الميرغني في الخرطوم.. تفاقم الأزمة يعيد آخر الحكماء
مختص: العودة لتفعيل دور الحزب في حل الأزمة السياسية
الاتحادي الأصل: عودة الميرغني لتحقيق مصالح الأمة
محلل سياسي: عودة الميرغني لن تؤثر في موازين العملية السياسية
فاطمة: مبارك
يصل البلاد ظهر غدٍ الاثنين رئيس الحزب الاتحادي الأصل مولانا محمد عثمان المرغني بعد قرابة التسع سنين حيث غادر البلاد في العام ٢٠١٣م ظل يتنقل خلالها بين القاهرة ولندن.
ويبدو أن هناك أسباب قوية وراء هذه العودة قد تتجاوز قضايا الحزب وصراعاته، الدليل على ذلك أن مولانا الميرغني كان يقوم باستدعاء قياداته لمقر إقامته بالقاهرة، كلما استجد أمر حزبي يتطلب ذلك، ويعقد اجتماعاته ويصدر القرارات، لكن أن يقرر العودة التي قد تكون مؤقتة، هذا يشير إلى أن المسألة مرتبطة بقضايا أخرى،
في السياق رجح مراقبون كثر أن تكون العودة بالنظر إلى توقيتها قد تكون، مرتبطة بمسألة التسوية السياسية والاتفاق المرتقب الذي قد يسهم في حل الأزمة ولم يستبعدوا أن يكون هناك دور مرسوم من قبل القيادات الممسكة بالسلطة بوصفه آخر الزعماء السياسيبن الذين يتصفون بالتجربة والخبرة والحكمة.
اتفاق سري:
وبالموازاة كشفت مصادر أمس لبعض المواقع الإخبارية عن اتّفاق سريّ تمّ بين رئيس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وزعيم الطائفة الختمية محمد عثمان الميرغني، وتوقعت جريدة (الحراك) حسب المصادر، أنّ تكون هناك صفقة سياسية جرت بينهما خلال زيارة البرهان إلى القاهرة مؤخراً، وأشارت إلى أن خال البرهان الخليفة عثمان الحفيان، يعتبر كبير الختمية بمدينة شندي. وأضافت المصادر: ”إن بلداً مثل السودان يمكن أن تتداخل فيه العلاقات السياسية والاجتماعية والروحية، وتقود لعقد صفقة ما بين القداسة والسياسة”.
وكان الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان زار السيد الميرغني في زيارته الأخيرة للقاهرة وفهمها المحللون حينها في إطار أن الميرغني شخصية وفاقية يمكن أن تتوسط بين العسكر والمدنيين إلا أن تفاصيل اللقاء لم تنشر.
ما كشفته المصادر يتطابق مع ما ظل يقوم به السيد الميرغني من مقره، فبعد زيارة البرهان، زاره وفد من حزب الأمة القومي ربما لتنسيق الأدوار واتخاذ مواقف مشتركة على خلفية العلاقة التاريخية التي تربط الحزبيين، كما أتت المبادرة الوطنية التي أطلقها المرغني وراهن عليها لحل الأزمة، لكن تعدد المبادرات والتنافس الدولي حول الملف السوداني لم يساعد على تقدمها.
وبعد المبادرة حذر الميرغني جموع الشعب السوداني في تسجيل من تعدد المبادرات وتجريب المجرب مذكراً بالاتفاقات السابقة التي عقدت ثنائياً وانتهت بالتفريط في وحدة البلد وقال: اليوم نشهد ذات السيناريو.
عودة الميرغني للبلاد تباينات حولها آراء الحزبيين والمراقبين، بعضهم شكك في أن يلعب مولانا دوراً في حل الأزمة السودانية نتيجة لأوضاعه الصحية، إضافة إلى الانقسامات التي يعيشها حزبه وأدت إلى تعدد التيارات ووجود متفلتين، واعتبروا أن مسألة العودة هو ترتيب مصري حتى تظل ممسكة بالملف السوداني، الا أن آخرين أكدوا أن المرغني يتمتع بكامل الصحة والعافية وبحكم التجربة والحكمة وجماهير حزبه العريضة يمكن أن يسهم في حل الأزمة.
آخر الحكماء:
أكد القيادي بحزب الاتحادي الأصل أحمد الطيب المكابرابي أن مولانا محمد عثمان الميرغني هو آخر حكماء الساحة السياسية والمرجع الأعلى وصاحب أكبر تجربة، وقال في إفادته لـ(ليوم التالي) إن ما تمر به البلاد من أزمات يحتاج إلى شخصية بهذا الثقل، مذكراً بجماهيريته الكبيرة التي يمكن أن تحدث توازناً في الساحة، وأشار المكابرابي إلى أن حركة مولانا مسنودة بدول إقليمية ومنظمات ومؤسسات عالمية، وهم يثقون فيه وهذا يدل على أنه سيوثر في تقديراتهم، وأكد أحمد أن مولانا كان دائماً ينحاز إلى جمع الصف الوطني وأن عودته ليست مرتبطة بأطماع شخصية أو حزبية، وقال: من يحاول أن يوظفها لصالح معسكر لا يعرف مولانا الذي تقوم مدرسته على ترجيح كفة البلد وتحقيق مصالح الأمة دون النظر لدعم المعسكرات أو المحاور، وكشف عن استعدادات كبيرة تقوم بها جماهير حزبه في العاصمة والولايات تفوق التصور.
زخم اجتماعي لعودة عابرة:
أما المحلل السياسي دكتور محمد إبراهيم فقد شكك في عودة المرغني وقال لـ(ليوم التالي): حتى اليوم هناك عدم وضوح حول هذه المسألة، ويرى أن لمصر دور كبير في موضوع العودة، وتمسكة بإدارة الملف السوداني بنفس النهج القديم رغم التغيير الكبير الذي حدث في السودان، وبشكل استراتيجي وأدى إلى وجود رؤية جديدة كانت تتطلب من مصر إعادة أدواتها، وقراءتها والتعامل بطريقة موضوعية، ورؤية جديدة مع ملف السودان، وأبدى إبراهيم أسفه لعدم استيعاب المصريين لهذا التغيير وسعيهم للاستفادة من علاقاتهم التاريخية بالأحزاب، وأعتقد أن ما يقلق مصر هو أن ملف السودان أصبح حاضراً في السعودية، وزيارات البرهان للمناطق العسكرية التي أكد فيها التمسك بشعارات الثورة لم تأتِ من فراغ، لذلك تحاول مصر أن تتقوى بمجموعات كانت حاضنة للانقلاب، واختتم حديثه بقوله: ترتيبات العودة مصرية بصورة كلية لإحداث اختراق في الملف يتوافق مع مصالحها، لكن هذه ليست القوة المؤثرة في المشهد، واعتبر محمد أن مولانا الحسن يحظى بمكانة في الشرق أكثر من جعفر وأكثر ذكاءً، حيث استطاع أن يكسب الحزب مكانة سياسية بعد الثورة.
وقطع بأن عودته لن تؤثر في موازين العملية السياسية، لأن الحزب يعيش حالة صراع وتباين وهناك تيار معروف بعدائه التاريخي للنظام السابق وخطه أقرب للثورة، لكن رغم الاختلاف السياسي يتفقون حول مكانة مولانا الميرغني، ووفقاً لإبراهيم يمكن أن يستقبلوه مجتمعين، لكن ستكون لحظة كرنفالية مثل مناسبة الحولية لعودة عابرة ستحدث زخماً اجتماعياً، لكن لن تحسم الصراع أو تعالج المشاكل، ولن يكون لها دور في الوحدة الوطنية نتيجة لظرفه الصحي.
محمد إبراهيم لا يعتقد أن توقيت العودة مهما على خلفية أن المشهد أصبح واضحاً، جزء من الحزب وصل إلى تفاهمات مع الفاعليين وهى مجموعة الحسن وسترجح كفتها إذا مضت عملية التغيير وفق ما هو مرسوم.
تفاكر وتنسيق:
وبدوره أكد الإعلامي والمتخصص في شؤون الاتحاديين عادل عبده أن عودة مولانا محمد عثمان الميرغني تأتي من أجل الوطن والحزب، وقال لـ(ليوم التالي) إن قناعته منذ توليه قيادة الحزب كانت تكمن في تسخير خطه السياسي لخدمة البلد وتحقيق أمنه والاستقرار المعيشي للمواطنين، وأضاف: مولانا غادر البلاد في ٢٠١٣م متنقلاً بين القاهرة ولندن، والآن هناك قضايا دعته للعودة وبحسب عادل تتمثل في عدم الاستقرار البلاد ومشروع التسوية الذي أدى إلى وجود أجنبي واستخباراتي، وقوبل برفض من بعض القوى السياسية، جازماً بأن الميرغني يريد التفاكر مع القوى السياسية في كيفية الحل ولم يستبعد أن ينسق الاتحادي مع حزب الأمة وينفتح على بقية القوى السياسية، وأشار عادل الى حرص الميرغني على المؤسسة العسكرية كمؤسسة مناط بها استقرار البلد، وأعتقد أن مبادرة مولانا التي أطلقها لم يتم التعاطي معها بالشكل المناسب، والآن كثرت المبادرات وحضوره يعني رغبته في أن جعل للحزب دور، في حل الأزمة السياسية وتوطيد العلاقات مع الأحزاب، ونوه الى أن كافة اللجان أكملت استعداداتها لاستقباله، وهناك قوى سياسية ستشارك فيه.
ولفت إلى أن من بين أجندة العودة حسم المتفلتين وفقاً لدستور الحزب، بعد أن أعلن بصورة واضحة مؤخراً أن نائبه هو السيد جعفر الميرغني وأضاف: هذه المجموعة تعتبر أن لديها قرار من رئيس الحزب والقرارات والقيادة عندها وبالمقابل السيد محمد الحسن معه مجموعة تعتبر أن لديها قرار من زعيم الحزب، ومؤسسة الحزب تركت معالجة هذه المشكلة لمولانا، لم ينفِ تعويل مولانا على الدور المصري في حل الأزمة السودانية باعتبار حرص البلدين على الأمن المشترك وفق معادلة تكون بعيدة عن التدخل في شأن الداخلي، وسخر من الذين يقولون إن الميرغني في حالة صحية لا تؤهله لمعالجة مشاكل البلد والحزب واعتبر ذلك حديث صالونات، لأنه مولانا ظهر في الإعلام بكامل قواه.
إسناد موقف مصر:
من جانبه توقع المحلل السياسي والأكاديمي بروفيسور حسن الساعوري أن تكون عودة الميرغني ذات صلة بموضوع التسوية، ومشاركة دول الرباعية في الحل التي تدعمها مصر من على البعد، ورجح أن تكون العودة بغرض إسناد مواقف مصرية في السودان وأضاف: هذا الهدف لن يكون بعيداً من المخابرات المصرية كما ذكر.
وقال الساعوري لـ(ليوم التالي) إن موضوع مسودة الدستور التي انقسم الحزب حولها بعد توقيع تيار الحسن عليها، نقلت الموضوع إلى صراع بين العلمانية والشريعة والحزب الاتحادي يضم طائفة الختمية لذلك لا بد أن تكون لمولانا وقفة ومراجعات، وعلى صعيد الحزب أصبح واضحاً أن السيد جعفر يحظى بتفويض من والده والآن يدير المفاوضات والميرغني يبحث عن مبررات لشجب توقيع حزبه على وثيقة الدستور وإذا شجب أو جمد مشاركته لا أستبعد أن يتخذ حزب الأمة نفس النهج إذا فكر في مسألة العلمانية، خاصة أن نداء أهل السودان يتجه لإقامة تحالف كبير.