عقب اشتعال فتيل الصراع القبلي.. ما هي متطلبات إدارة التنوع في السودان؟
بعد الأحداث القبلية الأخيرة التي شهدتها البلاد، يتساءل الكثيرون عن متطلبات وكيفية إدارة التعددية الإثنية وإثراء العلاقات الاجتماعية على المستوى الإقليمي والقومي في السودان، واختلفت آراء متحدثين لـ(اليوم التالي) حيث يرى البعض أن أبرز متطلبات إدارة التنوع عبر علاج دستوري يؤسس لحكم فيدرالي يسمح بتطور متوازن ومستقل للمجموعات الثقافية والعرقية المختلفة، في ظل ثقافة عامة سائدة تحتفل بالاختلاف، نصوص دستورية تمنح المواطن الحق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والوظيفي على أساس المواطنة وليس القبيلة، ومنع التمثيل القبلي على المستوى السياسي، وأن يكون حقيقياً، فضلاً عن بناء السياسات والخطط والبرامج على منهجية القواسم المشتركة الثقافية والسياسية وعلى المحاور الإيجابية للقبلية كالمصاهرة والتجارة والسكن والمشاركة في التعليم والرياضة، وضرورة عمل أجهزة إنذار مبكر حكومية وشعبية وإجراء مسح شامل للمناطق التي يتوقع فيها حدوث نزاع؛ لمعرفة مرحلة سيره، لتجنب النتائج الكارثية للصراعات القبلية. فيما يرى آخرون أن مشكلة البلاد سياسية ولا يمكن الحديث عن إدارة التنوع إلا بعد حلها، ومشاركة كل القوى بما فيها الأقليات القومية في حل المشاكل وإقامة مؤتمر دستوري بمشاركة كل الأقليات والأحزاب والاتفاق على كيف يحكم السودان وتوزيع الثروة.
إدارة التنوع
طبقاً لخبير فض النزاعات نزار ماشا؛ أن إدارة التنوع في السودان تتم بوضع نصوص دستورية واضحة تمنح المواطن الحق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والوظيفي كمواطن سوداني، وأن لا تبنى على أساس قبلي، بجانب منع التمثيل القبلي على المستوى السياسي وقيادة الدولة، وأن يكون التمثيل حقيقياً، ووضع نصوص قانونية رادعة تجرم العنصرية والتمييز القبلي ومحاسبة ومحاكمة كل من يتعامل على الأساس القبلي، بالإضافة إلى رفض وتجريم النظر على الأساس القبلي والتنميط السلبي الذي يظهر على صورة نكات وأمثال، وتقسيم المجتمع بين أحرار وعبيد، وطالب ماشا بضرورة بناء الدستور والسياسات والخطط والبرامج على منهجية القواسم المشتركة الثقافية والسياسية في المجتمعات لإدارة التنوع، والمحور الإيجابى للقبلية كالمصاهرة والتجارة والسكن والمشاركة في التعليم والرياضة ومنظمات المجتمع المدني، وأضاف.. البناء على فكرة نحن سودانيين والنظر إلى القبيلة بصورة استراتيجية وليس تكتيكية؛ سيما وأنها تمتلك الأثر الأكبر في صراعات السودان ومشاكله وأصبحت جزءاً من هيكله، وذكر خبير النزاعات أن حلول الصراعات القبلية في السودان تبنى على معرفة الآثار؛ دون النظر إلى الجذور، مشدداً على ضرورة عمل أجهزة إنذار مبكر حكومية وشعبية، وإجراء مسح شامل للمناطق التي يتوقع فيها حدوث نزاع لمعرفة مرحلة سيره، وأكد.. غيابها يقود لنتائج كارثية وأن الحلول المبنية على معالجة الأثر تعتبر طبطبة ويظل الجرح مفتوحاً.
علاج دستوري
وفي السياق ذاته.. لم يذهب الخبير القانوني والمحامي نبيل أديب في إفادة لـ(اليوم التالي) وأكد أن إدارة التنوع في السودان تتطلب علاجاً دستورياً يؤسس لحكم فيدرالي يسمح بتطور متوازن ومستقل للمجموعات الثقافية والعرقية المختلفة في ظل ثقافة عامة سائدة تحتفل بالاختلاف، وتلفظ كافة أشكال الاستعلاء الثقافي والعرقي ، تساندها منظومة قانونية تجرم الثقافة الاستعلائية، سيما وأن السودان ظل يواجه مشكلة في إدارة التنوع منذ استقلاله.
مشاركة قوميات
وفي الاتجاه ذاته.. كان للحزب الشيوعي رأي آخر، ويرى أن ما تطلبه البلاد ليست إدارة التعديدية في إطار الحكم الفدرالي وإثراء العلاقات الاجتماعية على المستوى الإقليمي والقومي لوقف الصراعات الداخلية، إنما المطلوب مشاركة كل القوى بما فيها الأقليات القومية في حل مشاكل البلاد وإقامة مؤتمر دستوري بمشاركة كل الأقليات والأحزاب والاتفاق على طريقة الحكم وتوزيع الثروة في البلاد، وقطع الناطق الرسمي باسم الحزب فتحي الفضل، أن القضية الأساسية ليست إدارة التنوع، إنما كيفية حكم السودان، وبحسب الفضل في حديثه لـ(اليوم التالي) أن عدم الاعتراف بحق الأقليات في السلطة والثروة منذ استقلال السودان قاد مظاهر الاقتتال القبلي، فضلاً عن استغلال الأقليات والقوميات والقبائل لخدمة أغراض سياسية، ورهن وقف خطاب الكراهية عبر إعطاء الأقليات الحق في المشاركة وإبداء رأيها، بالإضافة إلى وقف تنفيذ اتفاقية سلام جوبا، وعمل سلام شعبي تشارك فيه القوى التي تتضرر من عمليات الاقتتال وخطاب الكراهية بشكل خاص، علاوة على منح منظمات المجتمع المدني الحق في الحديث وليس من يحملون السلاح.
إفرازات الأزمة الراهنة
واتفق المحلل السياسي الصادق المقلي مع الفضل في أن مشكلة السودان ليست كيفية إدارة التعدد الإثنى و العرقى، لجهة أن النزاعات القبلية فى شرق وغرب وجنوب البلاد جزء لا يتجزأ من الأزمة السياسية وإحدى إفرازات الأزمة الراهنة، وذلك لغياب هيبة وسلطة الدولة وحكم القانون، وأن البلاد ظلت تعيش حالة اللادولة منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وأضاف المقلي لـ(اليوم التالي) لا يمكن التحدث عن إدارة التنوع في السودان إلا بعد تخطى الأزمة الراهنة واستعادة هيبة السلطة والاستقرار السياسي والأمني، بجانب استعادة مسار التحول الديمقراطي، واعتبر الحديث فى الوقت الراهن عن إدارة هذا التنوع هو بمثابة وضع العربة أمام الحصان، إلا أنه عاد وقال إن مسؤولية ما يجري من انفلات أمني ونقص الأرواح في العاصمة والولايات يقع على عاتق السلطات الأمنية، طالب الصادق بضرورة نزع السلاح من المواطنين وأن يبقى السلاح حكراً على السلطة وبسط هيبة الدولة فى كافة أرجاء البلاد، و نزع فتيل النعرات القبلية، علاوة على أن تنأى القبيلة عن أى استقطاب أو اصطفاف سياسي، ورهن نهاية الصراعات القبلية في السودان بحل الأزمة الراهنة واستعادة مسار التحول الديمقراطي.