هشام الشواني: سياسة الميديا
مشهد الصغار بين عمر الثالثة عشر حتى الثامنة عشر وهم يتحركون نحو شارع (الصحافة ظلط) لقضاء وقت العصر في مطاردات مثيرة مع الشرطيين، مشهد يجعلك واثقا من أن ظاهرة الشارع هي ظاهرة اجتماعية ونفسية في الأساس، ظاهرة محدودة بحدود أحياء خرطومية لفئات طبقات وسطى حضرية، وظاهرة محدودة مع فئة عمرية في سن الطفولة والمراهقة، ظاهرة محدودة بنمط وعي ناتج من مؤثرات السوشيال ميديا.
ترى مجموعات من عشرات الأطفال والمراهقين تتحرك نحو الشارع، بمشاعر حماسية تذكرك بمجموعات الأولتراس في كرة القدم، أطفال تعجبهم البطولة والحركات الخطرة، مراهقون يحققون ذواتهم في الشارع، تجذبهم المخاطرة والهتاف وحضور الفتيات. هذا المشهد هو مشهد متصل بالعاصمة وبعض مراكز الحضر فيها، في مكان آخر، وأحياء أخرى هناك أدوار مغايرة يؤديها الشباب في هذا العمر، بعضهم يزرع، بعضهم في الرعي، بعضهم في مقيل آخر النهار مع أقرانه تنتظرهم واجبات أخرى.
قديما كانت ملاعب كرة القدم، ودوريات الناشئين تجذب هؤلاءالفتية، ولقد تراجعت الحياة الحضرية اليوم مع تغيرات عدة عوامل، مثل الهجرة والعطالة والاكتظاظ السكاني في العاصمة؛ فصار المثال هو أن يحقق الشاب شهرة في الميديا، مع بطولة وصيت، يحقق كسب سريع، كيف لا ونجوم المجتمع اليوم هم شباب وبنات حققوا شهرة وكسبا سريعا عاليا لمجرد أنهم صاروا مشهورين لأي سبب تافه، شخصيات مثل (القونات) (أصحاب الصفحات العامة الشهيرة) نماذج تافهة مثل آية آفرو أو حسن تسريحة أو خديجة أمريكا، وغيرهم كثير مع مئات الآلاف من المعجبين والمتابعين. يجب أن ننتبه للأثر الكبير للسوشيال ميديا على حياتنا، تشكيلها لوعينا وطريقة نظرنا للأشياء.
الميديا ليست مجرد وسيط ناقل بل هي شرط يصنع وعي محدد ملازم له، وحين نفكر في كل ما سبق سنعلم جيدا أثر الميديا على السياسة والمجتمع.
المثقف المسؤول والسياسي الوطني صاحب القضية عليه أن ينتبه لهذا الأثر، ويسعى مع غيره لإصلاح السياسة والدولة بما يفوق شروط وعي الميديا، وعليه التفكير في حلول عملية للسلطة والسياسات الاجتماعية التي من شأنها خلق فضاء إنساني حضري بديل لهذه الاتجاهات السلبية.
______________ بعض الناشطين السياسيين يتفاخرون بعدد المتابعين لصفحاتهم كدليل على سلامة مواقفهم، هذا شيء مؤسف ومضحك في ذات الوقت لأنه يؤكد أن ظاهرة الناشطين الحالية هي ظاهرة سوشيال ميديا في الأساس.