الطاهر ساتي يكتب: (التأليم المجاني)
:: بينما تشغل التسوية السياسية الناس والإعلام، فالمدارس الحكومية ترهق الأًسر بالرسوم المسماة بالمساهمة.. وعلى سبيل المثال، بالنيل الأبيض، أصدرت لجنة المعلمين بياناً رافضاً لفرض الرسوم على الطالب النظامي، وهي تتراوح ما بين (20/30 ألف جنيه)، تُجمع شهرياً لتسيير المدارس.. فالمبلغ ليس بالقليل، وخاصة للأسر ذات الطالبين – أو أكثر- في مرحلة الأساس.. وما يحدث بالنيل الأبيض، يحدث بكل السودان..!!
:: والجدير بالانتباه، مع بداية العام الدراسي، تطالب وزارة التعليم المدارس الالتزام بمجانية التعليم.. وكذلك كل الولاة، وجهوا – أو سيوجهون – مديري التعليم بولاياتهم بعدم فرض الرسوم والالتزام بقرار مجانية التعليم، ولكن سيبقى هذا التوجيه من الآمال المرجوة، لأن مجانية التعليم بحاجة إلى نهضة تشمل كل مناحي الحياة، بما فيها السياسية والاقتصادية..!!
:: وليس اليوم فقط، بل في النظام المخلوع أيضاً، كانوا يوجهون المدارس بعدم فرض الرسوم على الطلاب.. وكانوا يتحدثون عن مجانية التعليم ويرفعونها شعاراً، ولكن – في الواقع – كان المواطن هو المنفذ لبرنامج مجانية التعليم.. فالتأليم هو المجان في بلادنا، وليس التعليم.. واليوم ما لم يتم تأهيل البنية التحتية للتعليم، وتوفير كل النواقص بالمدارس، فإن الحديث عن مجانية التعليم سيظل مجرد توجيهات وأحلام..!!
:: وليت كل الولاة، قبل التوجيه بعدم فرض الرسوم على الطلاب، سألوا المسؤولين عن نواقص المدارس والمدرسين بالمحليات.. هم يعلمون بأن المحليات هي المسؤولة عن تعليم الأساس في السودان، وأن كل المحليات – إما لضعف الموارد أو لسوء إدارة الموارد – عاجزة عن أداء واجبها (كما يجب)، أي بحيث يتحقق حلم مجانية وإلزامية التعليم على أرض الواقع.. فالرهان على المحليات – في تحقيق حلم المجانية – رهان خاسر..!!
:: ولحين إصلاح البنية التحتية للتعليم، وتوفير نواقص المدارس، سيتواصل إرهاق الأسر بالرسوم تحت مسمى (المساهمة).. وحتى نهاية العام الدراسي، ستطلب إدارات المدارس أولياء الأمور المساهمة بدعم الخدمات وحوافز المعلمين وغيره من بنود الصرف.. وللتحايل على التوجيه بمجانية التعليم، تبتكر إدارات المدارس صناعة وسائل تحصيل الرسوم المسماة بالمساهمة..!!
:: ولولا هذه الرسوم – المسماة بالمساهمة – لما استطاعت المدارس تسيير أيام العام الدراسي.. بمعنى، عندما تطلب المدارس من أولياء الأمور المساهمة في دعم الخدمات وحوافز المعلمين وغيره من بنود الصرف التي يجب أن تتحملها الحكومة، فهي لا تفعل ذلك طمعاً في أموال الناس ولا بحثاً عن الثراء، بل لتسيير أيام العام الدراسي بلا انقطاع.. وكذلك مكرهون أولياء الأمر على دفع المساهمات..!!
:: (إذا أردت أن تطاع فأْمر بما يستطاع)، هذا ما يجب أن يتذكره من يأمرون المدارس بمجانية التعليم.. ولكي يصبح التعليم مجاناً – أو بأقل التكاليف – يجب إصلاح القوانين، بحيث تكون الجهة المسؤولة عن مرحلة الأساس هي كل مستويات الدولة، أي المركزية والولائية والمحلية، ثم المجتمع عبر مجالس الآباء.. وليس من المنطق أن نرهن أهم مراحل التعليم للمحليات فقط، ثم نحذرها (إياك إياك أن تبتل بالماء)..!!