مصر تحشد دعما دوليا لـ”سد النهضة” وعينها على مؤتمر “المناخ”
جدد انعقاد “أسبوع القاهرة للمياه” الحديث حول تسوية أزمة سد النهضة بعد مرور نحو عامين على توقف المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا برعاية الاتحاد الأفريقي ومشاركة مراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إذ تكرر على لسان المسؤولين المصرين تأكيد تصميم القاهرة على “تسوية قضية سد النهضة تسوية عادلة” تحقق مصالح البلدان الثلاثة وتمنع عن مصر “أي ضرر جسيم” على حصتها التاريخية من مياه النيل جراء المشروع الإثيوبي الضخم الذي بنته أديس أبابا على النيل الأزرق الرافد الرئيس لنهر النيل، وسط قلق سوداني متنام من تأثير التدفق المتغير للمياه على سدوده وأمنه المائي أيضاً.
وكشف سفير الاتحاد الأوروبي لدى القاهرة كريستيان برغر لـ”اندبندنت عربية” عن بذل الاتحاد جهوداً لتشجيع أطراف الأزمة على الجلوس معاً مجدداً لاستئناف عملية التفاوض للوصول إلى اتفاق في شأن السد الإثيوبي تحت مظلة الرعاية الأفريقية القائمة للمفاوضات، مؤكداً استعداد بروكسل لتقديم كل ما يلزم من دعم تقني ومالي أيضاً إذا لزم الأمر، من أجل تشجيع مصر والسودان وإثيوبيا على التوصل إلى تسوية للخلاف المستمر منذ عقد من الزمن، بعد وصول المفاوضات إلى طريق مسدود منذ أبريل (نيسان) العام الماضي 2021.
“أسبوع القاهرة للمياه”
اختتمت مصر مؤتمرها الدولي السنوي حول قضية المياه “أسبوع القاهرة للمياه” الأربعاء الماضي، حيث جاءت النسخة الخامسة من المنتدى تحت شعار “المياه في قلب العمل المناخي”، وذلك قبل أقل من شهر على انطلاق قمة المناخ، حيث أكدت وزارة الري والموارد المائية المصرية أن فعاليات الحدث تمحورت حول قضية التغيرات المناخية وعلاقتها بالمياه، ودعم مبادرة مصر للتكيف مع التغيرات المناخية في قطاع المياه التي ستطلقها ضمن فعاليات الدورة الـ27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ “كوب 27” في شرم الشيخ نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال كلمته الافتتاحية بأسبوع القاهرة للمياه، إن بلاده تبذل أقصى جهودها لتسوية قضية سد النهضة على النحو الذي يحقق مصالح جميع الأطراف، و”تدعو المجتمع الدولي لتعظيم وتضافر الجهود من أجل تحقيق هذا الهدف العادل”، مشيراً إلى أن رؤية بلاده في شأن التعامل مع نهر النيل تقوم على “العمل والتعاون المشترك بغرض تكريس وتقاسم الازدهار بدلاً من التنافس والتناحر الذي يؤدي إلى تقاسم الفقر وعدم الاستقرار”.
ولفت السيسي إلى أن مصر “هي الدولة الأكثر جفافاً في العالم، وتعتمد على نهر النيل بشكل شبه حصري لمواردها المائية المتجددة يذهب معظمها إلى قطاع الزراعة، مصدر الرزق لأكثر من 60 مليون من البشر هم نصف سكان مصر”، مؤكداً “عجز موارد مصر المائية عن تلبية حاجات سكانها، على رغم من اتباع سياسة ترشيد الاستهلاك”.
وعلى هامش مشاركته في أسبوع القاهرة للمياه، قال سفير الاتحاد الأوروبي لـ”اندبندنت عربية”، في شأن دور الاتحاد في دعم جهود تسوية أزمة سد النهضة، “نتابع هذه المباحثات عن كثب ولدينا مراقبينا في هذه المفاوضات وممثلينا من خلال مبعوث الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي والسودان أنيت ويبر، ولذلك كل مواقفنا تسعى إلى الوصول إلى اتفاق بين الأطراف الثلاثة، يمكننا أيضاً تقديم التمويل الضروري لدعم المفاوضات، ولكن الأطراف في حاجة إلى استئنافها والجلوس معاً”.
أوضح برغر أن الدور المحوري في رعاية عملية التفاوض يتولاه الاتحاد الأفريقي وليس الأوروبي. وأكد أن “الاتحاد الأفريقي، هو الذي يقود تنظيم هذه المباحثات وتسييرها، وسندعمه للقيام بذلك”. وأشار إلى أن المياه ومشكلاتها ستحظى لأول مرة بأولوية على جدول أعمال الدورة الـ27 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ في شرم الشيخ.
تنافس حول الدعم الدولي
من جانبها، طرحت مصر قضيتها مجدداً في أروقة الأمم المتحدة خلال اجتماعات الجمعية العامة أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال كلمة بلاده في نيويورك، “ضرورة التوصل دون تأخير أو مماطلة إلى اتفاق قانوني ملزم في شأن ملء وتشغيل سد النهضة وفقاً لإعلان المبادئ الموقع في 2015”.
وتعول مصر في هذا الصدد على حشد دعم المجتمع الدولي لتحريك الملف، لا سيما مع استضافتها للمؤتمر العالمي للمناخ، واستناداً إلى بيان مجلس الأمن الأول من نوعه فيما يخص نزاعات المياه والصادر في سبتمبر من العام الماضي، ويحث البلدان الثلاثة على استئناف المفاوضات و”وضع صيغة نهائية لاتفاق مقبول وملزم للأطراف، وعلى وجه السرعة، في شأن ملء وتشغيل سد النهضة، ضمن إطار زمني معقول”، بينما تصر إثيوبيا على مبدأ “الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية” ليتولى الاتحاد الأفريقي ومقره أديس أبابا القضية حصرا، على رغم تعثر الجولات التفاوضية التي عقدت على مدى عامين تحت رعايته.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقبيل انعقاد منتدى “أسبوع القاهرة للمياه”، استضافت مدينة بحر دار شمال غربي إثيوبيا منتدى “تانا حول السلم والأمن في أفريقيا” منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بمشاركة رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان وحضور وزير الخارجية المكلف علي الصادق ومدير جهاز الاستخبارات الفريق أحمد إبراهيم، حيث أكد البرهان عقب لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد “أنه من الممكن التوصل لاتفاق في شأن القضايا الفنية للسد”، فيما قال أحمد إن “مشروع سد النهضة سيعود بفوائد كبيرة على السودان، ولن يكون خصماً عليه”، وذلك في أول لقاء يجمعهما منذ الاشتباكات الحدودية الأخيرة بين البلدين، وعقد المنتدى الذي يشتق اسمه من بحيرة تانا منبع النيل الأزرق، في عاصمة إقليم أمهرة الذي شهد التوترات الحدودية بين الجانبين، في دلالة لم تكن خافية على المراقبين.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي السوداني عمار العركي أن رئيس الوزراء الإثيوبي يحاول تخفيف حدة الملفات الضاغطة على حكومته وعلى رأسها قضية السد والحرب في إقليم تيغراي والتوترات الحدودية مع السودان وغيرها، بالتالي يسعى مجدداً إلى احتواء التوتر مع مصر والسودان، وبخاصة أعقاب الملء الثالث لبحيرة السد الإثيوبي، معتبراً أن السودان ومصر متمسكتان بموقفهما من الوصول إلى اتفاق ويحشدان الدعم الدولي لموقفهما، بينما الرهان الإثيوبي لا يزال يدور حول إبقاء الملف داخل أروقة الاتحاد الأفريقي، فيما ترى القاهرة والخرطوم أن الاتحاد ليس لديه ما يقدمه منذ توقف المفاوضات.
وعلى رغم أن لقاء البرهان رئيس الوزراء الإثيوبي أثار مخاوف البعض من سعي أديس أبابا إلى إبرام اتفاق منفرد مع السودان يعالج شواغله المائية، فإن انعقاد اجتماع الهيئة الفنية المشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان في الخرطوم بعد توقف دام أربع سنوات، وتزامناً مع “منتدى تانا” بدد هذه المخاوف، حيث أكد البلدان التزامهما باتفاقية 1959 التي تقتضي تنسيق المواقف في شأن المشروعات المائية التي تقام في دول حوض النيل خارج حدود البلدين.
مؤتمر المناخ… هل هو فرصة للحل؟
بينما أكد عديد من زعماء العالم مشاركتهم في قمة المناخ بمدينة شرم الشيخ المصرية تسعى القاهرة إلى وضع قضية المياه في صدارة الأجندة الدولية ليس فقط خلال مؤتمر المناخ، ولكن أيضاً مع بدء الإعداد لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه في نيويورك خلال مارس (آذار) المقبل، وسيكون أول مؤتمر للأمم المتحدة حول المياه منذ عام 1977.
وخلال لقاء لويك فوشون رئيس المجلس العالمى للمياه بوزير الخارجية المصري على هامش مشاركته في “أسبوع القاهرة للمياه”، دعا فوشون إلى وضع قضايا المياه على أولويات مؤتمر المناخ القادم، فيما أكد الوزير المصري أن الرئاسة المصرية لمؤتمر المناخ قامت بالفعل بجهد كبير في هذا الإطار، و”خصصت فعاليات متعددة خلال المؤتمر لهذا الغرض إدراكاً منها للأهمية الكبرى لقضية المياه وارتباطها بحياة الشعوب واستقرار المجتمعات”، بحسب بيان صادر عن الخارجية المصرية.
وبدوره، قال مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية سابقاً السفير علي الحفني في تصريح خاص، إن قضية المياه وتأثيرات تغير المناخ في وفرة المياه بمناطق مختلفة من العالم هي مسألة مطروحة بشدة في المحافل الدولية المختلفة، خصوصاً في المنطقة العربية والأفريقية، وهذا الموضوع سيطرح نفسه بشدة في فعاليات مؤتمر المناخ، وستجني مصر من ذلك لفت الأنظار وشد الانتباه العالمي وحشد دعم المجتمع الدولي للدفع بحل هذه القضية، ومواجهة هذا التحدي الذي يمكن أن يتفاقم ويهدد الاستقرار بالمنطقة إذا لم يجد الحل، مضيفاً “من الممكن أن يوفر المؤتمر أيضاً فرصة للقاء زعماء الدول الثلاث، ودفع جهود تسوية الأزمة، خصوصاً أن مناطق مختلفة من العالم تواجه خطراً داهما فيما يتعلق بشح المياه كنتيجة للتغير المناخي”.