مخاوف من تغير النمط الغذائي السائد في البلاد الذي يقوم على “الأكل الجماعي”
انتشرت محال الوجبات السريعة في الخرطوم بصورة ملفتة، وسط مخاوف من تغير النمط الغذائي السائد في البلاد الذي يقوم على “الأكل الجماعي”.
واعتاد السودانيون على تناول الوجبات جماعات وفي إناء واحد وهي عادة تميزوا بها عبر آلاف السنين، في سلوك يتفق الجميع على أنه يعكس أبهى صور الكرم.
لكن هذا التقليد المتبع في تناول الغذاء بات يتضاءل في شوارع الخرطوم، فغالبية السكان خاصة من هم في مكان العمل يهتمون بتناول الأطعمة السريعة الجاهزة كل بمفرده.
ويربط البعض هذا التحول بشكل أساسي إلى تراجع الأوضاع المعيشية ما دفع الكثيرون إلى الوجبات السريعة، نظراً لقلة تكلفتها مقارنة بالأطعمة الأخرى في السودان.
فيما يعتقد آخرون أن ما حدث يشير إلى تأثر المجتمع السوداني خاصة من هم في الحضر بأنماط الغذاء المتبعة في المحيط الدولي والإقليمي، وأن الأمر غير مرتبط بالوضع الاقتصادي لأن سعر الساندويتش الواحد في بعض المحلات يفوق قيمة وجبهة منزلية تكفي لعائلة كاملة.
ويقول جبرائيل أحمد وهو شاب سوداني في العقد الثالث إنه يفضل الوجبات السريعة رغم التحذيرات الطبية من هذه الأكلات كونها غنية بالسعرات الحرارية، لكنها أحسن بكثير مما يتم إعداده في المنزل والذي يكون في الغالب ملئ بالطماطم والصلصة والتي تكون مزعجة وتسبب حموضة المعدة، على حد تعبيره.
وأضاف أحمد في حديثه لـ”العين الإخبارية” أن “الوجبات السريعة مكلفة للغاية وأنفق عليها يوميا ما لا يقل عن 3 آلاف جنيه سوداني (حوالي 6.5 دولار أمريكي)، ولكنها تريح إمعائي، وأتناولها فقط عندما نكون بعيداً من المنزل”.
وتابع “ربما يكون لجوئنا للوجبات السريعة لسهولة وسرعة الحصول عليها وأيضاً كتطور طبيعي يحدث، لكن بالتأكيد ليس من باب البخل، فالشعب السوداني لن يتنازل عن كرمه مهما تعاظمت الصعاب”.
ولم يكن جبرائيل وحده من مرتادي محال هذه الأطعمة فالسواد الأعظم من أقرانه من الأولاد والفتيات صاروا من زبائن الوجبات السريعة، وهو واقع يؤكده الشاب أحمد المصطفى الذي يروي قصة عشقه لهذا النوع من الغذاء لدرجة جعلته ينفق كل دخله عليه.
يقول مصطفى في حديثه لـ”العين الإخبارية”: “أصبحت لا أهتم كثيرا بما يتم تحضيره في المنزل، ودائما أذهب لمحال الوجبات السريعة خلال زمن الاستراحة في مقر عملي الذي يستمر لـ8 ساعات في اليوم”.
وأصبحت محال الوجبات السريعة نوع من الاستثمار المربح لكثرة مرتاديها، وهو ما أكده النزير محمد صاحب عربة أطعمة بإحد طرقات الخرطوم، مضيفا أنه يجني أرباحاً قد تصل إلى 80 ألف جنيه سوداني في اليوم الواحد (نحو 160 دولار) وهو مبلغ كبير بالنسبة له.
ويشير النزير في حديثه لـ”العين الإخبارية” إلى أن سعر الوجبة بمشروبها تتراوح بين 1000 إلى 1500 جنيه وهي معقولة للغاية مقارنة بالأطعمة الأخرى وتناسب الوضع الاقتصادي لعامة الناس خاصة شريحة الطلاب وموظفي الخدمة العامة.
ورجحت الباحثة الاجتماعية الدكتورة مي إدريس البنا أن تكون الظروف الاقتصادية سبب أساسي في لجوء الطلاب والموظفين للوجبات السريعة، مشددة على أن هذا التحول ستترتب عليه آثار اجتماعية سلبية.
وأوضحت في حديثها لـ”العين الإخبارية” أن “من بين هذه الآثار سوف تغيب جلسات الطعام العائلية المعهودة والتي يتفقد خلالها رب الأسرة أحوال أفراد عائلته، وهذا الشيء سيقود إلى مشكلات وأزمات اجتماعية كبيرة”.
وشددت على أن “الظروف الاقتصادية جعلت الآباء في حالة عمل دائم وكذلك الأمهات العاملات أصبحن لايمتلكن الوقت الكافي للطبخ، لذلك يفضلن الاعتماد على الوجبات السريعة حتى في حال دعوة الأصدقاء والأقارب إلى جلسات عائلية وهذا أمر خطير للغاية”.