عودة الهدوء إلى إقليم النيل الأزرق في السودان
أعلن الجيش السوداني هدوء الأوضاع في إقليم النيل الأزرق المضطرب، بما يمكّنه من الشروع في معالجات جذرية لأسباب العنف الذي شهده الإقليم وتسبب بإزهاق أرواح المئات وتشريد عشرات الآلاف خلال الأسابيع والأشهر الماضية.
وقُتل أكثر من 200 شخص وجُرح المئات وتم تشريد ونزوح 70 ألف شخص، بحسب الأمم المتحدة، من الهاربين من القتال «الأهلي» المستمر في إقليم النيل الأزرق، جنوب شرقي السودان، منذ أشهر، الذي تصاعد بشكل خطير الأسبوعين الماضيين، مهدداً بخروج الأوضاع عن السيطرة، الأمر الذي اضطر قيادة الجيش إلى تكليف ضابط برتبة لواء قائداً لمنطقة العمليات هناك، في محاولة منه للسيطرة على الأوضاع واستعادة الأمن في الإقليم المضطرب.
وقال الجيش السوداني، في نشرة صحافية على حسابه الرسمي على «فيسبوك»، أمس، إن نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة للعمليات الفريق ركن خالد عابدين الشامي، يرافقه مساعد المدير العام لقوات الشرطة صديق عبد الله عبد القادر، وأعضاء من مجلس الأمن والدفاع، تفقدوا جرحى ومصابي الأحداث في المستشفيات، بحضور قائد المنطقة العسكرية الجديد اللواء ربيع عبد الله آدم.
وترجع جذور النزاع في الإقليم إلى الصراع حول ملكية الأرض والسلطة الأهلية، اندلع أول مرة بين مجموعتي «هوسا» و«انقسنا»، عندما قررت السلطات منح «هوسا» إدارة أهلية يطلق عليها «نظارة»، وهو ما رفضته المجموعة الأخرى التي تزعم أن التقاليد المحلية تربط بين الإدارة الأهلية وملكية الأرض، وأن المجموعة الأخرى وافدة، وذلك على الرغم من استيطانها هناك لأكثر من مائة عام.
وأسهمت عوامل سياسية وعسكرية وأمنية في تضخم النزاع. فمن جهة تبودلت اتهامات بضلوع «عسكريين» موالين للجيش السوداني ولقوات الدعم السريع لصالح طرف في الصراع، مقابل تدخل القوات التابعة لـ«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة عضو مجلس السيادة مالك عقار لصالح الطرف الآخر.
وأوضح الجيش السوداني أن وفده إلى الإقليم تلقى شرحاً عن سير علاج المصابين في النزاع، وتقديم الرعاية الطبية لهم، ونقل الحالات الخطرة إلى مراكز طبية خارج الإقليم عبر الطيران.
وتطورت الأحداث في الإقليم، الجمعة والسبت الماضيين، ما اضطر مجلس السيادة وحاكم الإقليم إلى إعلان «حالة الطوارئ» لمدة شهر في الإقليم، وفوّض بموجبه القوات النظامية للقيام بكل «ما يلزم» لاستعادة الأمن. فيما أحرق متظاهرون مبنى الحكومة الإقليمية، مطالبين بإقالة حاكم الإقليم أحمد العمدة الذي حصل على منصبه وفقاً لاتفاقية سلام جوبا.
وشهدت مدينة الدمازين، حاضرة الإقليم، اقتحام مواطنين غاضبين لمقر القيادة العسكرية في الإقليم، فيما احتمى فارّون من النزاع بمقار الجيش. ونقل عن الناطق الرسمي باسم الجيش أن آخرون نهبوا أسلحة من أحد مستودعات الجيش.
وذكر الجيش، في البيان، أن مجلس الأمن والدفاع القومي كوّن «غرفة عمليات» مشتركة بين القوات النظامية كافة، لإدارة الأزمة ومتابعة تداعيات الأوضاع الأمنية. وقال إن اللجنة أسهمت في عودة الهدوء والاستقرار بمحافظات النيل الأزرق، ووفرت الحماية للمدنيين من المخاطر كافة، واتخذت تدابير إدارية ولوجستية لتأمين الحركة والسفر والتنقل، واستعادة المرافق الحيوية التي تعطلت بسبب النزاع لنشاطها.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية، في وقت سابق، إلى خبراء أن تزايد حدة النزاعات الأهلية في السودان سببه الفراغ الأمني الذي أحدثه تدهور الأوضاع في البلاد، عقب انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) 2021.
وأطاح قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بشركائه المدنيين وأعلن حزمة إجراءات، من ضمنها تكوين حكومة انتقالية وإكمال مؤسسات الانتقال. بيد أنه وبسبب الضغوط المحلية والدولية، فشل في إنفاذ أي من وعوده، ما تسبب في فراغ سياسي وإداري مستمر منذ أكثر من عام ظلت خلاله البلاد بلا حكومة.