*رحم الله عصام الدين الصائغ إنسانا مبدعا*
*رحم الله عصام الدين الصائغ إنسانا مبدعا*
قبيل رمضان سارعت إليه للتهنئة بالعمرة،ففاجأني أنها عمرتان لاواحدة، وصلاة في(الروضة الشريفة)حمدا لله..إنسابت الطمأنينة ونسينا أن في الأمر معضلة،فمن المرض ما يرتقي بالمؤمن لمقام الرحمة الأوسع..مضينا تأملا في أقدار الله المبشرة،فعمرة في هذا التوقيت هي من إلهام الخالق جل وعلا..ثم(صحبة)في سفر مبرور قوامها أقرب الأقربين،شقيقه عماد بأرض الحرمين وإبنه وحيده عزيزه(سمي جده) الذي لازمه طوافا وسعيا وسهرا طوال أيام صفتها الآن أنها الأخيرة،أمضاها بفضل الله بين إيحاءات العمرة ورمضان وحفاوة الأطباء وموقف مستشفي(الزيتونة)ومديرته الوفية وبروفسير مأمون حميدة الذي تصادف أنه طرف من إلهامات صنعتها أقدار حفية بإنسان هميم أعطي بلده،ما استبقي شيئا..(مأمون)هذا وله التحية ضرب مثلا،إنه آخر الأسماء فى ذاكرة عصام لحظة داهمه المرض،تزامنا مع الأجل- عليه رحمة الله.
مخرج خلوق شريكا لمقدم برنامج مهمته صحة الإنسان أصبحت ثنائية جديرة بأن تروي عنها الروايات حول خفايا الإعلام والطب والإنسانيات المسعفة..ذات يوم كلف عصام بإخراج برنامح(حديث الأطباء)تعززه مهنيته،كفاءته، وبصماته التى عرفها الكافة وفاضت بها الأسافير الآن لتجدد السؤال القديم:من لأبناء الدولة في الشدائد؟..لا حول ولا قوة إلا بالله..اللهم بارك في نوايا الإخلاص في العمل وفي الإبن البار،والأسرة السند في مواجهة العزلة- عضوا عليها بالنواجز..هذا ما يسعف الحال،وهو من إلهام الخالق جل وعلا لمن خلصت نواياه في خدمة بلاده..العمل العام نية مخلصة ورسالة تؤسس عليها المصائر..فلنتخذ لأنفسنا نوايا خيرة ونمضي،نضفي طابع (الرسالة) للمهنة لتكون العاقبة خيرا بإذن الله.
مضت الأيام متسارعة تاركة السؤال معلقا، من لأبناء الدولة في الشدائد؟..لعل مبادرات بروف مأمون حميدة تجاه الإعلاميين،وزيارة والي الخرطوم وقد عرف بمبادراته العملية،وتلك الإستجابة من رئاسة الدولة، تتلاحق جميعها لتشكل بارقة أمل في رعاية الدولة للعاملين بالإعلام أسوة بأقرانهم في مهن أخري أسست لمنسوبيها مؤسسات علاجية عملاقة،خيرها يفيض إلي غيرهم.. الإعلاميون لهم الله،لا معاش يفي،لا صندوق للضمان،لا سائل عمن بقي بالبيت يعاني،ولا سرير بمستشفي يجبر الخاطر..ها هو أحد الأوفياء للمهنة وللمؤسسة والوزارة يرحل في صمت،إلا من صدى دعوات الصائمين وشهامة الأوفياء وبصمة مهني مبدع ظل غيورا على بلده،مؤسسا لتلفزيونها برامجيا مع أتراب أفذاذ،مديرا للبرامج في أشجع الفضائيات، ومشاركا بتخصصه في الجامعات والهيآت، عليه رحمة الله.
عبر وسائل التواصل فوجئت بالخبر وأنا خارج البلاد،وكنت أتابع حالته بالمستشفي عبر إبنه البار عبد العزيز..لحظة الصدمة الأولي في فقد إنسان عزيز طاغي الحضور يجري البحث عن سلوي..ألهمنا الله بما علمنا رسوله المبعوث رحمة للعالمين(لا نقول إلا ما يرضي الله،إنا لله وإنا إليه راجعون)..إشتعلت بها الأسافير..أخذت مسارب السلوي تتسرب عبر كتابات وفية.. مجهولون أجادوا القول في مناقبه بأخص خصائصه:(الإنسان الأستاذ الخلوق البشوش الإعلامي المخرج التلفزيوني عصام الدين الصائغ)..فما تبقي لأزيد إلا أنه كان معتدا بنفسه،حقاني،موصول بنجوم المجتمع،يتفقد الزملاء،همه الإرتقاء بعمله، درس بالخارج ليتميز..الأفضل أن نقول بما قالت رسائل رمضانية إختصته بفيضها وهو يرحل:(اللهم نسألك أن تكرم نزله مع أهل الريان، وتغفر له ما تقدم وما تأخر، أنت الرحمن)-هكذا..وفضل الدعاءعن ظهر الغيب معلوم..فماذا عنه قائل من عرفه عن قرب؟.
وتواترت الرسائل على(النت)..حميمة بليغة تعين علي مواجهة الصدمة الأولي واحتساب الأمر لله تعالي..المذيع الكبير الدكتور عمر الجزلي من مستشفاه بالقاهرة ينعيه لي:(رحيل أخوي عصام سبب لي شرخا عميقا..عقدنا المنضد بيواقيت أيامنا الغاليات فقد حبات من الأصالة التي عشناها سويا في أروع وأبهي الأيام)..ومضي الليل مع عمر عزاء وسلوي..سيرة أعادتني لزيارة إتضح الآن أنها كانت الأخيرة لعصام بصحبة الأستاذ محمد أبشر مدير الأخبار الشهير والأستاذ يس إبراهيم مدير التدريب الهميم..في الطريق إليه تحدثنا في كل شي مهني له فيه باع..سألنا الله ان لا ينهكه المرض..الطب ينتظر فتحا ربانيا لتنجو البشرية مما تبقي علي قائمة(أمراض مستعصية)- صرفها الله عن خلقه،بعزه وجلاله..التداوي بالإيمانيات وإتخاذ الأسباب متاح،والحمد لله..كانت زيارة متفائلة،فهو في كامل لياقته الذهنية والمعنوية المعهودة فيه ولسان حاله(المؤمن مصاب)..وبها خرجنا وهو معنا،في الخاطر كعهده.
(عصام الصائغ)سيرة وانفتحت..إحتفت به جامعة بحري بحضور إبنه..وله بجامعة قاردن سيتي ومؤسسها مهندس عمر أبو القاسم مقام خاص عنوانه الحفاوة بأهل الخبرة والمشورة..العزاء الآن هو أنه برغم المصير الوظيفي المربك مكانة الإعلامي محفوظة بين الناس..بصمة الإعلامي حياة بعد حياة..ذكري نافعة منتجة..كنت أظن أني سأضيف جديدا لسيرته وقد عرفته عبر أعمال مشتركة كبيرة، مخرجا ومدربا ومديرا ومختصا بالجودة غاية الإعلام الحديث وإدارة العصر..فوجئت عشية نعيه برسائل تثير العجب والإعجاب..هناك حافظون للعهود تجاه من يخلص لبلده ومهنته ليذهب مطمئنا والحمد لله. .
إستوقفتني ليلة الرحيل قائمة لبرامج جهيرة تتابعت في زمن ولي كعلامة للتميز..جميعها من إخراج عصام الدين الصائغ..تتصدر القائمة:(فرسان في الميدان)حمدي بدر الدين،(أمسيات)متوكل كمال،(أسماء في حياتنا)عمر الجزلي،(خد وهات)إدمون منير،(بدون عنوان)محمد سليمان..إنها قائمة،ويختتم مرسلها بقوله(كأنما في نهضة التلفزيون كان عصام الدين الصائغ)..هكذا..وفي مرحلة لاحقة،بعد عودته من ماليزيا وتلفزيون أبو ظبي، إرتبط الصائغ ببرامج أخري شهيرة منها(حديث الأطباء)..وكان قد عمل مديرا للمنوعات1995 وإدارة الجودة 2004 فمستشارا لفضائية الخرطوم،فمديرا للبرامج بفضائية أم درمان الشهيرة.
هذا التواتر لسيرة من غاب تثري منابع السلوي في رحيل من أعطي بلده وأبدع، تشهد له بصماته..الإنسان المبدع يظل متاحا من خلال بصماته وهو يرحل..آثاره تبقيه بين الناس بمفعول الإستنارة التي هي من قبيل ما يجدد نوازع العطاء الكامنة في الأجيال لتنفع الوطن فيرتقي..رحم الله عصام الدين الصائغ إنسانا مبدعا متاحا حتى وهو يرحل..والعزاء للتلفزيون وأسرته، والبلد..سيرة إعلامية مضيئة،جديرة بالتوثيق..و(إنا لله وإنا إليه راجعون).
عبدالسلام محمد خير