعتداءات متكررة على القوات السودانية والمدنيين من المزارعين والمواطنين هناك.
في وقت متأخر من مساء أمس الأول قال الجيش إن “الجيش الإثيوبي أعدم 7 من جنودنا ومدنياً كانوا أسرى لديه، ومن ثم عرضهم على مواطنيهم”.
رد حاسم.. والبرهان في الفشقة
وتوجه رئيس المجلس السيادي القائد الأعلى للقوات المسلحة، الفريق عبد الفتاح البرهان أمس إلى منطقة الفشقة المحاذية للحدود مع إثيوبيا، التي تتهمها الخرطوم بإعدام 7 جنود سوادنيين بالإضافة إلى مدني.
وتعهد الجيش “بأن هذا الموقف الغادر لن يمر بلا رد، وسترد على هذا التصرف الجبان بما يناسبه، فالدم السوداني غالٍ، دونه المهج والأرواح”.
ويتركز النزاع المستمر منذ عقود مع إثيوبيا على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، تقع داخل حدود السودان في مدينة الفشقة، وفقاً لاتفاقية حددت الخط الفاصل بين البلدين في أوائل القرن العشرين.
وتنقسم الأراضي التي تعتدي عليها القوات الإثيوبية إلى 3 مناطق، وهي الفشقة الصغرى والفشقة الكبرى والمناطق الجنوبية، وتبلغ مساحتها نحو مليوني فدان، وتقع بين 3 أنهر هي ستيت وعطبرة وباسلام، ما يجعلها خصبة لدرجة كبيرة، وتمتد الفشقة لمسافة 168 كيلو متر مع الحدود الإثيوبية، وتقع ضمن المسافة الحدودية لولاية القضارف مع إثيوبيا والبالغة حوالي 265 كيلومتر.
وعلى الرغم من أن الحدود التقريبية بين البلدين معروفة جيداً، يحب المسافرون أن يقولوا إن إثيوبيا تبدأ عندما تفسح السهول السودانية الطريق للجبال الإثيوبية.
أزمة قديمة متجددة
ويقول خبير التفاوض اللواء أمين إسماعيل مجذوب، في إفاداته لـ(اليوم التالي) إن أزمة الفشقة هي أزمة قديمة متجددة منذ العام 1902 بتحديد الحدود ووضع العلامات في العام 1903 وبالتالي إثيوبيا لا تملك أي حق في الحديث عن أحقية هذه المنطقة لأن الحكومة في ذلك الوقت بقيادة الإمبراطور منليك والسودان كان تحت الاستعمار ولذلك الأمر قانونياً محسوم لصالح السودان.
وتابع بالقول: لكن تدرجاً مع الأحداث السياسية كان هنالك اتفاق في العام 1972 والسماح لبعض المزارعين الإثيوبيين للدخول لممارسة الزراعة والعودة بعد الحصاد، ثم جاءت محاولة اغتيال “حسني مبارك” لتضغط إثيوبيا عبر مجلس الأمن على السودان بشكاوى سنوية كان الثمن فيها السكوت عن الدخول إلى مناطق الفشقة لأكثر من 20 عاماً.
وحدات عسكرية مدعومة
من ناحية العمليات على الأرض، يقول مجذوب إن إثيوبيا تستخدم وحدات عسكرية تسمى “مليشيات الشفتة” وهي عبارة عن وحدات عسكرية مدعومة ترتدي الزي المدني وأحياناً تسمى “الفانو”، لكن في النهاية هي واحدة من الكروت التي تستخدمها إثيوبيا ضد الجيش السوداني أو المواطنين السودانيين.
وأشار إلى أنه منذ نوفمبر 2020 أعادت القوات المسلحة انتشارها في المنطقة وأعادت السيطرة على المناطق الزراعية، وأن إثيوبيا من الواضح أنها أصبحت تعاني داخلياً على المستوى الاقتصادي وخاصة أقلية الأمهرا التي كانت تستفيد من هذه المناطق، وهي الآن ترعى الحاضنة السياسية للرئيس الإثيوبي، إذاً نحن الآن أمام أزمة داخلية في إثيوبيا تعمل على تفريغها ونقلها للخارج لإدارة أزمتها الداخلية بالأزمة، لذلك بدأت المناوشات قبل شهور بخطف مواطنين وطلب فدية وعمل كمائن للقوات المسلحة التي تتحرك لتمشيط المنطقة وكانت الكارثة الكبرى الأخيرة هؤلاء الجنود الأبطال الذين تم أسرهم وقتلهم والتمثيل بهم، إثيوبيا مباشرة ستعلن أن هؤلاء هم المليشيات والشفتة ومليشيات الفانو وأنها لا تملك سيطرة عليهم، هذا هو المتوقع وهو أمر باطل ومردود عليهم، وفي تقديري إثيوبيا حسمت أمر التقراي في أسبوع كما ادعى أبي أحمد وكيف لا يستطيع أن يسيطر على مليشيات لا تتعدى 500 مقاتل كما تدعي إثيوبيا، وهذا الأمر مسؤولية تتحملها إثيوبيا، ومن ناحية أخرى قواعد الاشتباك وقوانين جنيف للأسرى تتحدث عن احترام الأسرى وعدم قتلهم وعدم استغلالهم في أي أعمال للسخرة أو تعريضهم لتجارب طبية، إثيوبيا اخترقت جميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وبالتالي للسودان الحق في مقاضاتها أمام الأجهزة العدلية الدولية وأيضاً له حق الرد في الزمان والمكان الذي تختاره القوات المسلحة، وأضاف: “القوات المسلحة لا تتحرك بالردود والانفعال، ولكن نعتقد أنه آن الأوان لأن يتم تلقين إثيوبيا وجيشها درساً لا ينسوه”.
وبحسب مجذوب فإن إثيوبيا ربما تعتقد أن النظام في الخرطوم ضعيف ومشغول بالأزمة السياسية، ولذلك تمددت وتحاول أن تفرض أمراً واقعاً وترى أنه يمكنها من وضع استراتيجيتها في المنطقة موضع التنفيذ، ولكن هذا الأمر خاطئ وغير صحيح، وأضاف: “أيضاً الآن هنالك صراع بين التقراي والإثيوبيين في الداخل والسودان كان محايداً، لكن الحكومة هناك لا تتعظ بالمواقف والدروس التي تقدمها لها الخرطوم”
الخارجية السودانية تتحرك
ودانت وزارة خارجية الاثنين بأشد العبارات قيام الجيش الإثيوبي بقتل 7 أسرى من الجنود السودانيين ومواطن مدني، بعد اختطافهم في 22 يونيو الماضي.
واعتبرت الخارجية قتل الأسرى السودانيين “جريمة نكراء تجافي مبادئ القانون الإنساني الدولي”.
وأكد البيان الرسمي أن الجيش الإثيوبي اختطف 7 جنود سودانيين وشخصاً مدنياً يوم 22 يونيو، واقتادهم إلى داخل الأراضي الإثيوبية وقتلهم، ثم مثل بجثثهم على الملأ.
وشجبت وزارة الخارجية هذا السلوك غير الإنساني، كما ذكرت أن السودان “يستضيف أكثر من مليوني مواطن إثيوبي ينعمون بمعاملة كريمة ويتقاسمون مع الشعب السوداني موارده ولقمة عيشه في كرم وتسامح”.
وشرعت الوزارة في تقديم شكوى رسمية لمجلس الأمن والمنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة، “حفاظاً على سيادة البلاد وكرامة مواطنيها”.
وذكرت وزارة الخارجية أن حكومة السودان تحتفظ بكامل الحق الذي يكفله ميثاق الأمم المتحدة في الدفاع عن أراضيها وكرامة إنسانها.
وسيستدعي السودان سفيره لدى إثيوبيا فوراً للتشاور، كما سيتم اليوم استدعاء السفير الإثيوبي بالخرطوم لإبلاغه بشجب وإدانة السودان لهذا السلوك غير الإنساني.
إعادة تسمية المناطق المحررة بالفشقة
والأسبوع الفائت، أعلنت حكومة ولاية القضارف عن تشكيل لجنة لإعادة تسمية المناطق والمدن المحررة بالفشقة – الكبرى والصغرى.
وقال والي الولاية المكلف محمد عبد الرحمن في مؤتمر صحفي، الأربعاء – بأمانة حكومة الولاية – إن ترتيبات تجري لزراعة 700 ألف فدان في الفشقة ضمن ترتييات زراعة 7 مليون فدان بمحاصيل مختلفة خلال الموسم الحالي في الولاية.
وقال الوالي: “رغم المشاكل التي تجابه الزراعة وأبرزها غلاء الجازولين إلا أن السلطات والمزارعين يعملون يداً بيد لإنجاح الموسم”.
وبشأن الفشقة والمواجهات التي تدور هناك، أكد الوالي عدم وجود نزاع بين الحكومتين، علاوة على اعتراف الجانب الإثيوبي بسودانية الفشقة، متهما ًجهات بمحاولة مدعومة من حكومة أديس أبابا بالأحداث التي تدور في المواسم والتكسب في الأراضي السودانية.
وبحسب الوالي أحكمت القوات المسلحة سيطرتها بالكامل على المناطق المحررة، بيد أنها تتحسب لأي محاولات من شأنها زعزعة الأمن هناك، وتابع الوالي: “تاني ما عندنا رجعة لي وراء”، مشيراً إلى استقرار الأوضاع وفتح المعابر وتبادل التجارة بين الدولتين.
أطماع إثيوبية
واتهم رئيس المفوضية القومية للحدود د. معاذ تنقو حكومة أديس أبابا بامتلاكها أطماعاً في تعديل الحدود بالقوة.
وقال إن حكومة أديس أبابا تحاول أن تؤثر على أوضاعها الداخلية بملف إقليم “الأمهرا” والمناوشات التي تقوم بها المليشيات في الفشقة علاوة على احتلالها بعض الأراضي السودانية.
وأكد تنقو أن أراضي الفشقة سودانية، وتابع: “السُلطات لم تعتدِ على أي إثيوبي ولا على الأراضي الإثيوبية التابعة للحكومة الفيدرالية للبلد الجارة بموجب القانون”، وقال تنقو: السودان تنازل لإثيوبيا ببعض المناطق، لكن هنالك إثيوبيون لم يكترثوا إلى التنازلات السودانية ولا على مصالح البلدين، بل ظلوا يسعون إلى كسب أطماع جديدة في أراضي السودان.
وبحسب تنقو فإن حكومة أديس أبابا دائماً ما تدخل التفاوض بـ”مسارين” يؤكدون خلالهما بصحة موقف السودان بشأن ملكيته للأراضي المذكورة، دون نزاع، وفقاً للاتفاقيات المبرمة (1902 ـ 1903 ـ 1972) وأضاف: لكن هنالك رؤية ـخرى لمناطق مثل إقليم الأمهرا ودائماً هنالك تبادل أدوار في التصريحات من قبل الجانب الإثيوبي.
وبحسب تنقو تقوم عصابة “الشفتة” بارتكاب فظائع في مواجهة المدنيين بالفشقة، ومضى بالقول: (الشفتة شماعة لعمل منظم يموله كبار المزارعين والتجار والسياسيين الإثيوبيين).
من ناحيته أكد مصدر أمني مطلع أن توقيت العملية الإثيوبية اختير بدقة وعناية ليتوافق مع حراك 30 يونيو، ويمثل ضغطاً على المكون العسكري لكي يقاتل في جبهات عدة. ولفت الى أن وراء هذا العمل جهات أجنبية ترسم بدقة المشهد في المنطقة.