(تعدين الذهب بنهر النيل) .. هل تتحول النعمة إلي نقمة وكارثة ؟
ظهر الذهب كمورد بديل لفقدان عائدات نفط جنوب السودان بعد الانفصال والتى كانت تشكل (50%) من إيرادات الموازنة العامة للسودان ليمتص الذهب صدمة الانفصال بفضل عائداته في العام 2012م إلى نحو( 2,5) مليار دولار بتصدير نحو ( 50) طن ذهب ليحقق الاقتصاد السوداني نموا موجبا خلافا لتوقعات صندوق النقد الدولي، كما فتح التنقيب عن الذهب فرصا للشباب وللمعدنيين التقليديين للعمل ، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والوطنية وزاد من إيرادات الدولة فضلا عن توفير موارد من النقد الأجنبي لتأمين احتياجات البلاد من السلع والخدمات. تحول النعمة إلي نقمة ويبدو أن ( نعمة الذهب) ستتحول إلي (نقمة وكارثة اقتصادية واجتماعية وبيئية) بسبب من استخدام الزئبق والسيانيد في التنقيب عن الذهب وعدم التخلص الآمن من مخلفاته ، الأمر الذي أدى إلي انتشار الأمراض بمناطق التعدين ، كما ظهرت تأثيرات اجتماعية للتنقيب عن الذهب بانتشار الجريمة العابرة للحدود خاصة جريمة المخدرات وتهريب البشر والذهب ، بجانب تفاقم الأثار الاقتصادية لتهريب الذهب وذلك بفقدان كميات كبيرة منه ، وعدم عودة حصائل الصادر من نقد أجنبي، رغما عن الضوابط العديدة التي اتخذتها وزارة المالية وبنك السودان المركزي ورغما عن مطالبات خبراء الاقتصاد بضرورة اتخاذ المزيد من الإجراءات للحد من تهريب الذهب وتاثيراته السالبة علي الاقتصاد الوطني، كما تقاعس السلطات قاد إلى كارثة بسبب التعدين بولايات التنقيب عن الذهب خاصة ولاية نهر النيل .. ليبرز ثمة سؤال من يوقف نهب الذهب؟ تراجع إنتاج الذهب وكشفت مصادر مطلعة، عن ان إنتاج الذهب شهد إنخفاضاً حاداً مقارنة بـ 30 طناً من الذهب المستخرج في النصف الأول من عام 2021 ، تم استخراج ما يقرب نصف الكمية فقط في نفس الفترة من عام 2022. بالإضافة إلى ذلك، انخفضت عائدات صادرات الذهب في الربع الثالث من عام 2022 من 563 مليون دولار أمريكي إلى 300 مليون دولار أمريكي مقارنة بالربع الثالث من عام 2021 في الوقت نفسه، يتزايد حجم تهريب الذهب بسرعة، ووفقا لخبراء فإن حصة السوق السوداء للذهب قد تعادل حصة السوق الرسمية من حيث الحجم، كما بلغ عجز ميزانية الدولة في للعام 2022.، نحو ( 3.5) مليار دولار، مقارنة بـنحو( 2.4 ) مليار دولار لنفس الفترة من العام الماضي. كارثة بيئية وفي السياق ازدادت شكاوي المواطنين بمناطق التنقيب عن الذهب من حدوث كارثة بيئية نتيجة الإستخراج غير القانوني للذهب من مخلفات التعدين (الكرتة) وخصوصاً في ولاية نهر النيل وتحديدا في أسواق أبوحمد والعبيدية وودرملي، بعد استخراج الذهب الخام بواسطة (المطاحن) ، حيث لا يتم نقل معظم المخلفات إلى المصانع المتخصصة لمعالجتها والتخلص منها بصورة صديقة للبيئة، ولكن مايتم هو إستخلاص الذهب بطريقة بدائية في هذه الأسواق وبشكل غير قانوني بواسطة السيانيد والأحماض والمواد السامة الأخرى والمحظورة. انتهاكات واضحة وحسب مواطنون وشهود عيان فإن هنالك أشخاص مجهولون مسؤولون عن هذه الممارسات الضارة في التعدين وهم ينتهكون لجميع المعايير ولا يدفعون أي مستحقات لخزينة الدولة بجانب عدم نقل النفايات السامة والتخلص منها بصورة صحيحة، حيث يقوم الذين يعملون في هذه الطواحين ببعثرة البراميل التي تحمل النفايات السامة في كل مكان، ويتم تصريف النفايات في التربة، مما يتسبب في أضرار جسيمة للبيئة ويخلق تهديدات خطيرة لحياة السكان وصحتهم، وقد ظهرت بالفعل هذه التهديدات كحالات مرضية لم تكن معروفة سابقاً بين سكان المناطق القريبة من أسواق الذهب في الولاية. وبالإضافة إلى مخاطر وقوع كوارث بيئية وشيكة في الولاية، كما تبرز قضية أخرى وهي ضياع مئات الملايين من الدولارات كضرائب على الذهب المستخرج بشكل غير قانوني لاتذهب لخزينة الدولة ، بينما المصانع التي حصلت على تراخيص وتلتزم بجميع متطلبات التشريعات الضريبية واللوائح الفنية مهددة بالإفلاس، الأمر الذي قد يحرم الدولة وولاية نهر النيل في المستقبل من مساهمات أكبر دافعي الضرائب، فضلاً عن تفاقم الوضع في قطاع التصنيع بشكل خطير. ايقاف النشاط غير القانوني وطالب المواطنون السلطات منذ فترة طويلة إلى وقف هذا النشاط غير القانوني والخطير وتنظيم التخلص من مخلفات التعدين (الكرتة) بطرق قانونية. واستمرت المناشدات والمزيد من الشكاوى، وقد حصلت العديد من الإعتصامات والإضرابات، ولكن السلطات لا تستجيب. وتنتشر الشائعات التي تؤكد بأن هنالك من يتلقون ( عمولات ورشاوى) من هذه الأنشطة غير القانونية والضارة بخزينة الدولة وبصحة المجتمع. مخالفات في وضح النهار وأكد مواطنون، علم السلطات المحلية بما يحدث من انتهاكات المعدنيبن خلال حقائق أخرى معروفة للسكان المحليين على سبيل المثال في الطريق من البودي إلى ودرملي، أمام مدينة عطبرة وليس بعيداً عن مدينة بربر، يومياً تنقل قوافل تصل إلى خمسين شاحنة بشكل غير قانوني (الكرتة) من الأسواق إلى منطقة يتردد بأنها محمية عسكرياً حيث يتم نقل المخلفات السامة على الطريق العام، وفي هذا مخالفة واضحة لجميع معايير السلامة حيث تتم معالجة الكرتة مباشرة في الأسواق، كذلك الحال في تلك المنطقة المحمية تتم معالجة ( الكرتة ) في انتهاك لمتطلبات السلامة والمعايير القانونية، دون دفع الضرائب، ويتم استخراج الذهب بشكل غير قانوني، ومن ثم يتم تهريبه ويتم توريد الأموال المستلمة إلى حسابات لأشخاص محددين وليس لخزينة الدولة. تقرير : ST