النيل الأزرق.. استمرار نزيف الدم
عقب هدوء الأحوال بالنيل الأزرق عاد مجدداً الصراع القبلي الذي اكتوت بنيرانه مكونات اجتماعية بإقليم النيل الأزرق، راح ضحيتها أكثر من 15 قتيلاً و23 جريحاً، حيث فرضت السلطات حظراً على الإقليم، ضمن مساعٍ لاحتواء الاشتباكات القبلية التي يشهدها، وقررت لجنة الأمن بولاية النيل الأزرق منع التجمعات غير الضرورية، ويرى مراقبون في حديثهم لـ(اليوم التالي) أن عودة الاشتباكات القبلية مؤشر لعدم وجود حلول جذرية وفشل الحلول التي قدمت، وحملوا الحكومة وسلطات الإقليم مسؤولية عودة الاشتباكات الأهلية لجهة أن غياب الشرعية الدستورية في البلاد خلق واقعاً أقرب إلى الفوضى، واستفادت بعض الجهات منه لإطالة عمرها في سلطة وكسب الوقت لتمرير فكرة أن إقصائها من المشهد السياسي سيخلق ثغرات أمنية تقود البلاد إلى الفوضى والانهيار.
قرار سليم
واعتبر مدير مركز تحليل النزاعات ودراسات السلام بجامعة أمدرمان الإسلامية د. راشد التجاني عودة النزاعات القبلية بالنيل الأزرق مؤشر لعدم وجود حلول جذرية وفشل الحلول التي قدمت لحل النزاع ومنع التكرار الصراع، وقال التجاني لـ(اليوم التالي) إن المسؤولية شاملة الجميع في المنطقة من إدارات أهلية ومحلية وأفراد وأن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الحكومة، سيما وأنها محرك آليات الحل وأوضح أن الحلول الأمنية غير كافية لجهة أنها تفصل بين المتنازعين وتحسم المتفلتين وشدد مدير مركز النزاعات على ضرورة تقديم حلول جذرية عبر نشر ثقافة السلام في المجتمع بجانب نشر وحدات الإنذار المبكر ومعاقبة المتسببين عقوبة رادعة لمنع التكرار، وبحسب راشد أن عمل لجنة تحقيق وتقصٍ في النيل الأزرق قرار سليم جاء متأخراً وأضاف: يمكن أن يتم تشكيلها من بداية النزاع وطالب بتعزيزها بالصلاحيات الكاملة حتى تصل للأسباب الحقيقية فضلاً عن دعمها بعناصر قومية من خارج الإقليم وذلك لمنع تأثير الأحداث على عناصر اللجنة والوصول لنتائج دون انحياز لطرف.
أزمة مفتعلة
وفي السياق ذاته حمل المحلل السياسي عبد القادر محمود لجنة أمن والحكومة الفيدرالية لإقليم النيل الأزرق مسؤولية تجدد الاقتتال القبلي في إقليم النيل الأزرق، وأشار إلى جهود أهلية ورسمية لتهدئة الأوضاع، لكنها لم تلامس جذور الأزمة المفتعلة بين المكونات الاجتماعية المتصارعة التي عاشت جنباً إلى جنب في وئام وانسجام لفترة طويلة قبل إفرازات اتفاق جوبا، وطبقاً للمحمود في إفادة لـ(اليوم التالي) أن غياب الشرعية الدستورية في البلاد خلق واقعاً أقرب إلى الفوضى، وأضاف: ما يحدث الآن في النيل الأزرق وفي أطراف أخرى من السودان لا يمكن قراءته بمعزل عن الصراع السياسي المحموم في الخرطوم حيث أن عدم التوافق بين المكونات السياسية وخلق مناخ التفرقة والشتات لا بد أن تكون هنالك جهات مستفيدة منه لإطالة عمرها في سلطة الأمر الواقع وكسب الوقت لتمرير فكرة أن إقصاءها من المشهد السياسي سيخلق ثغرات أمنية تقود البلاد إلى الفوضى والانهيار، ويقول المحلل السياسي إن ما يحدث في النيل الأزرق تأجيج للفتنة بواسطة قوى ذات مصالح ونفوذ خارجة عن السياق المحلي للتشكيلات الاجتماعية القاطنة في الإقليم، وفي الوقت ذاته استبعد حدوث الصراع نتيجة لصراع مصالح ونفوذ بين المكونات القبلية المتصارعة، ورهن حل الصراع بالنيل الأزرق من خلال الدولة والسلطة المدنية التي تستطيع إدارة التنوع الثقافي في السودان بشكل يفضي إلى مزيد من التنمية والتقدم والاستقرار السياسي.
لجنة تحقيق
ومن جهته أصدر حاكم إقليم النيل الأزرق المكلف عباس عبد الله كارا قراراً بتشكيل لجنة تحقيق في أحداث قنيص شرق، واختص القرار اللجنة بمهام التحقيق والتحري في أحداث قنيص شرق ومجمع طيبة الإسلامي، والعربة التي تم ضبطها بواسطة الشرطة لمعرفة أسباب وتداعيات تجدد المشكلة. وحدّد القرار على اللجنة، ممارسة عملها فوراً ورفع تقريرها خلال (72) ساعة، كما دعا القرار، اللجنة للاستعانة بمن تراه مُناسباً. وكانت منطقة قنيص شهدت أحداثا خلفت قتلى وجرحى، وعادت الأمور الى طبيعتها بعد تدخل القوات المسلحة إلا أن الاشتباكات تجددت في مدينة أم درفا (المدينة 7) جنوب الروصيرص وخلفت ضحايا وإصابات وقالت مفوضية المساعدات الإنسانية السودانية إن (18) شخصاً على الأقل قتلوا وإصابة 23 آخرين في ولاية النيل الأزرق جراء اشتباكات مسلحة بين الجماعات المتنازعة، وأوضحت المفوضية في بيان أن المنطقة تشهد تجدداً للاشتباكات بين قبيلة الهوسا ومجتمعات النيل الأزرق.
حظر تجوال
وقد أعلنت لجنة أمن إقليم النيل الأزرق عن حظر تجوال جزئي في مدينتي الدمازين والروصيرص، بعد تجدد أعمال العنف القبلي التي أودت بحياة (7) أشخاص وإصابة 23 آخرين، وتجدد الصراع الأهلي في وقت متأخر من الخميس الماضي، على خلفية نزاع سابق يتعلق بالإدارة الأهلية، وقالت اللجنة، في بيان لها: تجددت الأحداث القبلية في منطقة قنيص شرق ومجمع طيبة الإسلامي بالروصيرص، دون أسباب واضحة حتى الآن، وأشارت إلى أن هذه الأحداث أسفرت عن مقتل (7) أشخاص وإصابة (23) آخرين، معلنة عن حظر التجوال بالدمازين والروصيرص من الساعة الثامنة مساءً حتى الساعة الخامسة فجراً، كما قرر منع التجمعات غير الضرورية.
واندلعت في 15 يوليو المنصرم اشتباكات مسلحة بين اثنين من المكونات الاجتماعية لولاية النيل الأزرق، أسفرت عن مقتل (79) شخصاً، إضافة إلى حرق ونهب الأسواق في مدينتي الدمازين والروصيرص، وأجبرت الأحداث نحو 42 ألف مواطن على الاحتماء بمدارس قرب حامية الجيش داخل مدينة الدمازين، فيما فرّ المئات إلى ولاية سنار المجاورة، ووصل آخرون إلى مدينة ود مدني القريبة نسبياً من العاصمة الخرطوم، وناشدت لجان مقاومة الدمازين جميع الأطراف بضبط النفس وتحكيم صوت العقل والبحث معاً عن الحلول السلمية لوقف هذه الفتنة وحفظ أرواح وموارد المواطنين.