سلفيون وصوفية.. كيف جمع (الطيب الجد) الأعداء التاريخيين
في حالة نادرة وغير مسبوقة أعلن سلفيون – على مستوى جماعات وأفراد – تأييدهم لمبادرة نداء أهل السودان للتوافق الوطني التي يرعاها الخليفة الطيب الجد أحد أقطاب الطريقة القادرية في السودان.
ولأول مرة تتلاقى مجموعات سلفية تحت مظلة واحدة مع عدوها التقليدي “الطرق الصوفية” لتنتقل العلاقة من مربع الحرب الشرسة إلى التهدئة والدخول في هدنة.
فالعلاقة بين الطرفين تاريخياً كان يحكمها العداء والخصومة والكراهية المتبادلة، فالداعية السلفي المثير للجدل محمد مصطفي عبد القادر أكد عقب خطبة الجمعة الماضية أنه وعلى الرغم من خلافاته مع الصوفية وانتقاده الحاد لهم من منبر مسجده بضاحية الفتيحاب بام درمان إلا أنه على وفاق تام مع بنود مبادرة الخليفة الطيب الجد ويؤيد مبادرة أهل السودان بلا تحفظ.بل ذهب إلى الأبعد بإعلانه تسخير منبره ومسجده حتى تنجح المبادرة وتبلغ منتهاها.
لم يكن محمد المصطفى الداعية السلفي الوحيد المؤيد لمبادرة رجل الدين الصوفي، حيث أعلن الداعية السلفي ، خطيب مسجد السلام بالطائف شرقي الخرطوم مهران ماهر عثمان هو الآخر مناصرته لمبادرة أهل السودان وهاجم بعنف رافضيها تحت ذريعة أن من يقف عليها أحد شيوخ الطرق الصوفية.
ودعا مهران خلال خطبة الجمعة عموم السلفيين وقادة الجماعات الإسلامية والدعوية لدعم مبادرة نداء أهل السودان وابتدار حوار يشمل كافة مكونات المجتمع السوداني بلا استثناء.
ومن تركيا أرسل الداعية السلفي ذائع الصيت عبد الحي يوسف مباركته للمبادرة وقال معلقا إنه يدعو عقلاء السودان بمن فيهم “السلفيين” أن يتنادوا إلى كلمة سواء من أجل انتشال الشعب من الخلافات والفتن وان المبادرة جاءت في الوقت المناسب ليتناسى الدعاة ورموز التنظيمات الإسلامية خلافاتهم ولو مؤقتاً مع رجالات الطرق الصوفية
وقريب من ذلك الخطاب الذي ألقاه أحد دعاة التيار السلفي الشيخ محمد عبد الله أثناء كلمته التي ألقاها أمام الحاضرين لفعالية المائدة المستديرة بقاعة الصداقة قائلا: إن جميع أنصار وجماهير التيار السلفي يتعين عليهم دعم مبادرة الخليفة الطيب الجد رغم الخلافات والصراعات بين السلفيين والطرق الصوفية مشيراً إلى أن المرحلة الحالية تتطلب وضع كافة الخلافات جانباً والجلوس سوياً لمصلحة السودان وشعبه.
وأضاف أن وجوده بين الذين تقدموا للحديث في المائدة المستديرة هو بيان بالعمل لإمكانية تلاقي الصوفية مع السلفيين في السودان.
ومن قبل كان الداعية السلفي البارز مختار بدري سباقا لتأييد الجد حيث زار الأخير في مسيده بضاحية أم ضوا بان بل كان من أوائل المؤسسين للمبادرة مع قيادات أخرى تتولى مناصب متقدمة في الاتحاد السوداني للعلماء والدعاة بينهم الأمين العام – خطيب وإمام مسجد الإمام مسلم بحي الفيحاء بشرق النيل – مدثر أحمد إسماعيل ومهران ماهر عثمان.
وقبل أيام أصدر الاتحاد السوداني للعلماء والدعاة بياناً صحفياً أعلن فيه موقفه المؤيد للمبادرة وجاء في البيان “إن الاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدُّعاة يعلن تأييده ودعمه لمبادرة نداء أهل السودان للتوافق الوطني، مؤكداً أنّ ما تضمنته المبادرة هي ذات البنود التي ظل الاتحاد يدعوا إليها منذ نشأته.
ومن الدعاة السلفيين الداعمين للمبادرة رئيس حزب دولة القانون والمنسق العام لتيار الأمة الواحدة والقيادي في تيار نصرة محمد علي الجز ولي وهو كذلك خطيب وإمام مسجد الجريف غرب العتيق حيث أصبح أحد أعمدة المبادرة إلي جانب رفيقه السلفي الآخر محمود عبد الجبار الأمين العام لاتحاد قوي الأمة “أقم” الذي القي خطاباً أثناء انعقاد جلسات مؤتمر المائدة المستديرة بقاعة الصداقة بالخرطوم.
محاربة التشيع
علي أن محاولات التحالف والعمل التنسيقي المشترك ليست جديدة رغم تطورها في اتجاهات بعيدة حيث بدأت منذ العام 2014 تحت ذريعة محاربة التشيع في السودان من خلال قيادة حملات قوية شاركت فيها المجموعات السلفية والسرورية بالتعاون مع الصوفية وانتهت بإصدار حكومة الرئيس المعزول عمر لبشير قرارات لمحاصرة الوجود الشيعي بالبلاد بإغلاق الحسينيات بالخرطوم وبعض مناطق شمال كردفان ثم إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية وطرد الطاقم الدبلوماسي الإيراني وإغلاق سفارة طهران بالخرطوم وسحب الخرطوم بعثتها الدبلوماسية في طهران.
تبع ذلك قيادة المؤسسات الدينية السعودية مشروع التقارب بين سلفيي السودان والصوفية بعد تسلم السفير السعودي علي بن حسن جعفر موقعه وذلك من خلال محاولاته للجمع بين أقطاب المتصوفة والسلفيين حيث كرم المركز العام لأنصار السنة بالسجانة الشيخ الطيب الفاتح قريب الله في العام 2015 ثم جاءت زيارة الشيخ خالد الغامدي إمام الحرم المكي للسودان والذي زار برفقة رئيس أنصار السنة إسماعيل عثمان مسيد الشيخ الكباشي في العام 2016 ثم زيارة الشيخ سعد الشثري عضو هيئة كبار العلماء في المملكة والمستشار في الديوان الملكي السعودي في العام 2016 تبعها وزير الشئون الإسلامية والأوقاف صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في العام 2017 وأخيراً زيارة إمام الحرم المدني صلاح البدير للبلاد في ذات العام ليصب كل هذا الحراك في اتجاه خلق رابطة وعلاقة تنسيقية تجمع بين التصوف والسلفية بهدف وقف التمدد الشيعي وإيقاف نشاط إيران السري في السودان.
ومن صور هذه التحالفات التي جمعت بين الصوفية والسلفيين الحملة ضد مدير المركز القومي للمناهج السابق عمر القراي حيث تم تكوين اصطفاف عقائدي كان قوامه أهل التصوف بالشراكة مع الجماعات السلفية تحت مظلة المبادرة الشعبية لحراسة الثورة السودانية وانتهي الحراك (السلفي – الصوفي) بإقالة عمر القراي.