شرف محمد الحسن يكتب: منجم ذهب

 

في نهاية التسعينيات كنت قد أسست شركة صغيرة للانتاج الاعلامي مع صديقي د. عادل ضيف الله ،،
كان أول اعلان تلفزيوني انتجه هو اعلان لمحل بصريات ،،
ذهبنا كفريق عمل لشارع البلدية حيث محلات ود الحصاحيصا ، قابلت شابا بشوشا متواضعا هو صاحب المحل ، كان يتحدث عن محله بفخر وتواضع وفي ذات الوقت يشعر بسعادة الانجاز ،،
في داخل المحل الانيق والذي تم تصميمه بذوق عالي جدا وتصميم داخلي مبهر ، كان يوجد على الطرف ( طبلية صغيرة ) – والطبلية عبارة صندوق خشبي لا يتجاوز ارتفاعه المتر وعرضه نصف متر ، كانت تستخدم في الثمانينيات والتسعينيات لاغراض التجارة الصغيرة للصبيان مثل الحلويات والالعاب ، وتوضع امام محل او شارع ،،،

توقعت ان هذه الطبلية بشكلها البسيط هذا موجودة بداخل المحل بالخطأ ، فحاولت ان اسحبها حتى لا تدخل في التصوير ،،

قال لي ود الحصاحيصا : لا لا لا بالراحة ما تكسرها ،،
واردف قائلا : الطبلية دي اهم حاجة في المشروع دا ، دي الاساس البدأ الشغل دا ،،
قلت له : كيف يعني ؟.
قال لي : بدأت حياتي العملية من هذه الطبلية في السوق الشعبي بالخرطوم ،،
كانت مصدر دخلي وبركة رزقي ، وكل قرش طلعته منها كان بيتضاعف في التجارة لحدي ما بقيت اتاجر واجيب بضاعة من الخليج ، والطبلية دي موجودة ، وكل ما انظر ليها اتذكر قعدة الشمس وتعب السوق ، وهي المرافقني والبتديني الامل وتتذكرني طعم الدنيا ،،
علشان كدا انا اصلا ما بنساها ولا حأتنكر لبدايتي معاها ،، وهسع محلي دا هو فرع من محل تاني للبصريات ، وباذن الله لن اتوقف ،،

انتجت اعلان بصريات ود الحصاحيصا ، وكانت في رأسي استفهامات لا تخلو من استغراب ان يستثمر صاحب طبلية في مجال النظارات ،،

بعد اكثر من عشرين سنة ، وقبل شهرين تقرييا كنت مارا ذات مغرب بشارع القصر تقاطع السيد عبد الرحمن ، قبالة فندق مريديان ، وجدت محل جميل انيق وامامه مساحة عريضة مرصوفة بالسراميك والانترلوك ومسورة بالازهار والشتيلات الجميلة في الاصايص ،،
وامام المحل يجلس رجل انيق في كرسي يتأمل برضا حركة الناس في الشارع ، لفت نظري هذا المحل النظيف والتفكير الراقي لنشر الجمال مع التجارة ،،
فقرأت لافتة المحل لاتفاجأ بأنها بصريات ود الحصاحيصا ، وإلتفت الى الرجل الجالس في الكرسي فاذا به هو ذاته ود الحصاحيصا بذات العزم والرضا والتواضع ،،
سلمت عليه وذكرته بالموقف القديم للاعلان الاول ،، فضحك باريحية وقال لي : ياهو انا ذاااااتو ما اتغيرت ،،

عندما تبحث عن السعادة في كسب العيش والرضا بما انجزت ، ويكون انطلاقك من التسامح مع ذاتك ووغرضك انك تخدم مجتمعك وتطور مهنتك ، فأنت تخلق لنفسك ثروة عظيمة جدا قوامها يقين وراحة لا تشتريها المليارات ،،

الريادة الحقيقة ،،

شرف محمد الحسن ،،

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...