تحديات في المشهد الاقتصادي.. المشاكل الآنية و المعالجات الممكنة
منذ بضع سنوات خلت، ولا يزال الاقتصاد القومي محاصراً بمشاكل عديدة، ومن بينها التآكل الاقتصادي الذي يفرضه التضخم الجامح، وإلى ذلك تزايد البطالة وتزايد نسب الفقر، في وقت لم تقدم فيه أي مشاريع اقتصادية لتساهم في نهضة الاقتصاد، سيما التقدم فقط من أجل الوصول إلى السلطة والثروة، هذا ما تعانيه البلاد منذ عقود وإلى اليوم.
السلطة والثروة
بينما تفسر الباحثة الاقتصادية والأكاديمية، دلال عبد العال، المشهد الاقتصادي العام في السودان ومفهومه من منظور علمي، وترى أن زيادة معدلات التضخم الذي أفرز تزايد البطالة وتزايد الفقر وتعدد أشكاله، أبانت أن مردها إلى انعدام السياسات الاقتصادية الرشيدة، وترى أن كل المتغيرات الاقتصادية مرتبطة مع بعضها البعض، ووصفت هذه السياسات بالقطار الذي لا يعرف له جهته، وللخروج من هذه الأزمة شددت على ضرورة استغلال الموارد الزراعية والحيوانية والمعدنية وغيرها باستغلال أمثل يلبي احتياجات المواطنين، مستشهدة بدولة رواندا التي بدأت بمشاريع سياحية صغيرة، ولفتت إلى سلوك الفرد داخل المجتمع ومدى انعكاس هذا السلوك على التطور الاقتصادي، وأضافت أن كل الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان لم تقدم مشاريع اقتصادية ضخمة تساهم في النهضة الاقتصادية؛ بل كان هم هذه الحكومات يتوقف على الصراع على السلطة والثروة فقط، وذهبت إلى أن فقدان هذه المشروعات الاقتصادية أدى إلى زيادة البطالة وزيادة الهجرة إلى خارج البلاد في السنوات الأخيرة.
متغيرات أساسية في ما يتعلق بالتضخم قالت د. دلال هو الزيادة في أسعار السلع، وبالتالي أن التضخم كمصطلح اقتصادي هو مقياس لمستوى معيشة السكان، مشككة في تصريحات سابقة حول انخفاض التضخم من قبل الجهاز المركزي للإحصاء، معتبرة أن هذا غير صحيح، وقالت إن الانخفاض كان فقط في الكميات وليس في الأسعار، وحددت أربعة متغيرات أساسية ذات صلة مباشرة بالتضخم، متمثلة في السياسات الاقتصادية، قائلة: إن السودان يفتقر للسياسات المتعلقة بالاستثمار والتنمية والانفتاح على الخارج، وبالتالي تنشيط المشروعات الاقتصادية وبناء مشروعات جديدة، بجانب الأزمات الاقتصادية الأمر الذي أدى إلى زيادة البطالة والفقر والجهل، بالإضافة إلى شكل القطاعات والتي وصفتها بالفقيرة جداً، وتعتقد أن الحكومات الماضية أهملت القطاع الزراعي، بالرغم من أهميته الكبيرة في دفع عجلة الإنتاج، بجانب الفاعلين وهي الرأسمالية الوطنية.
التنمية الريفية
وقالت د.دلال إن المنظومة الأمنية هي من أكثر المنظومات التي سيطرت على الاقتصاد السوداني، مشيرة إلى كميات الذهب الصادر والوارد، وأكدت أن هذه المنظومة تمددت في خلال ال15 سنة الماضية، وأكدت أن السياسات والتشريعات وآلية إدارة هذه السياسات تعد من أكثر المشاكل التي تواجه الاقتصاد، هذا إلى جانب انعدام التنمية الريفية الموازنة؛ الأمر الذي أدى إلى قيام الحروبات الأهلية والنزوح إلى المركز، وأشارت إلى أن هذه المشاكل أدخلت أكثر من 95% من سكان السودان في خط الفقر.
مؤتمر اقتصادي ودعت د. دلال للخروج من هذه الأزمات؛ إلى قيام مؤتمر اقتصادي جامع مبني على سياسات اقتصادية واضحة، وكذلك استنفار كافة الموارد البشرية والزراعية والمائية وغيرها، هذا إلى جانب وجود حكومة وطنية مستقلة، مشيرة إلى أن السودان تحاصره تحديات اقتصادية كبيرة، وقالت إن منظومات اقتصاديات جميع دول العالم توحدت في السنوات السابقة.
سياسات فاشلة
وينظر المحلل الاقتصادي الدكتور، وائل فهمي البدوي، إلى مفهوم التآكل الاقتصادي ومسبباته، قائلاً : التآكل الاقتصادي مستمر بسبب التضخم الجامح في السودان، وأشار إلى المسببات التي أدت إلى ارتفاع نسب التضخم مؤخراً، قال إن هناك أكثر من 15 شركة خرجت من سوق النقل، الأمر الذي زاد من ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بصورة لافتة، وأوضح أن التضخم ليس هو ارتفاع الأسعار وإنما التضخم هو في الأساس الزيادة في الأسعار، ونوه إلى أن السياسات الاقتصادية التي لا تؤدي إلى حل مشكلة الندرة والغلاء معاً هي سياسات اقتصادية فاشلة.
طفرات تنموية
و يرى د. وائل أن تطبيق سياسات البنك الدولي التي اعترف بها بنك السودان؛ بأن هذه السياسة تعامل الاقتصاد كشركة، وألمح إلى أن سياسة البنك الدولي تسعى إلى تحويل القطاع الاقتصادي العام إلى قطاع خاص، وذكر أن الدول التي تقدمت اقتصادياً وأحدثت طفرات تنموية في اقتصادياتها وجدت حكومات أوفت بكل الالتزامات التي أرادها الشعب مع توفير قدر كاف من الحرية، وأشار إلى أن اتباع سياسة اقتصادية محايدة ينبغي بالضرورة أن تنتهجها السياسات الاقتصادية السودانية، داعياً إلى ترشيد وضبط الصرف الكلي ومن ثم القضاء على الطفيليين، وأعرب عن أمله في أن ترى هذه الحلول ما يمكن تطبيقه؛ بحيث أن تؤدي إلى استقرار عام في الميزان التجاري.