عادل الباز يكتب:خارطة بولس/ الإمارات..تسلم السودان للوصاية الأجنبية!!

فيما ارى
عادل الباز يكتب
1
في الخطاب الأخير للسيد الرئيس البرهان قال إن الرباعية قدّمت له ثلاث نسخ من مبادرتها القميئة، مؤكداً أن النسخة الأخيرة كانت الأسوأ على الإطلاق. لماذا؟ قال الرئيس إنهم يتحدثون عن تفكيك الجيش وحل الأجهزة الأمنية، وكل ما أملته عليهم الإمارات. وحيَّرني حديث السيد الرئيس، واستغربت من صُفّاقة هذه الرباعية، وكيف يمكن أن توقّع دولة مثل مصر والسعودية على مثل هذه الترهات، أم أن ذلك هو طبيخ نيّ بين أبوظبي ومراسلها مسعد بولس؟. لم تتسرب معلومات عن هذه النسخة الأخيرة قبل حديث الرئيس البرهان، ولكن بالأمس كشف الصديق مزمل أبو القاسم في صفحته بالفيسبوك تفاصيل جديدة عن هذه النسخة، وهذه ليست المرة الأولى التي يكشف فيها مزمل خيانة وخرابيط المتآمرين.
2
بالأمس نشر الدكتور مزمل أبو القاسم جزءاً من الورقة التي قدّمها مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، إلى الحكومة السودانية، والتي تتضمن – بحسب الوثيقة – رؤية شاملة لإعادة تكوين مؤسسات الدولة السودانية عقب التسوية السياسية المنتظرة.
الوثيقة المسرّبة والتي أشار إليها الرئيس إجمالاً اتضح أنها “خارطة تفكيك كامل للدولة” وليست مجرد مقترح سياسي، إذ تحدد مسبقاً مخرجات الحوار، وإجراءات ما بعد الاتفاق، ومسار إعادة تشكيل الجيش والأجهزة الأمنية، مع دور مباشر وحاسم لمجموعة الرباعية الدولية.
اللغة المستخدمة لم تكن لغة لم تكن لغة “تسهيل” أو “وساطة”، بل أقرب إلى صيغة الأوامر التنفيذية، وكأنها صادرة من إدارة تستعد لتولي شؤون دولة فاشلة. الورقة ليست مبادرة سياسية، بل “مخطط حكم” مكتمل الأركان، يضع السودان عملياً تحت إشراف دولي ينتقص من السيادة ويعيد إنتاج تجارب دول أخرى خضعت للوصاية بعد الحروب.
3
وبحسب ما نشره الدكتور مزمل أبو القاسم، تنص الورقة على أن السلطات الانتقالية ستطلق “عملية يقودها السودانيون” تشمل إنشاء آليات للعدالة والمساءلة، لكنها – في الوقت ذاته – تفرض حزمة تغييرات واسعة على بنية مؤسسات الدولة، أبرزها إعادة هيكلة الجيش ليصبح قوة موحدة ومهنية، خاضعة بالكامل للسلطة المدنية، وخالية من أي انتماءات سياسية أو صلات بالإخوان المسلمين خارطة بولس لتسليم السودان للوصاية الأجنبي.
كما تتحدث الورقة عن تفكيك الأجهزة الأمنية والاستخباراتية ، وإعادة هيكلة قطاع الأمن عبر برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، بما يشمل الجماعات المسلحة والقوات غير النظامية.
4
وتنص الوثيقة كذلك على إنشاء لجنة دولية لتنسيق وقف إطلاق النار تُشرف عليها “الشركاء الدوليون”، على أن يُعيّن ممثل بتوافق من الرباعية لتوجيه أعمالها ومراقبة التزامات الأطراف وضمان حماية المدنيين والممرات الإنسانية، ومعالجة أي خروقات عبر التفاوض داخل اللجنة.
الأخطر في الوثيقة هو الدور المباشر للرباعية في الإشراف على تنفيذ الاتفاق، بما يشمل الضمانات والترتيبات الأمنية، وهو ما اعتبره محللون “انتقالاً من دور الوساطة إلى دور الوصاية”. كما نصت الورقة على ضمان العودة الآمنة للنازحين واللاجئين، وتقديم الحماية والتعويضات الأولية، في إطار تسوية شاملة تحت إشراف دولي مكثف.
5
هذه الورقة تتجاوز في السوء سيئ الذكر الاتفاق الإطاري، فإذا كان الإطاري أشعل الحرب الحالية، فهذه الورقة تضع السودان تحت الوصاية الكاملة للرباعية التي كانت تُدار للأسف بأجندة الإمارات قبل أن تقلب عليها السعودية الطاولة بعد زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن. يعني ذلك أن الإمارات، التي لم تستطع الاستيلاء على السودان بمؤامرة الحرب، تأتي الآن لتسيطر عليه بالضغوط الأجنبية وباحتيال الرباعية. وهيهات.
6
هذه الورقة صيغت في لحظة كان النفوذ الإماراتي هو اللاعب الأساسي داخل الرباعية، قبل أن تتبدل المعادلة تماماً بعد إعادة ترتيب العلاقات بين الرياض وواشنطن وتدخل الأمير محمد بن سلمان. مصادر دبلوماسية أكدت أن السعودية رفضت لاحقاً كثيراً من بنود الوثيقة، وأن القاهرة أبلغت تحفظات واضحة لأنها ترى أن أي تفكيك للجيش السوداني يفتح الباب لحرب لا تنتهي على حدودها الجنوبية.
4
إن الغضب الذي ظهر بادياً على ملامح الرئيس البرهان وهو يلقي خطابه الأخير أمام قادة الجيش يعود للغضبة من هذه “الحقارة” والسفالة التي كشفت عنها الرباعية، وهو الذي مدّ لها حبال الصبر وتعامل معها باحترام، فإذا بها تريد أن تتدخل في سيادة السودان وتملي على الرئيس ماذا يفعل وكيف يدير مؤسساته، وكأنه موظف في دواوين أبوظبي أو متعامل مع تاجر الخردة بولس!!
غضب الرئيس البرهان لم يكن غضباً سياسياً فقط، بل كان غضب قائد جيش يرى وثيقة خارجية تتحدث عن الجيش الذي يقوده وكأنه “ميليشيا يجب إعادة تأهيلها”، لا مؤسسة وطنية عمرها أكثر من مائة عام.
الوثيقة تخاطب الجيش بلغة فوقية ومهينة، وتفترض أنه جسم غير شرعي يحتاج لإعادة هندسة وتطهير، وهو ما اعتبرته القيادة العسكرية تعدياً سافراً على الكرامة الوطنية قبل أن يكون تعدياً على السيادة.
5
تصوّروا أن هذا الدخيل الثقيل يحدد موقع الجيش من إدارة الدولة، ويأمر بحل جهاز الأمن، ويحدد هو مسارات الحرب، ويفرض الطريقة التي يجب أن تنتهي بها الحرب، ويقرر عودة الجنجويد وعملاء الإمارات لسدّة الحكم تحت شعار حكومة مدنية!!
كان رد الرئيس البرهان لبولس أمام قادة الجيش صاعقاً؛ ومن يومها لم نسمع لبولس سوى همهمات تافهة، لم يستطع أن يردّ على ما قاله الرئيس، وأوزّ ولبد متخلياً عن عنترياته، واكتشف هو ومن خلفه أنهم لا يستطيعون أن يفرضوا على الرئيس وشعبنا أيّاً من أجندتهم مهما فعلوا وتآمروا، والله لا يهدي كيد المتآمرين.
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...