*الأستاذ محمد سليمان..(روح الإعلام)*
*الأستاذ محمد سليمان..(روح الإعلام)*
بين مهاتفتي له قبل أيام وزيارتنا تلك لبيته مرت سنين وسنين والبشاشة هي ذات البشاشة بينما الدنيا تتغير بلا هوادة..وأنا أتحسس طريقه عبر الهاتف كنت أتحري هذه البشاشة تحديدا،فهي دليل عافيته وتفاؤلنا..وقد كان..بشاشة زائدة،والحمد لله..ذكريات وقفشات وهو من يسأل عن الأحوال!..نبرته تلك المحببة حاضرة تحفز لنقاش فى الصميم..دخلنا مباشرة لأخص خصائص الإعلام،هذه المهنة التى أحبها وأحبته..كم أبدع وأطرب بالمعلومات والتجارب والتفكه،ثم(روح)طاغية هي آخر ما إهتدى إليه علم الإعلام لصياغة رسالة صادقة مؤثرة..همني أن أطمئن أقرانا له..منهم من سارع وإتصل ليفاجأ بأن هاتفه ليس معه!..مع من رد حزينا يشير لما حدث..لقد داهمه ما أقلق الناس،وإنه بالمستشفي.
مضت أيام بين القلق والأمل ليفاجىء الناس الخبر(إنا لله وإنا اليه راجعون)..تتبارى الإذاعات والفضائيات والمنصات لتعزي جمهورها بسيرته الباهرة تلك..مفاجأة محزنة تماما،فكأننا ما سمعنا بأن حالته حرجة..التعلق بالأمل ديدن من تعلقوا بالكبار، بمن أعطوا وما إستبقوا شيئا..ما أحوج البلاد إليهم..الأستاذ محمد سليمان بشير إعلامي رقم معطاء..بل هو عطاء بلا حدود وعبر أكثر الوسائل تأثيرا فى البشر،عقلا ووجدانا وتذوقا..سيرته تنداح بشغف على ألسنة الناس كأنه بينهم وهو يرحل،عليه رحمة الله، وهاهنا العزاء.
وجدت نفسي أعزي نفسي بسيرته المنسابة فضائيا وبين جوانحي..لقد عرفته عن قرب وهو قادم من فجاج كردفان للإذاعة تزكيه براعة خطابه..إحتفظت له بمفاهيم أشبه بالأقوال المأثورة،مثلما ورد فى المقال السابق بعنوان(حكاية الإذاعة حكاية)مما يبدو الآن كوصية لأهل الإعلام:(إنني مقتنع تماما بما ذهب إليه بعض قادة الإعلام من تغير المثل الذى يقول إن الناس على دين ملوكهم،حيث تبدل الأمر الآن وأصبح الناس على دين إذاعاتهم)- هذا ما قاله..ورد فى كتاب(الإذاعة السودانية فى نصف قرن) لبروفسور عوض إبراهيم عوض، فى معرض دور الإذاعة فى(صيانة الذوق العام)و(قياة الرأي العام)و(حفظ التراث القومي)و(بلورة الهوية السودانية)..فهمنا أن الأستاذ محمد سليمان عنوان لذلك،وأنها وصية(أبقوا عشرة على الإذاعة).
ورد هذا فى مقام الإستقلال،الهوية..أي شىء هي(الهوية) فى عالم يتعارك ولا نجاة بغيرها- هوية دليلها الإعلام..كان هذا مدار حديثنا على الهاتف متصلا بمناقشات سابقة محورها(روح الرسالة الإعلامية)..ذكرته بدراسة تقول إن على الإعلامي أن يتحلي بأمرين(مهارة الكتابة،وروح العرض)..تراءى لنا أن أصل الأمر قيم ومسؤولية..إن(السمع والبصر)كلاهما مسؤولية..ينبهنا لثالثتهما(الفؤاد)مصدر الروح الملهمة،فأعادنا ذلك لنص آية كريمة:(ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)-سورة الإسراء..من طبعه إرجاع الأشياء لأصلها،وهو معلم مطبوع وإعلامي يتميز بروح قوامها مصداقية وتلقائية محببة ومسؤولة- سمعا وبصرا،إذاعة وتلفزيونا،كما ألفناه- مكتبتا الاذاعة والتلفزيون خير شاهد..ما أحوج دارسي الإعلام لروحه هذه فى الإعداد والتقديم والمعاملة (مصداقية، وتلقائية محببة ومسؤولة).
كل من إقترب منه يدرك سماحة روحه..ذات يوم خطرت فكرة لسهرة جماهيرية مميزة،فإتفقنا على أنه أفضل من يقدمها بحضوره ذاك..مخرج السهرة عصام الصائغ وشخصي ذهبنا لبيته متفقدين، طرحنا عليه الفكرة مؤملين..كان يبدو مسرورا بالزيارة لكنه سارع يقول:(أنا ما بقدم سهرة ليست من بنات أفكاري)!..ثم إستدرك وكأنه يجبر خاطرنا(أنا جاهز لأقدم سهرة من إعدادي،وهذا ورقها)..وقد كان..إستبدلناه بعدة مقدمين،وكسب التلفزيون سهرة مميزة،من إعداده وتقديمه وإخراج عصام الدين الصائغ عنوانها(بدون عنوان)..مضى الزمن وبقيت فى الخاطر مصفوفة من ذكريات صادقة ونبيلة، وبشوشة.
الكثير مختزن..حقاني(مهيب بلطف)كماهي خاصية المدير فى علم الإدارة(كاريزما)..معلم فى كل حين،يتقن الإنجليزية،مرجعي،لا يجامل فى سلامة اللغة والسياق العام،والمهنية..معايير تتجلي بمجرد حضوره..إنه(عالم وحده)فى مجال البرامج ببشاشته وعباراته إياها..طائفة من البرامج المحببة تدل على(روح الإعلامي)فيه- تلك الغاية الإبداعية المنشودة عالميا.
عرفناه مديرا عاما للإذاعة،فالهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون،مشاركا فى لجنة إستشارية بالتلفزيون،وفى(النيل الأزرق)متجليا فى صياغة(نجوم الغد)..أعطى بلده، وخلد إسمه بين رموزها،ليت الدولة تشكرهم وتوثق لهم لصالح الأجيال..تبادل الزملاء التعازى والتوثيق أسفيريا..من القاهرة الدكتور عمر الجزلي وحوار الجمعة الأخيرة معه وأمنياته للوطن وأسرته..تسجيل مؤثر من تونس للطيب قسم السيد،ورسالة هي متابعة من خبير علاقات عامة وأخبار- محمد الفاتح السموأل،وأخرى من الأستاذ نجيب نور الدين- صحفي عينه علي(نجوم بعيدة)جديرة بالإحتفاء،وآخر المتواصلين معه دكتور عبد العظيم عوض- يفيض شجونا..ومرثية لمغترب فاز فى(جراب الحاوي)!..متداولة عنوانها(رحيل إعلامي موسوعي)للصحفي محمد سعيد شلي -هكذا،فضاء يفيض وفاء لمن غادر دنيا أوصى الناس رفقا بها وبأنفسهم(دنيا دبنقا دردقي بشيش)-رسالة فى الصبر والحكمة وحسن المعاملة..رحمه الله وبارك في أسرته- إعلامي شهير بشوش ناصح،والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
د.عبدالسلام محمد خير
صورة: الأستاذ محمد سليمان