تفشي «حمى الضنك» يعيد التذكير بخطورة «تغير المناخ»
بالتزامن مع ختام قمة أطراف الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ (كوب27)، التي يعاب عليها من قبل بعض الناشطين البيئيين، عدم اتخاذ خطوات ملموسة في اتجاه تخفيض الانبعاثات المسببة لتغير المناخ، كان «حمى الضنك»، وهو أحد الأمراض الحساسة لتغيرات المناخ، يضرب وبقوة، دولة السودان.
وتسبب أحد النواقل، المعروف باسم بعوضة «الزاعجة المصرية»، في انتشار هذا المرض، وتجد تلك البعوضة البيئة المناسبة للتكاثر والانتشار مع درجات الحرارة المرتفعة والأمطار الشديدة.
وشهدت دولة السودان، أخيراً، ظواهر مناخية متطرفة، تمثلت في ارتفاع درجات الحرارة، ثم أمطار شديدة، وصلت إلى حد السيول، لتخلف بركاً من المياه الراكدة في الشوارع، والتي كانت بيئة مناسبة لتكاثر البعوضة المسببة للمرض، لتشهد الدولة الواقعة في شمال شرقي أفريقيا، «أسوأ تفشٍ لحمى الضنك منذ عقود»، كما تصفه وزارة الصحة السودانية.
ووفق التحديث الأخير لأرقام الإصابات، بالصفحة الرسمية لوزارة الصحة السودانية، وصلت أعداد الإصابات إلى 3 آلاف و436 حالة اشتباه، و460 إصابة مؤكدة، و236 وفاة.
وتشهد ولاية شمال كردفان، أكبر عدد من الإصابات والوفيات، غير أن نعمة سعيد عابد، مديرة مكتب منظمة الصحة العالمية في السودان، شككت في دقة هذه الأرقام، وقالت في تصريحات صحافية، إن الحالات المؤكدة هي «قمة جبل الجليد»، مضيفة أن «بعض الأشخاص يعاني من حالات خفيفة، والبعض الآخر يستشير المعالجين التقليديين أو يعتمد فقط على العلاجات المنزلية، وبالتالي لا يقدم هؤلاء تقارير إلى المرافق الصحية، فما يبلغ عنه للمنشآت الصحية، هو أشد الحالات التي تتطلب رعاية طبية بالمستشفى».
وتشبه أعراض حمى الضنك الإنفلونزا، ويجب الاشتباه في الإصابة بالفيروس المسبب لهذا المرض، عندما تترافق الحمى الشديدة (40 درجة مئوية) مع اثنين من الأعراض التالية، وهي الصداع الحاد، وألم خلف العيون، وآلام العضلات والمفاصل، والغثيان، والقيء، وانتفاخ الغدد، والطفح، كما يوضح الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية.
ويضيف موقع المنظمة، أن «حمى الضنك» يمكن أن يتحول إلى مرض مميت، بسبب بعض المضاعفات مثل تراكم السوائل، أو ضيق التنفس، أو النزف الوخيم، أو قصور الأعضاء، وتظهر العلامات التحذيرية لهذا الخطر بعد ثلاثة إلى سبعة أيام من الأعراض الأولى، عندما يحدث انخفاض في درجة الحرارة (دون 38 درجة مئوية)، ويكون ذلك متوافقاً مع ألم معدي وخيم، وقيء متواصل، وسرعة تنفس، ونزف اللثة، وإجهاد، وتململ، وقيء مدمى.
يقول محمد الحديدي، الأستاذ بالبرنامج الطبي بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا لـ«الشرق الأوسط»، إنه مع تغيرات المناخ صار من المتوقع أن تصبح معدلات الإصابة والوفيات بحمى الضنك أكثر تواتراً، وهو ما يقتضي الاستعداد بالإجراءات الوقائية، وفي مقدمتها الأطباء المهنيون، القادرون على التشخيص المبكر، وذلك بسبب تشابه أعراض المرض، مع الأمراض الفيروسية الأخرى مثل الإنفلونزا.
ويوضح الحديدي أن الفيروس المسبب لهذا المرض تنقله بعوضة «الزاعجة المصرية» الحاملة للفيروس، إلى الشخص السليم، ثم ينتقل من هذا الشخص بعد إصابته، إلى بعوضة أخرى غير حاملة للفيروس، حيث يكون بمقدور المرضى المصابين نقل العدوى، خلال مدة أربعة إلى خمسة أيام، وحتى 12 يوماً كحد أقصى، عبر البعوض، بعد ظهور الأعراض الأولى عليهم.
وأضحت العلاقة بين انتشار هذا البعوض وتغيرات المناخ، واضحة في عدد من الدراسات التي صدرت أخيرا، ومنها دراسة أعدها باحثون في مبادرة «الوقاية من الأوبئة» بمؤسسة روكفيلر الأميركية، ونشرها الموقع الرسمي للمؤسسة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وتتوقع الدراسة أن ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات غير المسبوقة في أنحاء متفرقة من العالم، سيشجعان على خروج بعوضة الزاعجة المصرية خارج مناطق تكاثرها التقليدية، مما يؤدي إلى تعريض 60 في المائة من سكان العالم للإصابة بحمى الضنك بحلول عام 2080.
وأكدت دراسة سابقة نشرتها دورية «طب الجهاز التنفسي» في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2020، خطورة تغيرات المناخ، حيث أكدت أنها ستؤدي إلى توسيع نطاق الموائل المناسبة لنواقل البعوض لحمى الضنك.
يقول الحديدي: «هذا يقتضي تفعيل إجراءات الوقاية من المرض عبر توفير وسائل مقاومة البعوض، واللقاحات التي يمكنها الوقاية من المرض».
وسجل أواخر عام 2015 ومطلع عام 2016 أول لقاح لحمى الضنك، أنتجته شركة «سانوفي باستير»، لتمنيع الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 9 سنوات و45 سنة ويعيشون في المناطق المتوطنة بالمرض، والتي من المتوقع أن تزيد بسبب تغيرات المناخ.
وتملك دولة السودان خبرة سابقة مع هذا المرض، غير أن الظروف التي تمر بها الآن، حالت دون الاستعداد الكافي لمواجهته.
يقول منتصر عثمان، المدير العام للطوارئ بوزارة الصحة الفيدرالية في تصريحات نقلتها صحيفة «الغارديان» البريطانية في 21 نوفمبر: «لأسباب اقتصادية فقدنا بعض الإجراءات الوقائية، مثل الناموسيات ومبيدات الحشرات، كما تعاني البلاد نقصاً في مجال الأدوية الوقائية، ولم يعد لدينا الموظفون الذين اعتادوا العمل في مجال الصحة القائمة على الملاحظة، والذين اعتادوا إطلاق جرس الإنذار قبل حدوث المشكلة».