السودان.. ضوء في نهاية النفق
د. أميرة محمد عبدالحليم *
شهدت الأيام الأخيرة إشارات إيجابية تفيد بإمكانية تسوية الأزمة السياسية التي يعيشها السودان منذ ما يقرب من عام، عندما أقدم رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان على اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي أطلق عليها محاولات لتصحيح مسار الثورة، في حين اعتبرتها القوى المدنية المختلفة بمثابة «انقلاب» على المبادئ والآليات التي اتفق حولها السودانيون لعبور المرحلة الانتقالية بعد نجاح ثورتهم في إسقاط نظام البشير.
كان من أهم بوادر الأمل التي انبثقت خلال الأيام الأخيرة، مظاهر تقارب المواقف بين المكونين العسكري والمدني، حيث بدت أطراف السلطة في السودان تسعى إلى إنهاء حالة الانقسام بين الفرقاء التي طال أمدها وأصبحت تداعياتها تصل إلى كافة مناحي الحياة في السودان.
فمن ناحية تصاعدت التصريحات من الجانبين التي تؤكد على استعداد المؤسسة العسكرية للخروج من العملية السياسية والعودة إلى مهامها وواجباتها الأساسية.
وكان رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان أعلن في الرابع من يوليو/ تموز 2022 الانسحاب من المفاوضات السياسية لتمكين القوى المدنية من الاتفاق على تكوين حكومة مدنية تستكمل الفترة الانتقالية، كما أعلن الاستعداد لحل مجلس السيادة وتكوين مجلس أعلى للقوات المسلحة.
وأعاد البرهان التأكيد على هذه المواقف خلال لقائه في القصر الرئاسي مع السفيرة الفرنسية في الخرطوم رجاء ربيعة في بداية شهر أغسطس/ آب 2022 على عدم تمسك المؤسسة العسكرية بالسلطة.
كما اتجه نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو «حميدتي» في وقت لاحق (21 من يوليو 2022) إلى التأكيد على جدية المكون العسكري في الانسحاب من الساحة السياسية وأعلن للمرة الأولى تأييده لخطاب قائد الجيش في ذات الخصوص.
وقد رحبت الكثير من القوى السياسية المدنية بتصريحات رئيس مجلس السيادة ونائبه واعتبرتها خطوة على طريق العودة بالبلاد للاستقرار، وأعلنت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) عزمها استعادة المسار الديمقراطي الانتقالي في البلاد وأن صناديق الاقتراع وحدها ستقرر من سيحكم السودان مع تمسكها بخروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية وتفرغها للقيام بواجباتها المهنية.
كما جاءت التصريحات التي أدلى بها الطاهر أبوهاجة المستشار الإعلامي لقائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة، الفريق عبد الفتاح البرهان، في 17 سبتمبر/ أيلول 2022 لتؤكد على المواقف ذاتها، حيث أعلن أن الجيش لن يسلم السلطة إلا إلى حكومة متوافق عليها من كل السودانيين أو حكومة منتخبة، والتزام المكون العسكري بخروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي ونوه بأن القوات المسلحة مسؤولة بنص الدستور عن حماية واستقرار البلاد، كما أشار إلى أن حكومة ما تبقى من الفترة الانتقالية سوف تكون حكومة كفاءات لا تخضع للمحاصصة السياسية ومتوافقاً عليها من كل السودانيين.
كما تعجل نائب رئيس مجلس السيادة السوداني ورئيس اللجنة الوطنية العليا لمتابعة تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان محمد حمدان دقلو «حميدتي» في 19 سبتمبر/ أيلول 2022 استكمال آليات اتفاق جوبا السلام وتوفير الدعم. حيث عقد اجتماع بالقصر الرئاسي حضره رئيس مفوضية السلام سليمان محمد الدبيلو وكبار مفاوضي مسار دارفور في الاتفاقية وبحث خلاله الموقف من الاتفاق، ووجه حميدتي مفوضية السلام والجهات المعنية، بضرورة الإسراع في استكمال إنشاء الآليات المطلوبة وتوفير المعينات اللازمة لتنفيذ وثيقة جوبا للسلام.
ومن ناحية أخرى، توافقت غالبية القوى المدنية والعسكرية في البلاد على ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة، كما أبدى المجتمع الدولي مزيداً من الدعم لاستعادة الاستقرار في السودان بالوصول إلى التوافق بين القوى المختلفة، حيث أعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي في السودان، عن زيارة لوفد من برلمان التكتل إلى العاصمة الخرطوم لإظهار دعمهم للنضال من أجل الديمقراطية، ويعتزم الوفد عقد لقاءات مع السُّلطات السودانية والمجتمع المدني لمناقشة الجهود الجارية لضمان انتقال السودان نحو الديمقراطية. كما يتوقع أن يُناقش الوفد مشروع الدستور الانتقالي الذي أعدته لجنة تسيير نقابة المحامين الذي قالت سفارات غربية إن المبادئ التي تضمنها الدستور حاسمة لتحقيق نظام فعال لحكم الانتقال.
تحديات ماثلة
وعلى الرغم من التقارب في الأهداف الذي عبرت عنه التصريحات والمبادرات التي تبنتها معظم أطراف العملية السياسة في السودان خلال الآونة الأخيرة والتي تطالب بالإسراع بتسوية الأزمة التي تعانيها البلاد، لم تخل هذه التحركات من التحديات التي تتطلب معالجتها للحد من تأثيرها في ما تم إحرازه من التوافق للعبور من المرحلة الانتقالية والوصول إلى الانتخابات في عام 2024.
ومن أهم هذه التحديات استمرار عدم التوافق بين القوى المدنية، والذي برز في الآونة الأخيرة أحد مظاهره في رفض بعض القوى المدنية للدستور الانتقالي الذي طرحته نقابة المحاميين على الرغم من الترحيب الداخلي والخارجي الذي حظي به هذا الدستور وكان نائب رئيس مجلس السيادة حميدتي أعلن تأييده لهذا الدستور.
يضاف إلى ذلك استمرار التشكيك بين أطراف السلطة أو في الوسطاء الإقليميين والدوليين، حيث تنظر بعض القوى المدنية للتحركات التي يقوم بها رئيس مجلس السيادة وأعضاء المجلس لتقريب وجهات النظر مع القوى المدنية على أنها «مناورة تكتيكية»، في الوقت الذي تعرضت بعض آليات الوساطة للتجميد، ما يهدد بتراجع الدعم الخارجي لتسوية الأزمة، كما وجه وزير المالية ورئيس «حركة العدل والمساواة» جبريل إبراهيم انتقادات حادة للمبعوث الأممي للسودان فولكر بتريس واتهمه بعدم الحياد والتزوير.
ويبدو أن المشهد السياسي في السودان قد طرح في الآونة الأخيرة الكثير من الإشارات الإيجابية التي تبعث التفاؤل في إمكانية تسوية الأزمة الحالكة التي تدور في فلكها والتي لا تأخذ في اعتبارها الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي وصلت إليها البلاد التي يعيش 60%من سكانها تحت مستوى خط الفقر.
إلا أن كثرة مبادرات التسوية السياسية للأزمة مع عدم تطبيق أي منها على أرض الواقع تنذر باستمرار الأزمة، حيث كانت آخر هذه المبادرات مبادرة عضو مجلس السيادة مالك عقار، ومبادرة «نداء أهل السودان» وهما الأحدث لأنهما جاءتا بعد قرارات البرهان في 4 يوليو/ تموز الماضي بانسحاب الجيش من الحوار السياسي للآلية الثلاثية. إلا انها لم تأت بأي جديد ولم تدفع القوى المدنية والعسكرية للحوار.
* خبيرة الشؤون الإفريقية في مركز الأهرام للدراسات
جريدةالخليج