عبد الحفيظ مريود يكتب: هل لاحظت أن جارك مولع بزوجتك؟
بدون زعل
كل شيء في السودان قنبلة موقوتة، قابلة للانفجار: القبيلة، الدين، الجهة، ملكية الأرض، نظام الحكم، الثقافة، كرة القدم، الأحزاب السياسية.. والسوداني – مطلقاً – طفل موتور، مستثار.. صبي غشيم، يمكنك أن تدعوه إلى العراك، تحت أي ظرف، فيقبل التحدي.. ذلك أن (العالم)، بالنسبة إليه، (اختبار للرجالة)..
شايف كيف؟
ومنذ أن غاب “الراجل الكبير” عن الشارع، ذاك الذي يأمرك، فتأتمر.. يزجرك، فتزدجر.. يضربك، فتعتبر.. دون أن تسأل نفسك: من هو وما علاقته بي؟ كما يرسم صديقنا المهندس نعيم علي، رد الله غربته، تلك اللوحة الباهرة، منذ أن اختفى ذلك الرجل، صار بإمكاننا أن نملأ دار المايقوما أطفالاً خلاسيين، ثم ننشئ منظمات “طوعية” للعناية بهم. صار بإمكاننا أن ننزلك عن سيارتك، ثم ننهبك، ونحن نحمل سواطيرنا، ونغني أغنيات للوطن.. صار بإمكان صبية في الأساس أن يمنعوا رتلاً من السيارات أن تمر، لأن الطريق مترس، “باسم الثوار”.. دون أن نعيد النظر في علاقات أفعالنا الراهنة، بالتي تليها.. أو بالخواتيم.. ذلك أن للفعل علاقاته بالأفعال التالية وبالعواقب..”فبما نقضهم ميثاقهم: لعناهم، وجعلنا قلوبهم قاسية، يحرفون الكلم عن مواضعه”.. “ففسقوا فيها، فحق عليها القول..”، وغيرها من السلاسل المتينة للعلة والمعلول..
شايف كيف؟
آبي أحمد يتوسط لينقذ حوار الحرية والتغيير مع المجلس العسكرى. ويحضر بنفسه لحظة الاحتفال والتوقيع علي الوثيقة الدستورية، بقاعة الصداقة..لكنه لن يقوم بزيارات كثيفة، كما كان يفعل ميليس أو ديسالين. ثمة الكثير يمكن لإثيوبيا أن تنجزه في ظل الانتقال المتطاول، كليل العاشقين، كما قال المتنبئ. الملفات على الطاولة بين البلدين، لن يضطر أحد للنظر فيها، على الأقل، الآن.. فالسودان تشغله تجاذباته الباترة، ولن يفيق قريباً.
في هذا الوضع، يمكن لإثيوبيا أن تستقطب استثمارات خليجية بمليارات الدولارات، كان يمكن أن تتجه إلى السودان.. كما يمكن لإثيوبيا أن تعيد تصدير السمسم السوداني المهرب إليها، الصمغ العربي، وغيره. ذلك فضلاً عن ملفات سيكون مفيداً لو أن السودان ظل في سكرته، هذه.
شايف كيف؟
الشقيقة مصر تغرق في الديون. لا تتعظ، أبداً.. حتى لتقترب من الوقوع في الحفرة التأريخية المذلة، حين كانت تحت الانتداب الأوربي، تحركها السفارات. وصلت ديونها اليوم ١٦٦ مليار دولار. في ظل عجز مضطرد. لا تملك مصر موارد يمكنها أن تنتشلها من الغرق. عملت – مثل إثيوبيا – على إحداث نهضة شكلانية باهرة، فيما يظل العمود الفقري يعاني من غضروف مزمن يعجز الأطباء. وفي الوقت الذي وضعتها فيه إثيوبيا عاجزة، تماماً، بالمضي قدماً في موضوع سد النهضة، ودعكت عجرفتها بالتراب، تفقد مصر – باستمرار – دورها الريادي، عربياً.. صارت تابعاً ذليلاً للخليج، الذي أصبح هو الآخر وكيلاً بائساً لإسرائيل، بلا مواربة.
تنظر الشقيقة مصر، وهي تتلمظ، للثروات العظيمة جنوبها.. الزراعية، المعدنية، النفطية الواعدة، وغيرها.. سيكون – استراتيجياً – عدم استقرار السودان هدفاً لها، بل هدفاً أول. ذلك أنه في وضع اللادولة، أو (الدولة العاجزة)، ستكون هي المنفذ والمستفيد الأول من الثروات والصادرات، وبالتالي، ستعمل على استدامة التجاذب..
شايف كيف؟
لن يخرج من بيت السفير السعودي، رغم الاجتماعات الكثيفة بالقوى السياسية، والانخراط في الرباعية والخماسية وغيرها، عمل مؤسس للمساعدة في إنهاء الوضع السوداني، أو إلقاء قارب للنجاة.. السعودية والإمارات تعملان على تعقيد المشهد، لإطالة الفشل السوداني. التناقضات الحادة تساعد – وحدها – عمل دبلوماسية ومخابرات البلدين. وحين كان في مقدورهما تقديم ما يلزم لمساعدة حكومة حمدوك في إنجاز أساس الانتقال، دفنتا أدوات البناء.. سيكون إلقاء مزيد من الحطب في النيران المشتعلة بين المدنيين والعسكريين مهمة سهلة.. وبين المدنيين أنفسهم، وهم في الأصل في غنى عن الحطب..على الأقل تستطيع المنظومة العسكرية أن تتلافى الصدام الداخلي بينها، بسبب تكوينها ونظامها الهرمي..
تتلخص محاذير الخليج (السعودية والإمارات)، في مبدأ توطين واستدامة الديمقراطية في السودان، لا العكس.. وإذا كانتا قد حسمتا احتمال العدوى الداخلية، وهو بعيد، نسبياً من السودان، باعتباره لم يكن ملهماً لشعوب الخليج، أو ذا تأثير مباشر عليها، فإنهما ستعملان ضد ذلك المبدأ انطلاقاً من مصالح كفيلهما، ذلك أن استقرار الوضع الديمقراطي، سيجلب – عاجلاً أم آجلاً – حكومة قوية، ومؤسسات قد يسفر قرارها عن تقويض مصالح الكفيل.
شايف كيف؟
لماذا لا ننجز الانتقال؟
لأن هناك غياباً كاملاً للرؤية الشاملة المحيطة. لسنا وحيدين في بلادنا. ثمة جيران يسترقون السمع، يضعون مخططات – بناء على السمع ذاك – لتشتد خلافات البيت. أحدهم أو بعضهم، أو جميعهم يطمعون في الزوجة، في البنات، في الأثاث، ولن تتحقق المطامع هذه، إلا إذا استمر الخلاف واستعر..
لن تكون هناك مؤسسات وهياكل حكم انتقالي. على الأقل، خلال السنوات الخمس القادمة.. ولن تجرى انتخابات. وبالتالي لن نحصل على حكومة تنفيذية، برلمان منتخب، وجيش موحد قوي.. لن تترسخ أقدام الديمقراطية واحترام الآخر، والمنافحة عن الحقوق، وبناء دولة القانون.. لن يتعلم (الجيل الراكب راس) أبجديات العمل الديمقراطي.. سيشيخ وهو يطارد مدرعات الشرطة، ويتهيأ لـ” مليونية” في ذيل أخرى.. وستتكاثر المليونيات من جميع الأطياف والأصناف.. لأننا نظن أننا أكثر من الآخرين مالاً، وأعز نفراً.. سنخوض انتخاباتنا في الشوارع.. و(الشوارع لا تخون)، بالطبع..
يخطئ الظن، إذ يتصور أن المعركة الراهنة هي ضد العسكر.. ثمة معركة ضد العسكر، لا شك في ذلك.. ولكنها ليست اليوم.. لماذا؟
لأن عجز المدنيين عن استيعاب الوضع هو الذي يطيل أمد المعركة ضد العسكريين، ويجعلها لا نهائية.. النظر إلى الميدان المدني: حزب الأمة أكثر من خمسة أحزاب.. الاتحادي يقارب ذلك العدد.. الإسلاميون كذلك.. البعثيون حزبان قابلان للتشظي.. الشيوعي لم يتشظّ (لا يمكن احتساب حركة حق انشقاق عنه).. ولكن يتآكل – مثل جواليص أمدرمان القديمة – بالفصل والاستقالات.. الحركات المسلحة تتشظى يومياً.. الطرق الصوفية يكفيك أن تذهب جولة في ميدان المولد لتحسب كم طريقة عزمية، سمانية، مكاشفية، عركية، الخ…
ذلك عجز فادح عن إدارة الخلاف، وليس الاختلاف.. كساح عن تحريك وفاق ينتظم الجسد الواحد.. هل تحتاج أجهزة المخابرات القريبة والبعيدة، لجهد كبير كي تعرقل أي شيء، إن احتاجت إلى عرقلته، بالأساس؟
ننجز – ببراعة ومهنية عالية – أشغال الأعداء، مجاناً… فتأمل، أعزك الله.