عزمي عبدالرازق يكتب : عربات الجيش في الطريق

في شارع لا تجوبه المواصلات العامة عادة وقفت طالبة جامعية وزميلها تقريباً وموظف، كما بدا لي، في درجة لا تسمح له باستئجار سيارة، وقفوا جميعهم ينتظرون ملائكة الطريق، أولئك الذين يؤثرون على أنفسهم فيحملون الناس معهم على جناح الرحمة، خفت السيارة الأولى بغبارها، وطوت الثانية الأسفلت بعجلاتها طيا، فلبثوا في رصيفهم، قبل أن ترنو من بعيد سيارة أُخرى بلوحة صفراء تَسُرُّ الناظرين، أخبر الطالب زميلته بأنها سيارة عسكرية، وأنها سوف تتوقف لا بد، كان الشاب يتحدث بثقة ويراهن على ذلك، بما تبقى له من عشم في الجيش. بالفعل توقفت السيارة، وحملتهم على متنها، انتهى المشهد، دون أن ينتهي مفعول العشم، الذي صقلته علاقة هذه المؤسسة العسكرية بشعبها، تعطيه وتأخذ منه.
ولعل أكثر من فهم العلاقة وعبر عنها هو رئيس تركيا، رجب طيب أردوغان، فطفق يردد “قبابنا خوذاتنا مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا هذا الجيش المقدس يحرس ديننا”.
جاءت كارثة السيول لتكشف ظهر الأمة العاري المُبتل، فتنفس الناس من تحت الماء ينتظرون تحرك الجيش، فلا شيء غيره نملك ونأمل، وحري به ذلك، ليرمي بأطواق النجاة، وقد أظهر فرسان سلاح المهندسين، دأبهم الذي شيدوا به الفشقة من قبل، على طراز عمراني فريد، فمدت لسانها سعيدة، وطوقتها شبكة طُرق وجسور، في وقت وجيز، وشعور بالأمان، ذُهل، كل من رأها، وكنا أيضاً في حاجة اليوم لذلك النهوض، في أكثر من مكان، وبشِدة حين غمرت المياه المناقل وقرى نهر النيل والنيل الأبيض، وجلب عليهم الجيش بِخَيلِه ورجِلِه، من قوارب إنقاذ وطائرات عمودية وأتيام من القوات الخاصة، شدّت مئزرها لتغيث المنكوبين.
على من يسخرون من الدبابة السودانية التي شاركت في مناورات عسكرية بروسيا أن يتذكروا أنهم يفتعلون ذلك الضحك البليد، مواساة لإخفاقتهم السياسية، لكن تلك الدبابة بسائقها الأسمر، سبق وأن فازت بمركز متقدم في ذات المسابقة، قبيل أعوام قليلة، وأنهم يجهلون شرط لعبة الباترون التي لا تتقيد بالمسارات، وأنها صناعة سودانية خالصة، أي الدبابة، وأنه الجيش الذي نفذ عملية جبل بوما “الصقر الجارح” التي أدهشت العالم كله، حين قام بأخطر عملية لإنقاذ الرهائن، كللت بالنجاح الباهر، وأنه الجيش الذي صنع معجزة الشريجة في اليمن بتكتيك غير معهود، لم يفقد فيها ولا عنصر واحد، وأنه الجيش الذي فك الخناق عن توريت ببطولية مشهودة، وأوقف تقدم الجنرال الألماني رومل الملقب بثعلب الصحراء في العلمين، وقاتل في المكسيك بعقيدة سودانية، مدعاة للفخر، وخطف قلب عائشة الفلاتية في كرن، أهلته، كل تلك البطولات، أن ينتزع قبعة الجيش الفذ، العصي على الهزائم، يؤمن الظهر وينتظر منا أن لا نطعنه في الخاصرة، فضلاً على أنه لا يقاتل فقط في الحدود، وإنما يقف إلى جانب الشعب، كالألف الممدود، يقدم المساعدات في درء الكوارث، كما يحدث هذه الأيام، ويظهر بوجهه الطيب في الملمات، نماري فيه مراء ظاهرا، يذهب الضباط والجنود ويبقى الجيش، وتبقى عرباته في الطريق.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...