مولانا أحمد إبراهيم الطاهر يكتب…عودة القضاة وهيبة القضاء

الزرقاء ميديا

ربما يتهيب المرء وهو يخط بقلمه سطرا عن القضاء ، وهذه الهيبة مصاحبة لنا منذ نصف قرن ونحن نقف أمام أقل القضاة درجة وأصغرهم سنا ، ذلك أن الهيبة في الرمز وليست فقط في الشخص . ولقد ظللنا في المحاماة نلتقي الأحكام القضائية من أفواه القضاة ومن مجال الأحكام فنزداد فخرا بأن قضاءنا في السودان يتبوا منازل الصدارة في الاقليمين العربي والإفريقي، وأنه غير مجهول المقام في الغرب العلماني لما سطره من مواقف مساندة لرحلة العدالة في المجتمع الأممي ، وبما حمله من قيم رفيعة وخلق قويم وعلم راسخ ومحبة للعدل وحرص علي تطبيقه. نقول هذا بين يدي قرار المحكمة العليا الصادر يوم الاثنين الرابع من أكتوبر ببطلان قرار لجنة التفكيك الذي صدر قبل عام بإنهاء خدمة مائة وأربعين ونيف قاضيا من قضاة المحكمة العليا والمحاكم الأدني. ولئن كانت النتيجة المباشرة لهذا الحكم هي تخليص هذه الزمرة المهابة من براثن التفكيك وإعادتهم مكرمين لكرسي القضاء ، فإن النتائج الأكبر هي في تأكيد إعلان هيبة القضاء وتحصينه من عوادي الهيمنة الحزبية والإحاطة السياسية ، وتحطيمه للمحاولات المستميتة ببرمجته وفق الأغراض المبيتة لجعله وسيلة سهلة من وسائل الانتقام والاضطهاد وترويع القضاة وانتزاع استقلالهم والتحكم في قراراتهم بغير حق . لقد سطر القضاء السوداني بهذا الحكم مجدا مؤثلا يضاف إلي أمجاده وتاريخا يروي للأجيال من مواقفه الخالدة . ولقد أعاد كثيرا من الطمأنينة والثقة للشعب السوداني في قضاته، فليحكموا بعدها بما شاء شاءوا ما دام رائدهم العدل وحافزهم الاستقلال وميثاق رقابة الله دون رقابة السلطة . لقد قابلنا من قبل السيدة رئيسة القضاء مطالبين بسيادة هذه المبادئ الرفيعة والعض عليها بالنواجذ ،فإنها هي الباقية وأن الحكام هم الماضون ، فالتهنئة للمحكمة العليا لاختيارها المسلك الصعب والموقف الأسلم فلن يريدها ذلك إلا عزا وهيبة ووقارا. والتهنئة للأخوة القضاة العائدين من الفصل الجائر ولعله درس بليغ بأن الحق مر المذاق ولكنه أجل وأحلى من كل إغراءات الباطل. أما الذين أحزنهم حكم المحكمة ويحاولون ويأملون أن يظل السيف مصلتا علي رقاب القضائية فلا عزاء لهم إلا بالاستغفار، فإن الله يغفر الذنوب جميعا.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...