مشروع الجزيرة.. التحول إلى هيئة عامة حل أم تعقيد للأزمة؟
بين الإثارة والجدل قضية تحويل مشروع الجزيرة إلى هيئة عامة في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية مربكة وغير مرغوب في استمرارها خاصة لدى مزارعي المشروع الذين يجأرون ليل نهار بارتفاع تكاليف الإنتاج في الآونة الأخيرة، على أي حال منذ سنوات ماضية تركت الدولة المزارعين يزاولون مهنة الزراعة على حسب ما يشاءون دون أن تشارك معهم في مسألة التمويل الزراعي لاكتمال جميع مراحل الإنتاج وصولاً إلى ما بعد الحصاد وعمليات التسويق، كل ذلك متروك لدى المزارع الكادح (تمويلاً وتغطية وإشرافاً) على الزراعة بأكملها، قبل يومين ظهر الحديث حول راهن ومستقبل مشروع الجزيرة، بأن يصبح مثله والهيئات الحكومية وبالتالي تصير أصوله تحت إمرة وزارة المالية هذا بحسب الخطاب الذي تسلمته إدارة المشروع وما تسعى إليه وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في ظل ولاية المال العام.
مجرد مقترح
يقول عضو لجنة مزارعي مشروع الجزيرة إبراهيم أبارو إنه حسب علمه بالشؤون القانونية للهيئات والتنظيمات الزراعية يتم تمويلها من وزارة المالية، وذكر في تصريح لـ(اليوم التالي) إن تحويل مشروع الجزيرة القومي إلى هيئة عامة مجرد مقترح، وتابع قائلاً إن الهيئة تكون محكومة بقوانين ثابتة، وأوضح أن المشروع ليست لديه أموال لكي يدفع بها إلى وزارة المالية، بل المنصرفات تودع لدى إدارة المشروع، وأكد أن مشروع الجزيرة منفصل عن وزارة المالية، وأضاف: إذا أصبح مشروع الجزيرة هيئة فتسييره سيكون من وزارة المالية، مبدياً قلقه إزاء تحول المشروع إلى هيئة عامة وقد تكون لها تبعات، ونوه إلى غياب السلطة التشريعية في البلاد خاصة وأن مشروع الجزيرة قومي، وقال: ذلك يحتاج إلى نزاهة وعمل شفاف، ووصف هذا الاتجاه بمثابة تمهيد لأخذ حقوق المزارعين.
زراعة السياسة
بينما قال الخبير الزراعي المهندس أنس سر الختم: لن تقوم للمشروع قائمة ما دمنا ندور في فلك زراعة السياسة والمصالح الخاصة وإعادة بنائه على أسس سياسية، ويضيف أن الزراعة مبنية على الهيكل الثلاثي الإصلاح (إدارة، ري، مزارع ) والتي وصف تبنى على منوالها أسس علاقات الإنتاج، وتابع قائلاً: ما أضر بالمشروع إلا كثرة اللجان ذات التوجهات الحزبية والجهوية.
ثلاثة أطراف
فيما يرى الباحث الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي أن مشروع الجزيرة في بدايته كانت تتولى شؤونه وزارة المالية واستمرت وزارة المالية في إدارته بعد التأميم وبعد الاستقلال أي قبل أن ينتقل إلى وزارة الزراعة عام 1969م، وقال د. هيثم في حديثه لـ(اليوم التالي): لابد من إقرار التركيبة العضوية التاريخية التي تأسس عليها مشروع الجزيرة المتمثلة في أطرافه الثلاثة (المزارعون، وحكومة السودان، وإدارة المشروع)، وشدد على ضرورة تقديم مشروعات مدروسة لتطوير وتأهيل المشروع في جوانبه المختلفة للصناديق العربية والأفريقية والمؤسسات المالية الأخرى ونخص البنك الزراعي والاتحاد الأوروبي بجانب تقديم مشروعات مدروسة للدول المرتبطة تاريخياً بمشروع الجزيرة مثل (بريطانيا، أستراليا، الهند، الباكستان) والاستفادة من الأخيرتين في تدريب روابط المياه وتصنيع المنسوجات القطنية وإعادة مصانع الخيش، موضحاً أن مشروع الجزيرة يُعتبر الآن مشروعاً قومياً له خصوصية في تطوير خدمات التعليم والصحة والمياه والطرق وغيرها، وقطع بأن تأھیل وتطویر مشروع الجزیرة يمثل نموذجاً للنھضة الاقتصادیة والتحول الھیكلي، وتابع: إذا لم يتم إصلاحه وتطويره سيظل أي كلام عن إصلاح بقية الاقتصاد بلا معنى.
وضع مربك
بينما يصف المحلل الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان محجوب الوضع الإداري لمشروع الجزيرة بأنه معقد جداً، وقال: من الصعب أن يدار المشروع القومي كهيئة حكومية خاصة أن الوضع الحالي مربك جداً، ونوه إلى أن قانون 2005م منح المزارعين الحرية في زراعة ما يشاءون ولم ينجح في إعطاء الملاك الحقيقيين تعويض مناسب ولم ينصف أيضاً الحكومة التي تدير خزان سنار وتنظف الترع والقنوات وتمتلك فعلياً جزءاً كبيراً من أرض المشروع وباتت الزراعة فيها كثير من عدم التنسيق، ويعتقد أن دخل المزارعين تحسن وازداد حماسهم للزراعة بعد أن نالوا حرية زراعة ما يرغبون فيه والحق في تسويقه كيف شاءوا.
نظام هجين
د. الفاتح يرى في تصريح لـ(اليوم التالي) أن مشروع الجزيرة يحتاج إلى نظام هجين بين الشركة وبين الحرية الكاملة للمزارع أي نظام يضمن التنسيق في العمليات الفلاحية كافة بالإضافة إلى المحافظة على حقوق الملاك والحكومة ولا يظلم المزارعين ويساعد على تطبيق أفضل التقنيات الحديثة في مجال الزراعة ويضمن تسويقاً جيداً يعطي ربحية ممتازة لكل من اجتهد وأنتج ولا يتسبب في إرجاع إمبراطوية موظفي مشروع الجزيرة الذين كانوا يتنعمون على حساب المزارعين، وبالتالي لا مجال قط للتراجع عن مكتسبات قانون 2005، ودعا إلى تنظيم تلك الحقوق والمكتسبات بحيث يكسب الجميع هو المطلوب.
تنظيم سياسي
يقول المحلل الاقتصادي الدكتور وائل فهمي البدوي إن الهيئة العامة شكل من أشكال التنظيم السياسي لسلطات الدولة العليا، وزاد بالقول: الهيئة العامة تقرر لأغراض إدارة مرفق ما يقوم على مصلحة أو خدمة عامة وتكون لها شخصيتها الاعتبارية الخاصة بها، وأضاف: للهيئة العامة أن تتعاقد وتجري جميع التصرفات والأعمال التي من شأنها تحقيق الغرض الأساسي الذي أنشئت من أجله، ويعتبر أن أموال الهيئة العامة أموال عامة وبالتالي تجرى عليها القواعد والأحكام المتعلقة بالأموال العامة ما لم ينص على خلاف ذلك في القرار الصادر بإنشاء الهيئة، وقال د. وائل في حديثه ل:(اليوم التالي): من بعد إلغاء أي تشريع سابق بمشروع قانون ٢٠٢٠ – ٢٠٢١م، فقد يعتبر القانون أعلاه مشروع الجزيرة هيئة مستقلة (غير محددة التعريف بقانونها) حيث تعرف باسم مشروع الجزيرة وتكون لها شخصيتها الاعتبارية حاكم عام ويكون لها حق التقاضي باسمها وتحت إشراف ومراقبة الوزير، ولفت إلى أن القانون أعلاه حدد غرض الهيئة المتمثل في توظيف وتنمية وتطوير الموارد الطبيعية والزراعية على أسس تجارية لتحقيق أقصى الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد مع توفير خدمات اجتماعية للمزارعين والعاملين بالمشروع، وقال: بغض النظر عن تاريخ خدمة هذا المشروع التاريخي للاقتصاد السوداني فقد عانى هذا المشروع من عدم استقرار تشريعات عمله من كل تغيير حكومي وتحت ضغوط أصحاب المصالح المختلفة مما أضر بمساهمته التاريخية المعروفة.