عبدالحفيظ مريود يكتب: فتاة ليست للاقتراب
بدون زعل
تقوم الفكرة على تحاشي الورطة.. يقول سام..
الفتاة في بنطال الجينز الضيق، تي شيرت أسود، قصير الأكمام، تنحسر طرحتها، أو تجدعها – عمداً – عن شعرها المعتنى به جيداً، وتضع ساقاً على ساق، في شارع النيل، أو مطعم، مقهى حديث، ليست بالضرورة (ما عندها أهل).. قد لا تكون موضوعاً للمقارنة مع حافظ للقرآن، يؤم الناس في مسجد غاص بالمصلين.. مع ذلك، قد تكون أقرب إلى الله منه..
شايف كيف؟
من يحدد القرب منه، جل شأنه، وتعالى ذكره، وتقدست أسماؤه؟ أنا؟ أنت؟ نحن؟ هو؟ هم؟ أليست تلك جرأة وافرة، كفيلة بطردنا – والعياذ بالله – من رحمته؟
ما الأمر، إذن؟
السموأل الشفيع (سام)، يضعك على العتبة:” المهم إنو طبقك مقبل وين؟ بلقط إشارة وللا لأ.. ريسيفرك شغال؟”.. ببساطة شديدة: الورطة هي أن تمسك مسبحة، تجر عدداً.. أو تقوم لصلاة الليل، تتلو ثلاثة أو أربعة أجزاء.. تصوم الاتنين والخميس.. ثم تنتفش.. تلك هي الورطة.. ولماذا هي كذلك؟ لأنك مرقت قاصد الطريق.. والطريق ورطة.. لأن تصورك المحدود للطريق أنه يجب أن يوصلك.. لكن “لا تكون الطريق طريقاً، حتى تكون بلا نهاية”، ذلك قاله محمود المسعدي..
شايف كيف؟
يستطيع كوكب المشتري أن يبتلع أكثر من مائة كوكب بحجم الأرض.. ذلك يعني أن كوكبنا صغير جداً.. يا للهول. والمشتري ليس نجماً، حتى.. مجرد كوكب تابع.. وأنا وأنت نجلس على “الكويكب” الصغير هذا، ومعنا سبعة مليار آخرون، من البشر، وما لا يحصيه إلا الله من الحيوانات والكائنات الأخرى.. ثم نضيق ذرعاً ببعضنا.. نلتهم بعضنا.. نقتل بعضنا.. نكفر بعضنا.. نحدد من يدخل الجنة، ومن يدخل النار.. لأنه – جل شأنه – سمح لنا أن نطلع على اللوح المحفوظ، فنقرأ.. نرى القبة الزرقاء فنظنها السماء الدنيا.. وراءها ست أخريات.. كما نرى النجوم مجرد مصابيح في حجم كفة اليد.. نغني للبنت السمحة، ونخدعها (لو قلتي لي عايزة النجوم، ح أجيبا ليك)، وهي تصدق..
الرحلة ليست تلك.. القطار ذاك، لا يوصلنا.. والله أجمل من طريق الله.. كما قال محمود درويش..
شايف كيف؟
سام لا يهمه ماذا ستفعل.. “طبقك مقبل وين؟”..
لذلك لا تنشغل بالمظهر.. ولا المخبر.. تلك انشغالات محدودة.. انشغالات وضيعة، نوعاً ما.. لأن الموضوع قبل كل شيء: ماذا تريد أن ترى..
في الرحلة القصيرة هذه، فإن عليك أن ترى.. أن تسمع.. والغريب أنك “ترى بشحم، وتسمع بخرم”، كما يقول الإمام على.. وأقرب الحاجات إليك، لا تراها..لن تستطيع أن ترى دمك الراكض في شرايينك.. ولا الكريات التي يتناقص عددها أو يزيد، فيضطرك إلى الذهاب إلى المشفى.. فكيف تراني وترى إيماني ويقيني، جنتي وناري؟ ثم لماذا أنت مشغول بمستقبلي؟ بي؟ بعالمي الذي لا يخصك في شيء؟
أليست تلك ورطة؟
القصة تقول إن أعرابياً من الشكرية، في البطانة، استيقظ ليجد أن حماره تخلص من القيد، ورحل.. ذهب يبحث عنه.. سأل أول رجل لقيه، عنه، فتأكد الرجل من أوصافه.. أجابه بأن “عندى ركعتين بصليهن نص الليل، كان ما أخاف الكضب، حمارك دا عدى بي هني”.. فرد عليه صاحب الحمار (أنا حماري بلقاهو.. إلا إت ركعتينك ديلك، أمش حصلن)..
هذه هي الورطة…
أن تكون منشغلاً بي.. بها.. بالحمار.. بالسيارة.. بالمطعم والمشرب.. بالصوم.. بالطريق.. بالعلامات..
ذلك أن (الناس هلكى إلا العالمون.. والعالمون هلكى إلا العاملون.. والعاملون هلكى إلا المخلصون.. وهؤلاء على خطر شديد)..