ماذا يقول الفرقاء عن “مقترح الدستور الانتقالي”؟
تتزايد التوقعات بقرب توقيع اتفاق إطاري لإنهاء الأزمة السياسية الحالية في السودان على أساس وثيقة دستورية لإدارة الفترة الانتقالية؛ أعدتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين في سبتمبر. فما هي هذه الوثيقة وما الانتقادات الموجهة لها وكيف يرد الداعمون لها؟
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت قوى الحرية والتغيير -المجلس المركزي- عن توصلها لاتفاق إطاري مع الجيش السوداني؛ ينص على نقل السلطة للمدنيين بشكل كامل وفقا لوثيقة دستور المحامين.
وفي حين وجدت الوثيقة قبولا محليا ودوليا، إلا أن المفارقة كانت في التباين الفكري الواضح بين المجموعات الرافضة لها؛ والتي ضمت أحزابا من أقصى اليسار كالحزب الشيوعي وأخرى من أقصى اليمين.
وكانت الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومجموعة الإيقاد قد أعلنت في وقت سابق تسلمها ملاحظات من القيادة العسكرية تتضمن تعليقاتهم وتعديلاتهم على الوثيقة، مشيرة إلى أن تلك التعديلات تعكس تفاهمات أساسية تم التوصل إليها بين العسكريين ومُحاوريهم من قوى الحرية والتغيير. وأضافت: “جمعت المسودة حولها عددا كبيرا من القوى المدنية”.
أبرز مواد الوثيقة
جدل سياسي
كثفت جماعة الإخوان ومجموعات أخرى متحالفة معها من حملتها ضد الوثيقة، من خلال مظاهرات محدودة سيرتها، الأسبوع الماضي، إضافة إلى مخاطبات في بعض المساجد.
وفي حين لم تحدد هذه المجموعة جوانب الخلل في الوثيقة، اعتبر أعضاء بارزون في الحزب الشيوعي أن صياغتها تمت من جهات أجنبية وأنها منحت المكون العسكري وضعية أفضل وصلاحيات أوسع بكثير من تلك التي كانت تتضمنها وثيقة 2019.
مبررات الناقدين
بعيدا عن الجدل السياسي الدائر، يرى الخبير القانوني أحمد عثمان عمر أن “ديباجة الوثيقة لم تنص بشكل واضح على تمييز مرحلة الانتقال”.
ويشير عمر، في حديثه لـ”سكاي نيوز عربية”، إلى أن “الوثيقة لم تؤكد بأن دولة المؤسسات لا يمكن بناؤها قبل تصفية مؤسسات النظام السابق الأمنية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية”.
ويوضح: “لا تكفي الإشارة إلى تفكيك دولة التمكين؛ لأن الوثيقة الدستورية السابقة كانت تشتمل على مبدأ التفكيك؛ لكن رغم ذلك بقي النظام عبر قواه الأمنية والعسكرية المتمكنة والحامية للتمكين؛ وبالتالي فإن عدم احتواء الديباجة على نص واضح يعني إمكانية العودة إلى المربع السابق”.
وبالنسبة للبنود الخاصة باتفاقية سلام جوبا، يقول عمر إن “الديباجة نصت على إنفاذ القرارات المضمنة في الاتفاق؛ ثم أشارت بعد ذلك إلى العمل على مراجعته مما يثير تساؤلا حول كيفية مراجعته بعد إنفاذ قراراته”. ويرى المتحدث أن “النص الوارد في الوثيقة يفتح الباب أمام استمرار نهج تمكين الحركات المسلحة وتقاسم السلطة معها؛ وإعفائها من المحاسبة”.
أما فيما يتعلق بالعدالة، فيقول الخبير القانوني إن “الديباجة تحدثت عن عملية شاملة للعدالة الانتقالية تحقق المساءلة والمحاسبة وتنهي ثقافة الإفلات من العقاب؛ لكنها لا تحدد من ارتكب الانتهاكات؛ وهو ما سيقود لتشكيل لجان تخضع للتوازنات السياسية مثل ما حدث مع لجنة التحقيق في فض الاعتصام”، بحسب تعبيره.
ووفقا لعمر، فإن “الوثيقة أخطات في تبني إنشاء محكمة دستورية مستقلة ومنفصلة عن السلطة القضائية؛ في حين أنه يجب أن تكون هنالك دائرة دستورية في المحكمة العليا تختص بالنظر في دستورية القوانين”.
ورأى عمر أن “النص على تبعية القوات المسلحة للقائد الأعلى؛ يحتم على أن يكون هذا القائد الأعلى هو رئيس الوزراء حتى لا يتم التحايل على هذا الأمر”، مشيرا إلى “ضرورة حذف النص الخاص بتكوين مجلس أعلى للأمن والدفاع وترك أمر تشكيله لرئيس مجلس الوزراء، باعتباره هيئة استشارية تنفيذية تابعة له”.
تفنيد الانتقادات
يفند الخبير القانوني كمال محمد الأمين، الذي شارك في صياغة الوثيقة، انتقادات عمر؛ ويقول لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “الديباجة تميزت بثلاث ميزات منهجية وشكلية وموضوعية أساسية؛ حيث حرصت لجنة الصياغة ولأول مرة في تاريخ السودان على أن يكون الدستور سودانيا خالصا من صنع كل القوى السياسية والمهنية والمجتمع المدني ولجان المقاومة الذين شاركوا في الورشة التي عقدتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، بالإضافة إلى الاستفادة من كل التجارب الدستورية في السودان”.
ويوضح أن “الوثيقة اتبعت؛ من حيث الشكل؛ هندسة جديدة شملت التبويب المحكم عبر تقديم المهم فالأهم من أول فصوله إلى آخر فصوله؛ فعلى سبيل المثال اهتمت وثيقة الحقوق الواردة في الباب الثاني من المواد 7 إلى 33 بفكرة الفصل بين السلط والموازنة بين من يمارسون تلك السلطات وبين الحفاظ على حقوق الأفراد الذين يخضعون لسيطرتهم وبالتالي المحافظة على مدنية الدولة والعمل على تأكيد مبدأ حكم القانون وسيادة الشعبية”.
ويضيف: “لأول مرة في تاريخ الدساتير السودانية يتم النص صراحة على تطبيق وثيقة الحقوق على جميع القوانين وعلى التزام السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بها”.
ويؤكد الأمين أن “الوثيقة أرادت فعلاً وقولاً خضوع البرلمان والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية لحكم القانون لا للأهواء الشخصية”.
ويشير الخبير القانوني إلى أن “الوثيقة تؤسس – من حيث الموضوع – لنموذج دستور سوداني يستصحب معظم المبادرات المطروحة التي تقدمت بها قوى الثورة بمختلف فصائلها، ويؤكد على أن المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات ويرسي لدعائم حكم مدني ديمقراطي يرسخ لدولة المؤسسات والقانون ويقوم على فكرة تنظيم مؤسسات الفترة الانتقالية وتحديد مهامها بوضوح لا لبس فيه ويقوم على دعائم النظام البرلماني”.
وحول الانتقادات الموجهة للوثيقة والمتعلقة بعدم إمكانية بناء دولة المؤسسات قبل تفكيك تمكين النظام السابق، يؤكد الأمين أن “الوثيقة المطروحة تعزز مبدأ التفكيك بشكل قوي؛ وأفردت له بابا كاملا وهو الباب السابع”.
وبخصوص الانتقادات الموجهة للنصوص التي تحدثت عن إنفاذ القرارات المضمنة في اتفاق السلام ثم مراجعته بعد ذلك، يوضح الأمين أن “اتفاقية السلام السودانية الموقعة في جوبا واعتبارها جزءا لا يتجزأ من الدستور أمر يختلف تماما عن مراجعة بعض بنودها التي تتعارض أحكامها”.
وينبه الأمين إلى أن “نقض العهود كان واحدا من أبرز المشاكل التي فاقمت النزاعات التي عانى منها السودان خلال العقود الماضية”.
في المقابل، يشدد عمر على الاهتمام الكبير الذي أولته الوثيقة لمسألة العدالة، مبديا استغرابه من الانتقادات التي تحدثت عن عدم تضمين الفصل الخاص بالعدالة بنودا تحدد مرتكبي الانتهاكات؛ ويوضح “مسألة تحديد أسماء من ارتكبوا الانتهاكات ليست من مهام الدساتير.. لا يمكن أن نكتب في الدستور اسم الشخص الذي أرتكب تلك الانتهاكات وإلا نكون أنهينا عمل المحاكم حتى قبل أن يبدأ”.
وحول ما أثير عن أن الوثيقة أخطأت في تبني إنشاء محكمة دستورية مستقلة ومنفصلة عن السلطة القضائية؛ في حين يجب أن تكون هناك دائرة دستورية في المحكمة العليا تختص بالنظر في دستورية القوانين، يرى الأمين أن من الأفضل للنظام الفيدرالي في السودان أن تكون هنالك محكمة دستورية مستقلة ومنفصلة لا تختص فقط بالفصل في دستورية القوانين وإنما تعمل على حل النزاعات والاختصاصات بين مستويات الحكم الفيدرالي والنظر في انتهاكات حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.