د. عصام بطران يكتب : علو صوت النزعة الجهوية المناطقية !!..

استراتيجيات

نشر بتاريخ ٢٧‏/٥‏/٢٠٢٠م .. وهذا ماكنا نحذر منه مرارا وتكرارا .. حتى بات واقعا ملموسا ..

– بدا مفهوم جديد يتنامى ويظهر على سطح تشكل الهوية السودانية لم يكن مالوفاً عند نشاة الدولة السودانية الحديثة الا وهو مفهوم “الجهوية المناطقية” والذي تعدى مفهوم القبلية بعرفها القديم .. وقد ادى الى ظهور هذا المفهوم كثير من الممارسات غير المتوازنة في انظمة الحكم المتعاقبة وتوزيعها غير العادل للسلطة والثروة لتحقيق التنمية المتوازنة والذي بسببه خلق عدداً من السلبيات في توزيع التركيبة السكانية في السودان واهمها الهجرة من الريف الى المدينة لاسباب موجات الجفاف والتصحر والحروبات الاهلية مع تركيز الخدمات الحكومية بالمدن الكبرى على حساب الارياف.
– ان مفهوم “الجهوية المناطقية” يمكن تعريفه بانه انتساب عدد من المجموعات السكانية انتساباً جغرافياً اكثر منه قومياً أو حتى قبلياً .. وظاهرة الانتماء الجغرافي ظاهرة جديدة دخلت على المجتمع السوداني وزادت من شقة صراع الهوية فيه فالمجتمع السوداني تعارف على مصطلحات جديدة لم تكن معروفة لديه من قبل كمصطلح (غرابي) انتماءاً لغرب السودان و(جنوبي) انتماءاً لجنوب السودان (قبل الانفصال) و(عربي جزيرة) انتماءا ًلوسط السودان و(شمالي) انتماءً لأدنى وأقصى شمال السودان و(أدروب) انتماءاً لشرق السودان .. وأقيمت لتلك الانتماءات الجغرافية المعروفة “بالجهوية المناطقية” روابط وجمعيات واندية ودور ومنظمات ومنابر كمنبر أبناء الشرق ومنبر أبناء الجزيرة .. بل تعدى الامر الى تكوين حركات مسلحة واحزاب وغيرها من التشكيلات “الجهوية المناطقية” وقد قدرت اخر احصائية رسمية لعدد الروابط والجمعيات الخاصة بابناء الجهات والمناطق بولاية الخرطوم حوالي ٨٩٠ رابطة وجمعية منذ العام ٢٠٠٠م .. ويتم تسجيلها وفق قانون العمل الطوعي لعام ٢٠٠٠م بولاية الخرطوم تحت مسمى “ابناء المناطق” وتحمل تلك الروابط في ظاهرها واجهة للعمل الطوعي والخيري والتكافل الاجتماعي. الا ان في باطنها تمارس فى الواقع العمل الجهوي والقبلي وتتولد بداخل الدور التي تضمها العديد من الصراعات القبلية لابناء المنطقة والمناطق المنافسة لها وبذلك تمارس غالب تلك الروابط والجمعيات نوع آخر من ممارسة العمل الجهوي والقبلي والمناطقي عبر واجهة العمل الخيري والتكافلي والاجتماعي .
– ادخلت الجهوية المناطقية مفهوم جديد على نمط الهوية السودانية زادت من تعقيدات ازمة الهوية فيه وبرز بصورة قوية مصطلح الهامش والمناطق المهمشة الذي بدأ في الاصل كمطلب للتوزيع العادل للثروة وانعكاسها على احداث نقلة تنموية بالمناطق النائية والبعيدة عن المركز وعواصم الولايات والمناطق الحدودية والقرى والفرقان وتطور المصطلح الى ان شمل حتى بعض المناطق بل وعواصم الولايات البعيدة عن العاصمة القومية. واصبح المصطلح يطلق بصورة اشمل على المناطق التي لم تمتد اليها يدي الحكومات بالعمران وتأسيس بنية تحتية بها .. وهو مفهوم يعبر عن الظلم الاجتماعي والتنموي لسكان تلك المناطق .. وقد ولد مفهوم المناطق المهمشة الغبن الجهوي والمناطقي الذي عبر عنه قادة الحركات المسلحة بمناطق دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان وكان لذلك اكبر الاثر في الاتجاه الجهوي والمناطقي لتحقيق مطالب تنموية واجتماعية لكل منطقة حسب نفوذ ابنائها داخل اجهزة الدولة المختلفة.
– الحرب تبدا بكلمة عبر اجهزة الاعلام ولنعتبر وسائل التواصل الاجتماعي من وسائله الحديثة وقد لعبت دورا كبيرا في تاجيج الصراعات الجهوية المناطقية والقبلية واخذت بعض الاقلام الكبيرة تكتب وتحصي وتحاصص عن مشاركات وزارية في السلطة على اساس جهوي ومناطقي وتتحدث عن ان منطقة ما استاثرت بنصيب اكبر من عدد الوزراء من جهة ما وعلى هذا الاساس تحرك “كلام حق اريد به باطل” لمزيد من تكريس “الجهوية المناطقية” .. وعلى الرغم من الجانب السالب للاعلام في ذلك الشان لكنه ايضا يعتبر وسيلة احبطت كثير من مؤامرات مؤججي الفتن والذين يعملون على اشعال نيرانها وقد لعب الاعلام دور كبير في تهدئة الاوضاع في كثير من النزاعات وليس ببعيد نزاع “اخوانا” الكبابيش والحمر وللاعلام الواعي دور واضح في ارجاع الامور الى نصابها والاسهام في بناء الوحدة بين مكونات الدولة الجغرافية على اساس قومي يعين على بناء هوية سودانوية عبر استراتيجية تعمل على اعادة لحمة النسيج الاجتماعي بالابتعاد عن”الجهويات والمناطقيات” على ان يصوب فيها الاعلام واجهزته سهم ينفذ بها الى تحقيق وحدة الهدف والذات نحو امة واحدة بثقافات متنوعة .. فعلو صوت النزعة “الجهوية والمناطقية” اخطر بكثير من علو صوت القبلية بصورتها القديمة فالمنطقة او الجهة الجغرافية يمكن ان تضم بداخلها عدد من القبائل وحينما يكون انتماء الهوية يميل للمنطقة الجغرافية فذلك يولد صراعات جديدة تؤدي الي حدوث احتراب داخل بطون القبيلة الواحدة ويعمق بذلك جراحات مأزق الهوية في السودان ..

 

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...