صديق محمد عثمان يكتب في سيرة راشد الصديق مرحبابو
في منتصف العام ١٩٦٣ لم يكن والدي الحبيب قد بلغ عامه العشرين بعد حينما رزق بمولوده الاول الذي اختار له اسم الصديق، كان الاسم قد بدا ينقطع عن اصله الاول مثلما انقطعت اسماء مثل عثمان عن جزيرة العرب بفعل الفتنة الكبرى فحيثما وقعت على عثمان في تلك النواحي فاعلم انه قد شرب ( موية النيل).
وكان اسم الصديق في مناطقنا قد بدا ينتسب الى القبة والطابية حيث الامام الصديق عبدالرحمن المهدي لذلك كان اسمي مؤشرا على تمرد والدي على البيت ( الختم) وانجراره وراء تيار الوطنيين الاتحاديين الذين شقوا عصا الطاعة.
وبعد ذلك باربعة أعوام حسوما قضيتها في ترف شديد بين جدتين وجدين وحيشان واسعة لا ينافسني فيها الا ابنة عمتي، أقبلت على بيتنا شقيقتي احسان ثم مع انقلاب النميري اقبل المدثر الذي كانت عمتي تلقبه بالنميري ، وفي منتصف السبعينات أقبلت سلمى واسطة العنقود، ثم الخنساء تماضر وحينها كان والدي قد بدا ينتظم في صفوف العمل النقابي ممثلا لعمال السكة حديد بمشروع الجزيرة فلما اقبل مولوده الجديد اختار له ( راشد) البعض نسبه الى الاسم الحركي الذي استخدمه زعيم الشيوعيين الراحل عبدالخالق محجوب ،والبعض نسبه الى توجهات والدي الجديدة نحو أفكار ورسائل الاخوان الذين انتهزوا فسحة المصالحة فملاوا القرى والحضر برسائل الشهيد حسن البنا وسيد قطب.
ومهما يكن من امر فمع مقدم راشد رشدت مايو تجاهنا فتوقفت حملات التفتيش لخالي الحبيب عبدالرحيم محمد عبدالرحيم الاداري حينها بسكك حديد الجزيرة واحد أوائل الاخوان المسلمين. وهو رجل عصامي لم ينل قدرا من التعليم النظامي ولكنه لم يلبث ان حفظ كتاب الله ثم شرع يؤسس لنفسه مكتبة عامرة جدا يدين لها تنظيم الاخوان في منطقة جنوب الجزيرة ولكنها كانت الهدف الاول لجهاز امن نميري ولا ازال اذكر تلك المجهودات الجبارة التي كان خالي يبذلها بمعاونة والدتي الحبيبة في دفن المكتبة بكاملها تحت عتب الباب الخارجي لمنزله بعد تعبئتها في اكياس وجوالات السكر بحيث يدخل أفراد الامن المنزل من فوق المكتبة المدفونة ثم لا يجدوا لها اثر مهما نقبوا داخل المنزل او نبشوا بعض أركانه.
ولكن ما ان استقرت الثمانينات حتى كان والدي قد اقبل بكامله على الحركة الاسلامية فلما اطلت اخر عنقود بيتنا الكبير لم يتوانى ان يطلق عليها ( إقبال ) .
قبل اقل من عشرين شهرا اختارت شقيقتي سلمى لمولودها اسم ( صديق ) الامر الذي أصابني بالرعشة وأضاف الى أحاسيس الغربة أضعافا مضاعفة، فأنا لم احضر زواج سلمى ولم أر ابنيها الاولين وها هو الصديق يقبل على الدنيا.
وبتاريخ ١١/ ٠٦/ ٢٠١٥ اطلق ابناء اخي راشد الصغار الذين لم أرهم كفاحا، اسم صديق على شقيقهما الذي اقبل على الاسرة الصغيرة والعائلة الكبيرة بالترحاب المستحق والسرور الذي يجعل الحاجة سعدية محمد عبدالرحيم من اسعد الأمهات .
كانت المفاصلة بين تيارات الإسلاميين قد بلغت أوجها وراشد مثله مثل عشرات الالاف من شباب الحركة المجاهدين يتقاطرون على مسجد الجامعة كل أسبوع ليسمعوا ويتناقشوا كيف سرقت جماعة ( خريف خريفين في بترولنا ) حلمهم الكبير ومشروعهم الذي لم يكن من ضمنه اكل خريف واحد في بترول البلد، وكنت انا حينها ألقى بعض الأحاديث بالمسجد عقب الصلاة ثم اخرج مطاردا بسيارات الامن التي تشهر اسلحتها في وضح النهار كأنها تطلب راس كبير الكفر.
وحينما اعجزهم اعتقالي قرروا اعتقال راشد وضربه، لم يسألوه ان كان شعبيا او جنوبيا هواه ، ثم لم يلبث ان لحق بارتال شباب الحركة الذين طالتهم تصفيات الوظائف بل والملاحقات الامنية واضطر الى الهجرة المرة.
اما مدثر فقد هاتفني احد الاخوة من أمراء الشباب المجاهدين ذات صباح – ونحن حينها في اختفاء عن اعين الامن- ليخبرني بان مدثر في عداد المفقودين في المعارك التي دارت حول مدينة كسلا التي هاجمتها قوات الحركة الشعبية، فسألته ان كانوا متاكدين من استشهاده فاجاب بلا فطلبت منه التريث يوما او يومين قبل اخبار الاسرة ، وبالفعل اتضح ان مدثر كان يرافق زميله الذي أصيب واضطر الى إخفائه عن اعين قوات الحركة الشعبية لبعض الوقت قبل ان يتمكن من إيصاله الى مأمن .
ولكن ذلك لم يشفع له كما لم يشفع لناجي عبدالله والشباب الاخرين فتم طرده من وظيفته في اليرموك ورغم ذلك لا يزال مدثر يعافر أقدار الرزق في بوادي الوطن الحبيب ويتقبل نوازل الابتلاء على أسرته الصغيرة بصبر تعجز عنه الجبال الرواسي.
ايها الصديقان الصغيران مرحباً بكما في أسرتنا الكبيرة ، لقد اجتهدنا ما اوتينا من قوة وعزم على ان نترك لكما في هذه الفانية ميراثا يليق باسميكما.
ورحم الله المادح الذي بعث سيرة الصديق من بعد سبات، ورحم الله المادحين الشيخين الأمين احمد القرشي وعلي الشاعر :
الليلة بجيب قولا على الصديق مرحبابو
سيدي البفرج الضيق
النعتو ابابكر في الاولى اسمو عتيق
انبرم الامر أوكل ليهو بالصديق
كونو حبيب رسولك
البحبوا حقيق
في نعيم الجنان اجعلني ليهو رفيق
مرحبابو