بيان من المؤتمر الوطني حول خطاب الرئيس البرهان
بسم الله الرحمن الرحيم
المؤتمر الوطني
المواطنون الكرام
الإخوة والأخوات :
عقد المكتب القيادي للمؤتمر الوطني إجتماعاً طارئاً يوم الخميس السابع من يوليو ٢٠٢٢م للنظرِ في الخطاب الذي أصدرهُ رئيس مجلس السيادة في الرابع من يوليو الجاري وتقييم ردود الفعل المختلفة حوله ، ونُوضح فيما يلي لأعضاءِ المؤتمرِ الوطني وجماهيرِ الشعب السوداني ما استقر عليه رأيُنا حول ما جاء في ذلك الخطاب :
أولاً :
إنّ أهم ما ورد في ذلك الخطاب هو الجزم بأن ” القوات المسلحة لن تكون مطية لاي جهةٍ سياسيةٍ للوصول لحكم البلاد وأنها ستلتزم بتنفيذ مخرجات هذا الحوار ” ،، فبهذا التأكيد القاطع يتضح أنّ القوات المسلحة قد أدركت جسامة الخطأ الذي وقعت فيه في أغسطس ٢٠١٩م حين وقعت الوثيقة الدستورية التي مكنت بها قلة مستأسدة لا وجود لها بين الجماهير ولا نصير ، وجاء ذلك خصماً على حِيادِ المؤسسة العسكرية التاريخي وقوميتها الراسخة في الوجدان ، وإذا كان الشعب السوداني قد ذاق الأمرين ودفع ثمناً باهظاً بسبب ذلك فإن أشد ما كان يوجعه هو أنْ من سلط تلك الفئة عليه هي قواته المسلحة التي يستأمنها على دينه وعرضه وأرضه ويشدوا بفخرٍ أنها
“الحارس مالنا ودمنا” .
ثانياً :
بإعلانها في ذلك البيان النأي عن السياسة والإحجام عن الخوضِ فيها مع المتفاوضين ، فإن قيادة القوات المسلحة لا تختط طريقاً جديداً وإنما تنتهج نهجاً إبتدرهُ قادةٌ عِظامٌ ، فهي تسير في درب الفريق إبراهيم عبود والمشير عبدالرحمن سوار الذهب ، فالبعدُ عن السياسةٌ من أشراطِ حِيادِ المؤسسة العسكرية ومن ضمانات عدم إنزلاقها للوقوف مع فريق ضد غيره ، وإذا كان الإبتعاد عن السياسة مطلوباً فان عدم تنازل القوات النظامية عن ما يدخل في إختصاصها مطلوب كذلك ، ونعني بذلك أنه لا يجوز لقيادة الجيش أنْ تتنازل عما يتعلق بأمن البلاد أو يتطلبه الدفاع عنها فلا ينبغي أنْ تستجيب القوات النظامية لمن يطالبونها بالتنازل عن واجبها الوطني المقدس فمثلما انه لا كلمة لعسكري بشأن السياسة فلا كلمة لمدني بشأن العسكر .
ثالثاً :
إنْ صار الحوارُ للمدنيين وحدهم فلابد من التشديد على أنْ تبتعد عنه الآليةُ الثلاثية ، فشرعية الآلية الثلاثية في إدارة هذا الحوار تُستمد من أنها مخولة بواسطةِ الأممِ المتحدةِ والإتحاد الأفريقي للتباحث مع القيادة العسكرية لضمان تسليم قيادة البلاد لحكومة مدنية ، فإذا ما وافق الجيش على ذلك إبتداءً فإنه ينتفي أيُ مُبررٍ لوجود وسطاء أجانب في مفاوضات تضم القوى السياسية وحدها ، وإذا ما إحتاج الأمرُ لميسرٍ فيوجد من بين بني السودان حكماء مقبولين من الكافة وعلماء مُدخرين لمثلِ هذا اليوم ، وما لقاء أم ضواً بان بالأمس القريب إلا خيرُ دليلٍ على ذلك ، وإنْ ما كان لابد من وجودٍ أجنبي فليكن ذلك الدور للإتحاد الأفريقي الذي يمثل القارة الأم ، ولا ينبغي أن يتجاوز ذلك الوجود دور المراقب الذي يطّلع على ما يجري دون أن يتدخل في مساره أو يكيف مخرجاته ، ويكفي هذه الآلية سوءً ما انكشف من فسادها ، وافتضح من تزويرها ، وما صدع به الإتحاد الأفريقي ( الذي هو طرف فيها ) من فقدانها الحياد ، وما تأكد من إتخاذها من قوى الحرية والتغيير حصان طروادة الذي تنفذ أجندة الأجنبي من خلاله الى السودان . ولو كان في وجه تلك الآلية حياءٌ لاستقالت بعد حديث سفير الاتحاد الافريقي .
رابعاً :
ذهبَ الناسُ مذاهب شتى في مغزى خلو البيان من عبارة “إلا المؤتمر الوطني” ، فقرأها كل على شاكلته لكننا نفهم ذلك الغياب في السياق المنطقي الوحيد الذي يتماشى وإنسحاب القوات النظامية من الحوار السياسي ، فإذا كانت القوات النظامية قد إنسحبت فعلاً من الحوار فلا يجوز لها بعد إنسحابها أن تُحدد اطرافه ؛ فضلاً عن أنْ تحجر على أحدٍ منهم ، بل إنّ غياب تلك العبارة من البيان هو أحد شروط إعلان القوات المسلحة أنها تلتزم بأن تعمل “مع جميع مكونات الشعب السوداني من أجل الوصول الى توافق وتراضي وطني” .
خامساً :
لم يتطرق البيان من قريب أو بعيد للمعتقلين السياسييين الذين لاتزال تمتلئ بهم السجون ، خاصة من قيادات المؤتمر الوطني والذين مضت على إعتقالهم ثلاثُ سنواتٍ ويزيد ، فإذا كان الحوار هو سبيل هذه الأمة للتوافق الوطني فلا يتأتى ذلك ونفرٌ من أبرزِ القياداتِ السياسيةِ خلف القضبان ، ومن ثم فإننا نناشد الرئيس البرهان بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ممن لم توجه لهم تهماً او برأتهم المحاكم مما نسب لهم أما من وُجهت لهم تهم جنائية فإننا نُهيبُ بالقيادةِ السياسيةِ إطلاقِ سراحهم بالضمان ما دام ذلك جائزاً قانوناً ، فإطلاقُ سراحِ المعتقلين هو أول أولويات تهيئة الجو لحوار وطني شامل .
سادساً :
بالرغم من أن الإنتخابات هي النهاية الطبيعية لأي فترةٍ إنتقاليةٍ ، وبالرغم من أنه لا يتحقق الإنتقالُ الديمقراطي إلا بإجرائها فإنه درج الجميع على تجاهلها أو الإكتفاء بذكرٍ عارضٍ لها لا يتطرق للمواقيت المضروبة لإجرائها سلفاً أو الترتيبات اللازمة لانجاحها ، ولم يخرج خطاب البرهان عن هذا السياق فلم يؤكد أجل الإنتخابات السابق ، إننا نطالب بتأكيد إجراء الإنتخابات في موعدها الذي حُددَ قبلاً وأُعلن في بيان ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م ، الذي هو يوليو ٢٠٢٣م ، سواء توافق المتفاوضون على حكم الفترة الإنتقالية أو لم يتوافقوا ، فأجل الفترة الانتقالية ليس مما يتفاوض على تمديده والإنتخابات هي نهاية المطاف الطبيعية اذ لا مخرج من هذه الازمة التي أخذت بتلابيب البلاد إلا بالعودة للناخب السوداني ليختار البرامج والأحزاب التي تحكمه .
سابعاً :
سبق للغالبية العظمى من جماهير الشعب السوداني أن هللت لبيان الرئيس البرهان الصادر في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م ورحبت به ، غير أن التراخي في تنفيذ ما وعد به ذلك البيان قد أدخل البلاد في تيهٍ لم يكن بأقل خطراً مما كانت فيه قبل الخامس والعشرين من اكتوبر ، اليوم وقد إستقر رأي رئيس مجلس السيادة على هذه الخطة الجديدة للخروج بالبلاد من أزمتها فانه لا يصلح مع هذه الخطة الا المضي قدما في تنفيذها وليتذكر الرئيس البرهان قول ابي جعفر المنصور :
“إذا كُنتَ ذا رأيٍ فكُن ذا عزيمةٍ فإن فسادَ الرأيِ أن تترددا” .
خِتاماً لابد من إستغلال هذه السانحة لتهنئة جموع الشعب السوداني بعيد الفداء ، وكل عام وأنتم بخير والبلاد ترفل في نعم الأمن والرخاء .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الاحد ، ثاني ايام عيد الفداء
11 ذي الحجة 1443 هــ
10 يــوليـــو 2022 م