عبدالمنعم سعيد يكتب : فك الارتباط

من القاهرة 

د. عبدالمنعم سعيد

البداية كانت «العولمة» عندما صار ممكنا علميا وتكنولوجيا وإنسانيا تحقيق «الرابطة» بين أركان كوكب الأرض الأربعة فى الزراعة حيث توزيع الغذاء، والصناعة حيث السلع والبضائع، والخدمات حيث يعيش جميع البشر تحت مظلة نظام مالى واحد يقوم على النقود التى عملتها الرئيسية الدولار. القيم كانت أكثر صعوبة، ولما اشتدت العولمة جاء خطر صراع الحضارات ومع ذلك فإن قدرا من التوافق ساد عندما توسعت الحريات الإنسانية واقتربت المعارف بين الثقافات. وعندما جرى اختبار العولمة بالإرهاب تعمقت أكثر الروابط من خلال شراكة المعلومات؛ ولكن عندما كان الاختبار بكوفيد-19 زادت المعرفة بالخلل الإنتاجى البشري، وهى أن «سلاسل التوريد» كانت مفاتيحها فى الصين. فى الغرب بدا حل المعضلة الصينية عن طريق فك الارتباط الذى برع فيها الصينيون أو ما يسمى Decoupling.

المعادلة باتت أن يستعيد الغرب صناعاته الأولى وأن يحرم الصين من الأسواق الأمريكية والأوروبية، وأن تنتهى المعادلة الأولى التى قامت على تقسيم العمل ما بين الجنوب وفى القلب منه الصين لكى يقوم بالصناعات «التقليدية»، بينما تنفرد الولايات المتحدة والغرب بصناعات وتكنولوجيات الفضاء والطيران ومن ورائهما الثورات الصناعية الجديدة للذكاء الاصطناعي.

هذا المنطق كانت فيه الثغرة الكبيرة وهى أن الصين بينما تستأثر بالصناعات التقليدية وسلاسل التوريد فإنها كانت تخترق بقوة الثورتين الصناعيتين الثالثة والرابعة ومنتجاتهما؛ واستفادت كثيرا من توطين الصناعات المتقدمة التى أحضرتها «آبل» وأمثالها إلى الساحة التكنولوجية الصينية فباتت سابقة فى منتجاتها مثل السيارات الكهربائية والتليفونات الشخصية والكمبيوتر وغيرها. المدهش أن مجيء ترامب إلى البيت الأبيض بدأ مرحلة جديدة من فك الارتباط ليس مع الصين وإنما مع حلفاء أمريكا التقليديين فى أوروبا وأمريكا الشمالية الواقعين عبر المحيط الأطلنطي. أصبحت عملية فك الارتباط متداخلة مع حلف الأطلنطي؛ ومنطقة التجارة الحرة فى شمال أمريكا. نتيجة ذلك هو إعادة تشكيل العالم ونهاية «عولمة» ما بعد انتهاء الحرب الباردة وتتويج الولايات المتحدة قائدة لها.

كاتب مصري بحصيفة الأهرام

قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...