إنعاش القطاع الصناعي.. دغدغة مشاعر وشهرة التنظير
وصف مهتمين بالشأن الاقتصادي تصريح وزير المالية د. جبريل حول إنعاش القطاع الصناعي بالدغدغة، وقالوا إنه اشتهر بالتنظير أكثر من الفعل، مستبعدين إنعاش القطاع الصناعي بمعزل عن القطاع الزراعي، معتبرين أن أي حديث في قطاع الاقتصاد بمعزل عن الرؤية الكلية “ونسة”، وأشاروا إلى أن الاقتصاد السوداني يعاني من مشكلات قديمة متراكمة تكمن في الديون التي تتجدد فوائدها، ولفتوا إلى أن النهضة الاقتصادية تحتاج أن يكون الدخل أكثر من الصرف، مؤكدين أن تصريحات وزير المالية ليس لها فرصة حقيقية لتنفيذها في الوقت القريب.
تحريك الاقتصاد
ونقلت مصادر صحافية أن وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. جبريل إبراهيم قد دعا إلى ضرورة إنعاش القطاع الصناعي، وأمن على وجود إشكاليات يعاني منها القطاع الصناعي، مؤكداً على ضرورة معالجتها من أجل تحريك الاقتصاد السوداني وإنعاشه لتوفير فرص عمل للشباب، وأشار إلى ضرورة أن يعمل القطاع الصناعي على رفع قدراته التنافسية، وأكد د. جبريل على حماية الإنتاج المحلي من الإغراق وتجميع المصانع الصغيرة في مصانع كبيرة لزيادة الإنتاج ولإنتاج بدائل للسلع المستوردة، ومشيراً إلى خفض تكاليف الإنتاج والزيادة التنافسية والدخول في مشروعات كبرى تساهم في دفع عجلة الإنتاج في مجالات الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، بجانب المشاركة في تقوية بنك التنمية الصناعي وشركات السكر، وأوضح ضرورة تكوين لجان مشتركة لمعالجة كل الإشكاليات التي يعاني منها القطاع الصناعي من أجل تحريك الاقتصاد الوطني، وطالب وزير المالية بتقديم مقترحات عملية في هذا المجال، كما أمن الاجتماع على إيجاد حلول لكل المشاكل التي يعاني منها القطاع ذلك بتكوين لجنة ثلاثية من اتحاد الغرف الصناعية ووزارة المالية ووزارة الصناعة الاتحادية.
دغدغة مشاعر
وصف خبير الاقتصاد الزراعي محمود عبد الجبار تصريحات وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. جبريل الإيجابية وفي مكانها، معتبراً إنها تعبر عن دغدغة للمشاعر ورسالة للناس يقول فيها إنني أفكر وأخطط للاقتصاد الوطني، وقال في حديثه لـ”اليوم التالي”: في حقيقة الأمر ليس هناك شيء يمكن أن يدغدغه د. جبريل لهذا القطاع، وأوضح أن الاقتصاد السوداني كلية موحدة، مبيناً أنه لا يمكن أن ننهض بقطاع دون القطاعات الأخرى، وبرر ذلك لأن عملية النمو الاقتصادي والنهضة الاقتصادية عبارة عن حزمة كاملة متكاملة، وأشار إلى أن الخبراء في الاقتصاد قديماً قالوا إذا أردت نهضة صناعية فلابد أن تسبقها نهضة زراعية، ويرى أن معظم الدول التي بدأت بالقطاع الصناعي تقليداً للغرب والثورة الصناعية في أوربا فشلت لأنها لم تمثل الطريقة إلى النهضة الصناعية لتسبقها النهضة الزراعية.
وضع استراتيجية
وقال إن كل ما يأكله ويشربه ويلبسه الإنسان ناتج من الزراعة، مضيفاً أن هناك ما يستخدم مباشرة عقب إنتاجه من الزراعة وآخر يدخل في عمليات صناعية، ولفت إلى أن جبريل كوزير للمالية والتخطيط الاقتصادي لم ينجح في تمويل الزراعة لمدة عامين ولم ينجح في شراء القمح من المزارعين والذي حدد سعره مع مجلس السيادة، وأبان أن حديث د. جبريل بلا مصداقية ورؤية ولا آليات تنفيذ، واعتبر أن الحديث عن لجان هو عبارة عن استهلاك محلي، وقال: نحن الآن نريد تنمية اقتصادية شاملة، مبيناً أنها تبدأ بالإرادة الوطنية وعدم التبعية لأي جهة أجنبية، ثم بعد ذلك وضع الاستراتيجية الاقتصادية الممرحلة التي تعالج في البداية مشكلة معاش الناس والإشكالات الحياتية اليومية ومن ثم الاكتفاء الذاتي وبعدها الخروج إلى الصادرات وكثرتها وقلة الواردات.
نهضة اقتصادية
ويرى عبد الجبار أن النهضة الاقتصادية تحتاج أن يكون الدخل أكثر من الصرف، موضحاً أن الناتج المحلي القومي يجب أن يكون إضعاف ما نستورده ونستهلكه، وقال: نحن حتى هذه اللحظة لدينا اختلال في الميزان التجاري بشكل كبير، مبيناً أن هذا الاختلال لن يسمح لنهضة اقتصادية سواء كان في القطاع الزراعي أو الصناعي، وتابع: بالتالي بعد المضي قدماً في عمى خصم وشدة صندوق النقد الدولي بتحرير الأسعار ورفع الدعم عن السلع الضرورية الاستهلاكية خاصة الطاقة التي تعتبر عمود القطاع الصناعي، قال: لا أتحدث أبداً عن النهوض بهذا القطاع، مضيفاً أن النهوض بهذا القطاع يتطلب النهوض بالقطاعات الأخرى لأنها تساعد بشكل كبير في التكامل الاقتصادي.
مراجعة كاملة
ويعتقد أن تصريحات وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. جبريل ليس لها فرصة حقيقية لتنفيذها في الوقت القريب، واستبعد إنعاش القطاع الصناعي بمعزل عن القطاع الزراعي وتوفير التمويل وضمان التسويق وتحفيز المنتجين، قائلاً إن هذه الحزمة يجب أن تكون متكاملة، وتساءل: المصانع الآن بكم من المبلغ تشتري الكهرباء والوقود؟ وبكم من المبلغ يرحل منتجاته؟ وإمكانيات المنافسة في السوق العالمية والمحلية بأي قدر؟، وقال إن كل ذلك يؤكد أننا نحتاج لمراجعة كاملة حول كيف ننهض بالقطاع الاقتصادي الصناعي، معتبراً حديث د. جبريل “ونسة” حسب قوله.
حزمة كاملة
ويشير عبد الجبار إلى أنه من الطبيعي إذا حدثت نهضة وتطور في القطاع الصناعي ينعكس إيجاباً على كل القطاعات الاقتصادية، وشدد أن يكون كل ذلك ضمن حزمة كاملة متكاملة ولا يكون في معزل، وقال: إذا أراد شخص ما إنشاء مصنع “ملابس” فيجب أن يكون هناك محصول قطن، والحصول عليه يكون إما بزراعته في أرضه وبمزارعيه وذلك يحقق قيمة إضافية كبيرة، أو باستيراده من الخارج، وتابع: كذلك الحال ينطبق حين إنشاء مصنع ألبان بكل مشتقاته وهذا يتطلب وجود “لبن” وهذا يتطلب أيضاً قطيعاً من الثروة الحيوانية وبدوره يتطلب توفير مراعي وأدوية والمحافظة على المنتجين، وأكد في ختام حديثه أن أي حديث في قطاع عن الاقتصاد في معزل عن الرؤية الكلية للقطاع الاقتصادي يعتبر “ونسة”.
مشكلات متراكمة
وفي السياق ذاته قال الباحث بمركز التنوير المعرفي سر الختم محمود إن وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. جبريل اشتهر بالتنظير أكثر من الفعل، مضيفاً أنه يعلم كما يعلم كل خبراء الاقتصاد في السودان وخارجه أن انتعاش الاقتصاد لا يمكن أن يتحقق لأسباب موضوعية وماثلة، أولها أن الاقتصاد السوداني يعاني من مشكلات قديمة ومتراكمة، موضحاً أنها الديون التي تتجدد فوائدها كل عام بنسبة معينة، مبيناً أنها تراكمت كديون على السودان وفشلت في حلها كل الحكومات السابقة، وأوضح أن الأمر الثاني يكمن في ارتفاع تكلفة المواد المصنعة وشبه المصنعة التي زادت من ارتفاع الأسعار، قاطعاً أن ذلك أفقد الاقتصاد موقعه في الحفاظ حتى على نقطة التعادل أو التوازن.
تشجيع المواطن
ويشير سر الختم إلى أن الأمر الثالث يكمن في التضخم الذي بلغ مبلغه، موضحاً أن وزير المالية كان له دور كبير في ارتفاعه، لافتاً إلى أنه أقبل على طباعة أوراق نقدية لا يقابلها إنتاج آخرها فيئة الـ500 ج، واصفاً إياها بالكارثة، واستبعد أن يستطيع وزير المالية إنعاش الاقتصاد السوداني سواء كان عموماً أو الخاص بالصناعة، مستثنياً من ذلك إذا دخلت الحكومة في شراكة مع القطاع الصناعي الخاص، ثم تسليم شركات الحكومة لكفاءات وطنية حقيقية وتبني الحكومة لجلب الاسبيرات الخاصة بالمصنع وبيعها بأسعار تشجع المواطن على الإنتاج، قائلاً إن ذلك أيضاً ينطبق على باقي احتياجات الصناعة.