الآثار والمعالجات.. مهددات التعدين التقليدي للبيئة بنهر النيل

 

برزت في الآونة الأخيرة على السطح قضية الآثار المترتبة على التعدين التقليدي بولاية نهر النيل وبخاصة الاستخدام الخاطئ للمواد الكيميائية (الزئبق، السيانيد)، فإلي جانب انتفاض الأهل بمنطقة الفداء بمحلية أبو حمد ضد إحدى الشركات العاملة بالمنطقة، أظهرت عدد من الدراسات العلمية حجم المخاطر والمهددات التي تحيط بحياة المواطنين بمناطق التعدين بصورة أكبر وكشفت تلك الدراسات عن مستقبل كارثي ينتظر أهل الولاية بسبب هذه المواد الكيميائية، ويتركز التعدين التقليدي بصورة كثيفة بمحليات أبو حمد، بربر، وشرق محلية الدامر (مناطق شرق الأتبراوي).

وبحسب رصد سونا لعدد من المناشط التي نظمها المجلس الأعلى للبيئة بالولاية مؤخراً بدأت بمؤتمر صحفي تستعرض نتائج تلك الدراسات، أعقبه بندوة حظيت بحضور نوعي دشن من خلالها المجلس حملته التوعوية الواسعة للحد من الاستخدام الخاطئ للمواد الكيميائية في التعدين بشكل عام، وفي التقليدي بصورة خاصة.

انعقدت الندوة بنادي الشرطة بعطبرة بحضور والي الولاية محمد البدوي أبو قرون وعدد من القيادات الحكومية ومن المهتمين والإعلاميين. ووجه الوالي بإعداد خطة للحد من المخاطر المتوقعة جراء التعدين التقليدي يتم تمويلها الربع الأول من العام المقبل واشترط أن تحقق الخطة نتائج ملموسة عند التقييم، وكان الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة بالولاية خالد محي الدين حسن قد حدد خيارات الحكومة في خيارين: (أن يموت المواطنون، أو أن تتخذ الحكومة قرارات فورية وصارمة لوقف هذه المهددات).

جاء حديث الوالي وأمين المجلس بعد أن استعرضت الندوة ثلاث أوراق عمل كشفت عن معلومات مخيفة حول واقع الناس وجهلهم بمضار تلك السموم كانت الورقة الأولى مقدمة من اختصاصي حول أمراض الصدر الناتجة عن استخدامات هذه المواد، فيما تناولت الورقة الثانية واقع التعدين التقليدي والمواد الكيميائية من وجهة نظر الشركة السودانية للموارد المعدنية وجاءت الورقة الثالثة أشمل لتناولها الواقع والحلول من وجهة نظر المجلس الأعلى للبيئة بالولاية.

وكشف دكتور وليد حامد اختصاصي أمراض الصدرية بمستشفى الشعب من خلال ورقته أن مستشفى الشعب يستضيف في الشهر ما بين 10- 15 مريض في حاجة للأوكسجين بعد إصابتهم بحالات تليف كبيرة في الرئة، بعضهم يبقى بالمستشفى لستة أشهر في انتظار تركيب جهاز أوكسجين يصاحبهم مدى الحياة، لا يستطيع المريض التحرك لخمس خطوات بدونه، وسيبقى مدى حياته بلا إنتاج رغم أنه في عمر الإنتاج، مشيراً إلى أن كل الحالات التي ترد للمستشفى لشباب أعمارهم تتراوح ما بين 25 – 40 سنة، وأضاف بقوله: “المزعج أن الزئبق يصيب صغار السن بصورة كبيرة أكثر من كبار السن بحسب الحالات المترددة على المستشفى، مشيراً إلى أن كثيراً من الشباب بعمر 15 قد أصيبوا بالفشل الكلوي نتيجة التعامل مع هذه المواد الكيميائية الضارة، وأوضح وليد درجات الإصابة حسب المسافة بين المصاب والزئبق إلى جانب استعراضه طرق تسلل الزئبق لصدر الإنسان ودمه عبر الحريق والاستنشاق المباشر، المياه، والأسماك والغبار العالق، مبيناً أن الزئبق يتضخم عندما ينتقل من كائن لآخر إضافة إلى قدرته على اختراق جدار المشيمة والتسبب في الإجهاض أو تدهور وتشوهات الأجنة بفقدان البصر والسمع والكثير من المشاكل العصبية، وزاد أن التعرض للزئبق يسبب احمراراً في الكفين وراحة القدم والغثيان والاستفراغ والإحساس بطعم معدني بالإضافة للأمراض النفسية والعصبية مثل الانطوائية والعزلة الاجتماعية، وحذر من السيانيد بقوله: “السيانيد يصنف عالمياً سلاح إرهابي” لكونه الأكثر ضرراً وخطورة.

أحمد جابر مدير البيئة والسلامة بالشركة السودانية للموارد المعدنية بالولاية تحدث عن حجم مخلفات التعدين التقليدي وحذر من كميات (الكرتة) بمناطق جنوب بربر، مشيراً إلى الغبار الكثيف العالق بمناطق جنوب بربر بسبب النشاط الغير شرعي للمعدنين من الأهالي، مؤكداً أن ذلك الغبار ينتقل لمسافات بعيدة، مشدداً على أهمية التخلص من كميات (الكرتة) الموجودة بتلك المناطق بالمساكن والمزارع وحتى الغرف، مشيراً إلى أن تأخر التخلص من (الكرتة) يزيد حجم الخطر ويؤدي إلى تعقيد المشكلة، موضحاً نجاح السلطات في إزالة الغسالات والخلاطات بتلك المناطق بنسبة 90% إلا أنه أشار في نفس الوقت إلى صعوبة إحكام الرقابة على هذا النشاط لانتشاره وللمكاسب المادية السريعة التي تعود على المعدن، وزاد أن منطقة الدروة شمال شرق طواحين دار مالي التابعة للجيش تستضيف أحواضاً كبيرة يستخلص أصحابها الذهب بالسيانيد مطالباً بإيقاف العمل بتلك المنطقة ومن ثم البحث عن معالجة بتخصيص قطعة أرض للعمل فيها بطريقة رسمية، وقال: “الأمطار التي هطلت مؤخراً جرفت الكثير من الكرتة ونقلتها للنيل”. ونادى أحمد جابر بإدخال شركات خاصة لنقل الكرتة والتخلص منها فوراً، إلى جانب نقل الأحواض العشوائية بمنطقة الدروة وإيقاف العمل بتلك المنطقة فوراً، وطالب بعدم ربط العمل البيئي بالسياسات الموجودة (عدم تدخل السياسة في عمل البيئة)، وأكد أهمية إيقاف الامتدادات الحديثة بأسواق الطواحين في دار مالي، العبيدية وأبو حمد، فضلاً عن ضرورة تعاون الجميع للتخلص من المشكلة، وذلك بتكوين جسم للتدخل السريع وإزالة الخلاطات والكرتة بالتزامن مع تنظيم برامج مكثفة للتوعية بالمخاطر.

فيما وصف دكتور عصام محمد زين من المجلس الأعلى للبيئة بالولاية ما كان يجري بمناطق جنوب بربر قبل حملة إزالة الخلاطات بأنه فوضى كانت تحدث أمام مرأى من أعين الناس وقال: “إن التعدين بالمواد الكيميائية يسبب  106 من الأمراض” وأضاف: “نحن الولاية الأكثر تضرراً وسنورث الأجيال القادمة المزيد من الملوثات القاتلة، مشدداً على أهمية المعالجة الفورية لتلك المخلفات” وزاد: “سيذكر  التأريخ أننا سبب الكوارث وستلعننا الأجيال” وطالب بمراجعة دراسات الأثر البيئي على أن تكون هنالك قيمة مالية تدفعها الشركات لمعالجة البيئة والأضرار الناتجة عن التعدين إلى جانب أموال المسؤولية الاجتماعية، مشيراً في هذا الصدد إلى أن قيمة معالجة الأضرار معمول بها عالمياً، وشدد على أهمية وضع حلول جذرية لاستخلاص الذهب وذلك عبر استخدام الماكينات الفيزيائية.

وحذر من اللامبالاة التي يتعامل بها الناس مع المواد المحرمة دولياً، مشيراً إلى أن التعدين يتم بالأسواق الداخلية (عطبرة مثالاً) إلى جانب بيع المواد الكيميائية المحرمة دولياً بالأسواق السودانية من زئبق وسيانيد، منوهاً إلى وجود كميات مهولة ومتراكمة من الزئبق بالولاية، مشيراً إلى تاريخ بداية التعدين التقليدي بالولاية وحجم الكميات التي قد يكون تم استخدامها لهذا الغرض، وأكد أهمية توفر الإرادة السياسية والمجتمعية لإيقاف التدهور البيئي الذي تشهده أجزاء واسعة ومأهولة بالسكان بالولاية، وأشار إلى أن مجلس البيئة بالولاية استجلب معملاً حديثاً يمكنه تحديد النوعية والكمية والتوزيع الجغرافي للملوثات في فترة وجيزة وكشف عن عدد أربعة بحوث للدكتوراة تجري حالياً حول معالجة الكرتة والبدائل المتاحة للمواد الكيميائية.

وكشف أحمد النقر الأمين العام للهيئة الشعبية لتطوير منطقة العبيدية بمحلية بربر، عن ظهور أكثر من 200 حالة من السرطانات بالمنطقة مرصودة بالأسماء، منوهاً إلى أنهم خاطبوا عدداً من الجهات بالإضافة إلى إجراء عدد من الدراسات من بينها دراسة قادتها جامعة النيلين، وعقد وفدها على أثر تلك النتائج مؤتمراً ناقش من خلاله الموقف، وقال: توفي أكثر من 60 شخصاً في الآونة الأخيرة بالسرطانات من جملة 70 من المرضى من قرى القيزان، النمر، النفافير والفريخة، معلناً أن العبيدية تضم أكثر من 12 قرية يحتاج حصر المستجدات فيها إلى متابعة إلا أنه أكد انتشار المرض بصورة كبيرة بالمنطقة.

في المؤتمر الصحفي الذي عقده المجلس الأعلى للبيئة مؤخراً كشف عن نسبة كبيرة للزئبق في دماء العينات التي تم فحصها إلى جانب تبخر الزئبق وانتشاره وتجمعه بالأماكن الرطبة وجرف السيول (للكرتة) للمناطق السكنية ولنهر النيل وتوقعت الدراسة أن الوضع البيئي اذا استمر بدون تدخل سريع ومعالجات سيجعل من الولاية غير صالحة للحياة.

مجموعة من المسارات الواجب اتباعها للوصول لنتائج تمكن من إيقاف التدهور البيئي بالولاية أهمها ما أعلنه المجلس الأعلى للبيئة بالولاية بالتضامن مع الجهات ذات الصلة لقيادة حملة توعوية واسعة لتنوير المواطنين والمعدنين بمخاطر استخدام المواد الكيميائية على أنفسهم وعلى مناطقهم وعلى المجتمع كخطوة أولى لمحاصرة التدهور البيئي الناتج عن التعدين.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...