المستبعدون من الخارجية .. ماذا حدث بشأن القضية؟
لا تزال أزمة الناجحين في الامتحان التحريري لوظائف الكوادر الوسيطة بوزارة الخارجية تراوح مكانها منذ العام 2020، وقد تم استبعاد الناجحين في المعاينات من وظائف الخارجية، وتم تعيين راسبين بدلاً عنهم، في مخالفة صريحة لقانون السلك الدبلوماسي والقنصلي لعام 1997 المادة 22 (فقرة ط) ولائحة تنظيم العمل بالسلك الدبلوماسي للعام 1993 تعديل 1995 المادة 6، هذا فضلاً عن مخالفة الأعراف التي تحكم عمل وزارة الخارجية وإجراءات التوظيف بالخدمة المدنية .
وعندما قدم المستبعدون تظلماً واحتجاجاً أمام رئيس الوزراء السابق د. عبدالله حمدوك أصدر قراراً بإعادة المنافسة وعمل ملحق للراسبين في الامتحان التحريري ليتنافس الناجحون والراسبون على نفس الوظائف، وقد استند رئيس الوزراء في قراره على توصيات لجنة كونتها الخارجية برئاسة الدكتور صديق أمبدة، شكلت لمراجعة تجاوزات التعيين، حيث نصّ قرار السيد رئيس الوزراء في الفقرة (أ) على تعيين من تم اختيارهم من الناجحين سابقاً، ولم تفسر هذه الفقرة لصالح المتضررين ونصت الفقرة (ب) على عمل ملحق لمن رسب، وهذه سابقة لم تحدث في أي منافسة للتوظيف في الخدمة المدنية في تاريخ السودان، وقُصد بها تقنين أوضاع من تم اختيارهم بالمخالفة للقوانين واللوائح؛ رغم أنهم لا يحق لهم مجرد دخول المعاينة، ناهيك عن اختيارهم ، ونصت الفقرة (ج) على إعادة المعاينات للناجحين في الامتحان التحريري وفي المعاينات ولم يتم اختيارهم وتم تفسيرها لصالح المتضررين رغم أنهم تجاوزوا المراحل الثلاث للمعاينات بنجاح تام: (امتحان الكتروني وامتحان تحريري وأخيراً المعاينات الشفهية) ورغم ذلك تم استبعادهم واختيار راسبين في المرحلة الثانية وهي الأهم، وسمح للراسبين بدخول المعاينات رغم رسوبهم، ومن ثم سعي القرار المشكو ضده لتقنين أوضاعهم .
بتاريخ 13 فبراير 2022 أرسل المتضررون من معاينات وزارة الخارجية تظلماً للسيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن/ عبدالفتاح البرهان، مطالبين بإلغاء القرارات المجحفة وحصر التنافس فقط على الناجحين وفقاً للقانون، ولما هو متبع من إجراءات تراعي معايير الشفافية والعدالة والكفاءة .
جذور المشكلة :
فساد تعيينات الكوادر الوسيطة بالخارجية لم يكن وليد الوقت في دفعة 2020 فقط وإنما منذ فساد التعيينات الذي جرى 2017 توقف التعيين لعامين ليستأنف في العام 2020، فقد تم فتح التقديم وفصلت الوظائف بمقاس محدد بدا واضحاً منذ مرحلة التخصصات
المطلوبة، حيث تم قبول طلبات لتخصصات غير مطلوبة مثل الجيولوجيا وادرة الأعمال بدلاً عن الإدارة العامة، ثم تلى ذلك مهزلة الامتحان الالكتروني (المشتبه في نزاهته) والذي تشرف عليه إدارة الموارد المالية والبشرية، وهو امتحان مكرر لكل الجالسين على مدار خمسة أيام، ورغم ذلك بعض الذين ظهرت اسماؤهم في الكشف النهائي لم يجلسوا لهذا الامتحان وما جرى بالسفارات بالخارج أمر آخر ، ففي بعض السفارات كان الامتحان على جهاز كمبيوتر موصل بالإنترنت !!.
أطماع وطموحات الحرية والتغيير :
عندما تولى عمر قمر الدين وزارة الخارجية سعت قوى الحرية والتغيير لتعزيز نصيبها من وظائف الخارجية ، فبعض منسوبيها تمت إعادتهم عبر لجنة المفصولين، وعندما أرادت إدخال المزيد كان قدامى موظفي الخارجية من المعينين في عهد النظام السابق، لها بالمرصاد، فوقفوا حائط صد أمام تطلعات قحت، فاحتدم الصراع فكان الجدل حول الامتحان التحريري وعن الجهة التي تضعه، فكانت رؤية قحت أن يوضع الامتحان بواسطة المعهد الدبلوماسي ورؤية قدامى الموظفين أن يوضع الامتحان بواسطة مفوضية الاختيار للخدمة المدنية، وهذا الشد والجذب كان جزءاً مما تسبب لاحقاً في إقالة الأمين العام للمفوضية عبد السلام حمزة بسبب اتهامات بالفساد في التعيينات في مواقع سيادية وتنفيذية عليا.
إثر ذلك أصدرت وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي قراراً بتحويل صلاحية وضع الامتحان التحريري لجامعة الخرطوم، والتي وضعت امتحاناً كانت النتيجة فيه كارثية فقد نجح 36 ممتحناً لوظيفة مستشار من جملة 420 ممتحناً، ونجح 29 ممتحناً لوظيفة سكرتير أول من جملة 540 ممتحناً ، وهي نتيجة جعلت مديرة جامعة الخرطوم د.فدوي عبد الرحمن والأمين العام لمفوضية الاختيار عبد السلام حمزة وممثل وزارة الخارجية السفير عادل شرفي يعقدون مؤتمراً صحفياً لتوضيح ملابسات الفشل، وفي حين أن وزيرة الخارجية طلبت عدم نشر نتائج الامتحان لحين إجراء معالجة، لكن الأمر فلت من يدها فأوكلت الملف لوكيل الوزارة السفير محمد شريف ليصدر قراراً بتشكيل لجنة للمعاينات برئاسة السفير حسن عبدالسلام المحسوب على اليسار وعضوية السفراء سيد الطيب، نادية محمدخير والسفير مجدي طه، وقد عملت اللجنة للترتيب لقيام المعاينات الشفهية ، فاستغلت قحت رئيس
المفوضية الجديد فاروق المنقول حديثاً من وزارة العمل لقيادة المفوضية وهو محسوب على تيسير النوراني وحزبها، وكان التوجيه من تيسير النوراني وزيرة العمل بتجاوز قانون السلك الدبلوماسي لسنة 1995 والقاضي بعدم تعيين كل من يرسب في الامتحان المهني وكذا لائحة العمل الدبلوماسي التي تقول إن من يرسب في مادة من مواد الامتحان المهني يعتبر راسباً، ولا يحق له الدخول لمرحلة المقابلة الشفهية، وتم تنفيذ التوجيه بخطاب رسمي بتوقيع الوكيل محمد شريف وختم الوزارة الخارجية، ليتم نشر كشوفات القبول التي كان من المفترض أن تحتوي على 36 مرشحاً للمستشار و 29 مرشحاً سكرتير أول، فظهرت الكشوفات تحوي 386 اسماً من الدرجتين، وعندما علمت الوزيرة مريم الصادق بالأمر كانت بالخارج فهاتفت الوكيل محمد شريف وأمرت بتغيير اللجنة فوراً بلجنة أخرى برئاسة السفير جمال الشيخ وعضوية كل من صديق محمد احمد وآخرين، بعضهم رفض العضوية ، فاختارت اللجنة بالتشاور مع مفوضية الاختيار قائمة من المقبولين احتوت على 13 راسبة وراسباً بقائمة المستشارين و 24 راسباً وراسبة في قائمة السكرتيرين في مختلف المواد، لدرجة أن إحدى المختارات رسبت في ثلاث مواد من أصل أربع مواد وآخرون في مادتين، مع تضمين القائمة 13 ناجحاً في الامتحان للتغطية .
تدخل حمدوك :
تدخل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ومكتبه ومستشاروه في الحل، وبدلاً عن إصدار توجيه للمفوضية والوزارة بانتهاج مبدأ العدل والنزاهة، قام بتشكيل لجنة تحقيق خاصة؛ برئاسة السفير صديق أم بدة والتي أصدرت توصياتها بضغط من أعضاء اللجنة السفير السابق عبد الإله خضر بشير وبلقيس بدري، بينما كان أعضاء اللجنة الآخرين مثل عبد الله آدم خاطر ومحجوب محمدصالح مبهمة، بعد استلام حمدوك لتوصيات لجنة ام بدة شكل لجنة مصغرة من ( ياسر عرمان وعمر قمر الدين وفيصل محمد صالح) والتي صاغت قرار رئيس الوزراء؛ الذي صدر في 21 أكتوبر 2021 والذي قضى بـ”استيعاب الناجحين في كل المراحل فوراً، إعادة الامتحان التحريري في مادتي العلاقات الدولية والمعلومات العامة للذين رسبوا فيها ، إعادة المعاينة للناجحين في مواد الامتحان التحريري الذين لم ينجحوا في المقابلة الشفهية ” .
عقب هدوء الأوضاع بعد قرارات 25 أكتوبر ذهب الناجحون المشمولون بالبند الأول من قرار حمدوك إلى وزارة الخارجية كدبلوماسيين جدد؛ لكن كانت المفاجأة من المفوضية بأن المقصود بالناجحين في كل المراحل هم الناجحون الذين تم اختيارهم بالكشف الأول علماً بأن بعض الناجحين غير المشمولين في الكشف الأول قد حصلوا على أكثر من 80 % في المقابلة الشفهية ، فاكتفت المفوضية بإرسال خطاب يشمل 13 اسماً للوزارة باعتبارهم المشمولين بالقبول، وعندما طلب بعض الناجحين تفسيراً للقرار من مجلس الوزراء تماطل مجلس الوزراء وعمل على تعطيل طلب تفسيرهم للقرار عن طريق إحدى المختارات في القائمة الأولى (غير المستوفية لشروط القبول) وهي مستشارة كبيرة في وزارة العدل قامت (بخبرتها القانونية) بتقديم طلب تفسير للوزارة يبطل قدرة مجلس الوزراء على تقديم تفسير لقرار حمدوك .
لجنة إعدام قرار حمدوك :
تم تشكيل لجنة من الخارجية باسم (لجنة تنفيذ قرار حمدوك) تكونت من : السفير مجدي طه؛ مدير الموارد البشرية بالخارجية وعضو لجنة المعاينات (المرفوضة)، عبدالمنعم مدير الموارد البشرية بالمفوضية والمشرف على نفس اللجنة ، إبراهيم موظف المفوضية ، ومقرر اللجنة المذكورة، والمستشار القانوني عبدالرحمن جبارة، فعملت اللجنة على توجيه الراسبين برفع دعوى إدارية لدى المحكمة العليا عن طريق المحامي سراج الدين من لجنة التمكين ، على أن تعمل اللجنة بمدهم بكل الوثائق التي تدعم حجتهم القائمة على أن رئيس الوزراء غير مختص في هذه الدرجة من الوظائف، وفي سبيل ذلك تم تحرير خطاب جديد من وكيل الخارجية نادر يوسف يفيد بأن الخارجية جهة اختصاص وهي لم تشترط النجاح في الأربع مواد فقط، وتكتفي بالمعدل العام 50 % فما فوق، وكل هذا العمل كان تحت إشراف السفير علي الصادق؛ الوزير المكلف بالخارجية .
وعندما طال الأمد باللجنة طلبت من مجلس الوزراء تمرير القائمة القديمة لكن وكيل المجلس عثمان حسين بخبرته في الخدمة المدنية فضل التريث ولم يصدر قراراً لصالح أي جهة .
قرار المحكمة في ظل الإضراب :
في 23 مايو 2022 أصدرت المحكمة الإدارية المختصة قراراً ببطلان قرار حمدوك، مع الإبقاء على قرار المفوضية الجائر والأمر باعتماد القائمة كما هي، وصدر القرار في ظل إضراب موظفي الجهاز القضائي والتوقف الكلي للمحاكم عن العمل، والطبيعي أن يقوم مجلس الوزراء باستئناف القرار؛ لكنه فضل الصمت لحين مرور المدة القانونية للاستئناف ويسدل الستار على ملف التعيينات .