مجرد رأي أمين حسن عمر

العقل القبلي.... آفة السودان

مجرد رأي

أمين حسن عمر

[contact-form][contact-field label=”الاسم” type=”name” required=”true” /][contact-field label=”البريد الإلكتروني” type=”email” required=”true” /][contact-field label=”الموقع” type=”url” /][contact-field label=”رسالة” type=”textarea” /][/contact-form]

العقل القبلي…. آفة السودان

 

ما جرى من أحداث عاصفة سالت فيها دماء ونهبت وأحرقت أموال وهددت وتعطلت فيها المصالح و الأعمال في كسلا، إنما كانت نتاجا للتفكير القبلي الذي هو آفة السودان الكبرى.

وعندما أقول التفكير القبلي لا أقصد الشكل التقليدي للقبيلة ،وإن كان ما جرى في كسلا جرى بين قبيلة وقبيلة، أتخذ الشكل التقليدي للقبيلة.

 

لكن ما صنع الأزمة هنالك وما سوف يظل ينتج الأزمات و النزاعات هو العقل القبلي والفكر القبلي في مختلف تمظهراته وتبدياته التقليدية و المعاصرة.

فمثلما هنالك قبائل بالشكل التقليدي للقبائل من بني عامر وهدندوة ونوبة وشايقية ودناقلة وزغاوة ورزيقات وفور وإنقسنا ،هناك إيضا قبائل معاصرة في شكل تكتلات سياسية في شكل أحزاب وتكتلات مهنية وفي شكل مهن وحرف أطباء ومهندسون ومحامون ، بل وتكتلات مناطقية جلابة وزرقة، وكلها يحكمها العقل القبلي

وأسوأها هذه على الإطلاق هي قبيلة (الساسة) فهم منظرو الفكر القبلي ودعاته ومبشروه ، مهما تحدثوا عنه بالشجب والإدانة لأن الفرز على الإنتماء والهوية صار هو ديدن الفكر والسلوك السياسي لدى كافة أهل السياسة الإ القليل، والقليل قليل.

 

سمات الفكر القبلي:

 

القبيلة مرجعها إلي فكرة تضامنية تقوم على تقدير معنى الأمومة والأبوة و الأخوة والرحم وهي فكرة ليست مفيدة فحسب بل هي ضرورية. ذلك أن الإنسان ليس مثل كثير من المخلوقات تولد قادرة على كسب ما يبقيها على الحياة مبكرا ،بل إن فكرة الإعتمادية ألتى هي اعتماد الإنسان ردحا من الزمان على كفالة وإعالة والديه هو ما صنع فكرة العائلة وجعل التضامن العائلي جوهريا لإستمرار الحياة.

 

ولما كانت العائلة لا تستطيع كفاية إحتياجاتها كان لابد من عائلة ممتدة ،وتمتد العائلة الممتدة لتحصيل كسب المعاش إلى جماعة موصولة بالأرحام تنشد الحياة بالتضامن في كسب الأرزاق.

 

فلئن كان ذلك دأب الحياة فلا مندوحة من مجتمع متضامن يرتكز على كيانات موصولة بالأرحام أو بطرائق كسب الأرزاق أو بالأفكار والايدولوجيات ولا بأس في ذلك كله، ولكن البأس أن تتحول فكرة التضامن إلى فكرة التعصب.

 

كيف ينشأ التعصب:

ينشأ التعصب عندما تسيطر الأنانية والنحنوية، فأنا أولا و الأخرون هم الجحيم. و ينشأ التعصب حينما يقسم العالم إلى فسطاطين نحن وهم، ونحن على حق، وهم على باطل، ونحن الأخيار وهم الأشرار، ونحن من يفيد ،وهم من يضر.

وبذلك يتحول العالم إلي ثنائية بغيضة ، تجعل المقارنة بين النحن وهم تتحول إلى مقارعة بين النحن وهم، وتتحول عبارة( نحن أو هم) إلى( نحن ضد-هم) . وهذا التقسيم يجعل شعور الناس يتجه من المقارنة التى هي ضرورية للتعلم وللتحفيز وتعبئة القوى والطاقات إلى مواجهة مدمرة على الطرفين للموارد والقوى والطاقات.

وهذا الأسلوب من التفكير يحول المقارنة إلى مواجهة ويحول التنوع والإختلاف إلى تباين وتنازع ويمنع توسع دائرة التضامن من مستوى القبيلة الأثنية أو القبيلة المهنية أو القبيلة السياسية إلى مستوى المجتمع المدني المتضامن بما يجترحه من نظم وما يشترعه من قوانين ما يخترعه من تكنولوجيا.

 

القبيلة الفكرية آفة السودان :

 

والسودان مقسم إلى قبائل أثنية ومهنية و سياسية وقد يظن بعض أناس أن أسوأها هي القبائل الأثنية و هؤلاء وهموا فإن الترتيب معكوس فإن أسوأ قبائلنا وأشدها ضررا هي قبيلة السياسة، ثم قبائل المهن والحرف ،ثم أخيرا قبائل الإثنيات وفي كل شر، عندما تكون لحمتها هي التعصب وليس التكاتف والتضامن.

 

ولا نقول بهتانا عن قبيلة السياسة عندما نقول إنها أشرها وأضرها. أولا قد يسأل السائل كيف تكون الأحزاب والكيانات السياسية الفكرية قبائل. و الإجابة عندما يكون التعصب هو وشيجتها وآصرتها الجامعة تتحول الأحزاب إلى قبائل لاترى في الأحزاب الأخرى إلا عدوا

وذلك رغم الشقشقة المطربة عن الديموقراطية فهي لا ترى في الآخرين منافسين بل تراهم مناوئين و لا ترى عند المقارنة، لهم فضلا في أية جهة، ولا ترى عندهم فكرة جيدة، ولا كادرا متميزا مؤهلا، فهم الآخرون لا غير ، و الآخرون هم الجحيم.

 

و الأحزاب تتعامل مع خصومها بالتصنيف فمن هو ليس معنا فهو ضدنا. وتتعامل مع منتسبي الأحزاب الأخرى كما تتعامل القبائل الجاهلية مع خصومها فإن قتلت طائفتهم منا واحدا نقتل واحدا منهم ولا يهم ان يكون ذلك الواحد مشتركا في الجرم أم هو بريء.

وأنظروا ما يجري بين طلاب الجامعات المستنيرين من حرب داحس والغبراء وإقتتال على الهوية وهو ذات تفعله جماعات تحمل عنوانين متعددة تعتدي على الصغار والكبار وتقتحم خصوصيات البيوت بدعاوى التصنيفات السياسية حتى جعلت للجاهلية القبلية شعارات يتبجحون بها ولا عار ولا شنار.

 

و الأحزاب إن هي تسلطت على الإدارة أو الحكم صنفت الناس إلى (نحن) و(هم) فنحن لنا الحصة الأكبر وهم لا يستحقون إلا أقل القليل وكله تصنيف على الهوية الحزبية لا على الكفاءة و الخبرة أو الكسب. و بعض العاملين والموظفين يطردون من أعمالهم وارزاقهم ليسوا لإنهم ارتكبوا جرما إلا الإنتماء إلى حزب أو كيان.

 

ثم إن هذه الأحزاب والكيانات السياسية لا تكتفي بذلك بل تسعي إلى صناعة قبائل مهنية تتحزب لها وتسعى إلى إستقطاب قبائل إثنية تتحالف معها لتتحول حالة الاحتراب إلى حرب شاملة لا تبقي من الآخرين ديارا.

 

وأما القبائل المهنية فهي التى تتعصب لأهل مهنتها أصاب واحدهم أم أخطأ ولسان حالهم يقول :

وما أنا إلا من غزية إن غوت

غويت وإن ترشد غزية أرشد

فإن تشاجر طبيب مع مريض لم تسأل القبيلة الطبيب ولا المريض بل هبت بقضها وقضيضيها وإضرابها وعصيانها لنصرة الطبيب فهو بمهنته على حق والآخر على باطل ولا حاجة للسؤال.، و للمهندسين قبيلة لها يتعصبون وللمحاميين قبيلة وللأعلاميين قبيلة ولكل مهنة وحرفة قبيلة

 

وأما القبائل الكبرى من عسكريين ومدنيين(ملكية)فحدث ولا حرج فكل طرف ينظر للآخر بتعال وتوجس .

 

وأقل قبائل السودان ضررا وما هي ببريئة فهي القبائل الأثنية التي كما هي لها تراث عريق في التنازع والتصارع، لها أيضا تراث في درء النزاعات وفضها بالمعروف، ولكن هؤلاء تسلطت عليهم طوائف من قبائل السياسة فأعادتهم إلى عهد عبس وذبيان. فلا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

أمين حسن عمر

نشر في ٢٨ أغسطس ٢٠٢٠

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...