فريق أول ركن : حسن يحيى محمد أحمد يكتب : هل حكومة الفترة الانتقالية حكومة مدنية؟!!

الزرقاء ميديا

 

هل حكومة الفترة الانتقالية حكومة مدنية؟!!

*فريق أول ركن : حسن يحيى محمد أحمد*

 

كلمة (المدنية) وظفت اثناء الحراك السياسي توظيفاً خاطئاً بواسطة قوى الحرية والتغيير مقصوداً لذاته بشحن الجماهير بشعارات مضللة تتمثل في أن من المفروض أن يحكم المدنيون البلاد وليس العسكريون وكانت تلك هي بداية الاستعداء المبكر للعسكريين. قوى الحرية والتغيير بهذا المفهوم الخاطئ للمدنية وضعت المدنية مقابل العسكرية بقصد اقصاء العسكريين من الحكم. لتصحيح المفهوم الخاطئ للمدنية فلا بد من الرجوع إلى القانون الدولي والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي عرفت المدنية بانها (تعني سيادة حكم القانون ودولة المؤسسات) والنظام والشفافية والرقابة والمحاسبة والعدالة والمكاشفة والصراحة والحوكمة وانه لا سلطة لحكومة مدنية إلا اذا كانت منتخبة. السلطة اذا كانت منتخبة فحكومتها مدنية وليست شمولية او دكتاتورية وخير شاهد على ذلك أن هنالك ثلاثة أشهر جنرالات في العالم حكموا بلادهم عن طريق صناديق الانتخابات ولم توصف حكوماتهم بالشمولية والدكتاتورية والجنرالات هم جرورج واشنطن مؤسس الولايات المتحدة الأمريكية وايزنهاور الذي فاز في أول انتخابات امريكية واصبح رئيساً وشارل ديقول الذي كان قائداً للمقاومة الفرنسية. لقد اصبح هؤلاء الجنرالات حكاماً لبلدانهم بصفتهم الانتخابية وليست بصفتهم العسكرية. الدكتاتورية والشمولية ليست حركاً على العسكريين فقط حيث هنالك مدنيون اكثر ديكاتورية وشمولية من العسكريين ومن هؤلاء صدام حسين رحمه الله الذي درس القانون وبشار الاسد الذي كان طبيباً مدنياً. كذلك كان قادة الجيوش في عهد الامبراطوريات هم الذين يحكمون بلادهم وهذا يعني ان الاصل في الحكم كان عسكرياً في العالم. نجد في العالم اليوم أن هنالك أنظمة حكم مدنية وأخرى شمولية واي دولة تتبع نظام الحكم المناسب لها. هنالك دول عظمى تتبع نظام الحكم الشمولي وهذا مؤشر على أن الحكم المدني ليس هو الحكم الوحيد المناسب لكل شعوب العالم كما تدعي قحت. نعم الحكم المدني يتناسب مع الدول المتقدمة التي حققت اجماعاً قومياً وتآلفاً في نسيجها الداخلي ورسمت غياتها القومية العليا ووضعت دساتيرها الدائمة المكتوبة وغير المكتوبة واجمعت على ثوابتها الوطنية والقومية التي اصبحت خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها. هذه الدول تمارس الديمقراطية داخل احزابها بينما الاحزاب في دول العالم الثالث لا تمارس الديمقراطية داخلها. الحكم المدني لا يصلح لدول العالم الثالث التي تعاني من مشاكل الجهل والتخلف والمرض والفقر والصراعات السياسية حول السلطة والصراعات القبلية. لكل هذا فان مشاركة العسكريين في السلطة في كل دول العالم الثالث تعتبر أكثر من ضرورة من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار السياسي بالبلاد. الجدير بالذكر أن الدول المتقدمة لا يتولى السلطة فيها الا من حضر دورة الدفاع الوطني بالأكاديميات العسكرية العليا في تلك الدول. السؤال هنا: هل يوجد شخص واحد من المدنيين الذين يسيطرون على السلطة في البلاد في غفلة من الزمن يملك زمالة الأكاديمية العسكرية العليا؟!! المدنيون حكموا البلاد لمدة ثلاثة عشر عاماً حكمت منها قحت عامين ولم تفتح جدولاً صغيراً وانجازاتها التي تتحدث عنها اليوم هي عبارة عن صفر كبير والسودان اليوم يسير بانجازات العسكريين الذين تولوا السلطة في البلاد عن طريق الانتخابات. رفع اسم السودان من قائمة الارهاب مهندسه هو البرهان الذي يناصبونه العداء اليوم اما حمدوك فدوره في هذا المجال لا يتعدى (go on) حيث بارك مبادرة البرهان في إصلاح علاقات السودان بإسرائيل عندما طرح له مبادرته. اما تحسن الوضع الاقتصادي فهو غير محسوس بالرغم من ادعاءات المسؤولين. النظام السابق كان محاصراً منذ استلامه للسلطة وكانت مديونية البلاد تساوي ٦٠ مليار دولار وجالون البنزين كان سعره ١٨ جنيهاً وسعر جالون الجازولين ١٤ جنيه وسعر جالون البنزين اليوم اصبح ١٥٠٠ جنيه وسعر جالون الجازولين اصبح ١٤٠٠ جنيهاً وسعر قطعة الخبز كان جنيهاً واحداً واليوم سعرها اصبح ٣٠ جنيهاً والدولار كان سعره يساوي ٥٨ جنيهاً واليوم اصبح يساوي ٤٥٥ جنيهاً. أين هو التحسن الاقتصادي الذي يتحدثون عنه اليوم؟!! اين ذهبت عائدات رفع الدعم لانها لم تنعكس على الخدمات والانتاج. اين ذهبت عائدات القومة للسودان. المدنية تعني الشفافية والمكاشفة والصراحة. اجمع الخبراء على ان مشاكل الديمقراطية تعالج بالمزيد من الديمقراطية ومشاكل الشمولية تعالج بالمزيد من القبضة الحديدية وحكومة حمدوك ضاع عليها الدرب في الموية واصبحت في حيرة من امرها لا هي قادرة على الاخذ باسلوب المعالجة الديمقراطية التي تدعيها ولا هي قادرة على الاخذ بنظام الشمولية التي تنبذها. سياسية الانفتاح على العالم الخارجي التي تدعيها الحكومة تعود للبرهان لانه هو أول من بادر بعملية الصلح وامريكا التي وقعت الحكومة في احضانها تشكك في حقيقة التحول الديمقراطي في السودان ولهذا لم ترسل سفيرها للخرطوم سوف لا ترسله بعد أن قادت الهشاشة الأمنية التي تسببت فيها الحكومة الى دخول داعش وتنظيم القاعدة إلى الخرطوم ولهذا لا يمكن أن تجازف أمريكا بحياة خبيرها لمكافحة الإرهاب. هل سألت الحكومة نفسها لماذا رشحت أمريكا سفيراً عسكرياً خبيراً في مكافحة الارهاب للخرطوم! من التعريف السابق للمدنية فان حكومة الفترة الانتقالية ليست حكومة مدنية لانها غير منتخبة وهي حكومة شمولية تسعى لتأسيس دكتاتورية مدنية في السودان. المدنيون الذين يقولون انه لا شرعية لانقلاب عسكري عليهم ايضاً ان يعلموا انه لا شرعية لحكومة تأتي من الشارع لان الشارع فيه الرجرجة والدهماء والغوغاء والشماسة والبلطجية والحرامية و(٩ طويلة) و(النيقرز) والعملاء والجواسيس والاستخبارات الاجنبية ولهذا فان العالم اليوم يعترف فقط بشرعية صناديق الانتخابات التي يخشاها من اختطفوا ثورة الشباب في غفلة من الزمن لان الانتخابات لا تأتي بهم للسطلة. قورباتشوف فكك الاتحاد السوفيتي السابق بتبنيه لسياسات الانفتاح (الجلاسنوت والبروستريكا) والحكومة الانتقالية تتدعي انها تتبنى سياسة الانفتاح وتسعى لإصلاح الجيش والأجهزة الأمنية والإصلاح فرضتها عليها قحت بدعم امريكي لان الجيش والدفاع الشعبي والاجهزة الامنية هي التي وقفت سداً منيعاً امام مخططات امريكا في تقسيم البلاد إلى دويلات صغيرة مجزأة ومفككة. امريكا اتهمت السودان بانه يهدد امنها القومي وسوف لا تسمح له بالاحتفاظ باراضيه الشاسعة واستغلال ثرواته وموارده الضخمة وهذه السياسة لم تتغير لان امريكا تدرك جيداً بانه لا توجد حكومة مدنية منتخبة في السودان. امريكا تهتم بمصالحها الاستراتيجية وليست مسؤولة عن التحول الديقمراطي في العالم والدليل على ذلك أنها حليفة وتتعامل مع دول لا تنتهج الديمقراطية. تقوي المدنيين بامريكا والشارع رهان فاشل لان الشارع اصبح اليوم ليس في صالحها كما أن الشعب السوداني لا يمكن أن يقبل بحكومة عميلة تأتي على ظهر دبابة امريكية هذا بالإضافة لأن أمريكا بعد هزيمتها في افقانستان انكفأت على نفسها وتخلت عن حلفائها الحقيقيين في الاتحاد الأوربي ولا يمكن أن تكون صادقة في تعاونها مع قحت وهي تدرك أن نهجها يختلف عن النهج الأمريكي. أمريكا تملي شروطها على الحكومة لتحقيق أهدافها الخاصة. غزل المدنيين للجيش بأنه لا توجد لهم مشكلة مع الجيش ومشكلتهم تنحصر مع قيادة الجيش المقصود من ذلك هو احداث الفتنة والوقيعة بين قيادة الجيش وقاعدته. أمريكا تدرك أن الحكومة ليست حكومة مدنية منتخبة ولكنها تتعامل معها لتحقيق أجندتها الخاصة بتفكيك الجيش والأجهزة الأمنية التي عرقلت وعطلت مخططها لتقسيم السودان ولهذا أصبحت تسعى في أن يكون السودان في حالة ضعف دائمة ومستمرة وفي حالة صيرورة (فترة انتقالية، حكومة انتقالية، دستور انتقالي…الخ). أمريكا تدرك أن الجيش هو صمام الأمان وله دور في الحياة السياسية ولا يمكن لأي كائن من كان أن يبعده من المشهد السياسي في الحاضر أو المستقبل. نعم للجيش وصاية لحماية السودان وهي وصاية قانونية ودستورية وعلى الذين يكابرون في ذلك أن يبادروا بدعوتهم للشارع الذي يتقوون به وأن يدعوه لحمل السلاح والتوجه للجبهة الشرقية لحماية السودان من الغزو الخارجي وحينها ستنكشف البطولات الوهمية والادعاءات السياسية الجوفاء و(الموية تكذب الغطاس). الجيش يبنى بالسياسة وليس بالميزانيات السنوية المعجزة وقحت تكره الجيش فكيف يمكن لها أن تقوم بتطويره!! استغرب كثيراً للذين ينادون بالالتزام بالوثيقة المزورة وهل يمكن لحكومة تزور دستورها أن تكون مؤتمنة على أمن وسلامة البلاد!! هنالك تقارير استخبارية اسرائيلية كشفت عن أن هنالك مخطط للاطاحة بالمكون العسكري المشارك في الحكومة. تشارك في هذا المخطط قوى الحرية والتغيير بالتنسيق مع مليشيات عسكرية مستغلين تواجد بعثة الأمم المتحدة لدعم الفترة الانتقالية لتفكيك المؤسسات العسكرية في السودان وبناء أخرى بديلة لها تابعة لقوى الحرية والتغيير. القصد من تغيير العقيدة العسكرية كشفه احد المتنفذين بحقت بقوله: (التوافق على العقيدة العسكرية المؤمنة بالتحول الديمقراطي والتبادل السلمي للسلطة والعلاقة بين المدنيين والعسكريين) هذا القول يحول العقيدة العسكرية لعقيدة سياسية ويعبر عن عدم فهم للعقيدة العسكرية حيث ان العقيدة العسكرية هي جوهر العقائد الاخرى للبلاد كالعقيدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكل تلك العقائد تبنى وتؤسس لتحقيق العقيدة العسكرية وبتحقيق العقيدة العسكرية يتحقق الامن القومي السوداني. هذا مؤشر قوي على أن إصلاح الأجهزة الأمنية الذي تتبناه قوى الحرية والتغيير يتم على أسس سياسية بحتة. لا علاقة لتغيير رئاسة مجلس السيادة بالأزمة الحالية كما يدعي الافاكون لأن العسكريين لا يرغبون اصلاً في رئاسة شرفية وقبولها تم بتأمين الثورة ويؤكد ذلك أن حميدتي قد تقدم باستقالته ثلاث مرات من مجلس السيادة. أمريكا وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي دائماً يرفعون سقوف الدين حتى تتسنى لهم السيطرة على مقدرات الشعوب. زيارة رئيس مجموعة البنك الدولي للسودان تعبر عن فرحته وسعادته بخضوع السودان لسياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بصورة فاجأتهما الإثنين معاً فاصبحا يطالبان بالمزيد. الشعب السوداني يرفض تهديد المجتمع الدولي وأمريكا بفرض العقوبات عليه لأن ذلك يعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية. تعليق الحكومة فشلها على شماعة الفلول وعلى العسكريين غير مجدي وينبغي عليها ان تنهض بمسؤوليتها أن كانت قادرة على ذلك. الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تعطي حقوقاً متساوية لكل المواطنين في ادارة شؤون بلادهم والوثيقة الدستورية المزورة التي كشفت تزويرها الإعلامية النابهة لينا يعقوب ووزير العدل الذي صرح بانه تسلم نسختين من الوثيقة يختلف عدد المواد فيهما. هذه الوثيقة المزورة اقصت قوى كبيرة من المشاركة في ادارة الشأن العام وسلمت السلطة لاقلية بلا قاعدة جماهيرية. اتفاقية السلام التي نصت على أن أي نص في اتفاقية السلام يتعارض مع نصوص الوثيقة فان نص اتفاقية السلام هو الذي يسود. لا أدري كيف يتم ذلك ومتى اصبحت الاتفاقيات السياسية تعلو على الدساتير!! هذا لا يمكن أن يحدث إلا في هذا الزمن الردئ وهذا يعني ان اتفاقية السلام قد ضربت آخر مسمار في نعش الوثيقة المزورة. الوثيقة في نصوصها نصت على عدم اجراء اي تعديلات عليها إلا بثلثي أعضاء المجلس التشريعي وقد تم تعديل الوثيقة لمعالجة غياب المجلس التشريعي وهذا يعني ان الوثيقة الدستورية قد اصبحت غير صالحة كمرجعية قانونية لادارة الفترة الانتقالية وما بني على باطل فهو باطل. الحكومة الانتقالية موقتة ولا تحظى بالاعتراف الدولي الكامل بها ولا توقع معها الحكومات اتفاقيات استراتيجية ومع كل ذلك ينادي رئيس الوزراء بتمديد الفترة الانتقالية كما ينادي احد أعضاء مجلس السيادة من المكون المدني بتمديد الفترة الانتقالية لمدة عشرة سنوات كما ينادي متنفذ آخر من من قوى الحرية والتغيير بتمديدها لخمسة عشر سنة حتى يكون السودان في حالة صيرورة وضعف مستمرة. خلال الأزمة الأخيرة صرحت لجنة التفكيك انها ستشرع فوراً في تسريع اجراءات اصلاح المنظومة العسكرية متجاوزة الوثيقة الدتسورية المزورة ويعكس تجاوزها للقانون احتلالها لبرلمان ولاية الخرطوم. اصرار وتمسك المدنيين باصلاح القوى العسكرية والاجهزة الأمنية بالرغم من أن الوثيقة المزورة تعطي هذا الحق للعسكريين فقط يعبر هذا القصد عن نوايا عدوانية تستهدف الأجهزة الأمنية. مؤخراً كشف القصد من هذا الاصرار على إصلاح الأجهزة الأمنية المستشار السياسي لرئيس الوزراء بدعوته لتجنيد اللآف من شباب الثورة الذين شاركوا في نجاحها. لجنة التفكيك سميت بروح الثورة لأنها هي التي تحقق تفكيك الأجهزة الأمنية. لجنة التفكيك استعدت الجيش والأجهزة الأمنية والسلطة القضائية والنيابة العامة واليوم اصبحت تقف في مواجهة القضاء وهي لجنة سياسية كما صرح بذلك رئيسها المناوب ولا أدري كيف اصبحت لجنة قانونية تحيل القضاء الذين يطبقون القانون. خلاصة القول: حكومة الفترة الانتقالية ليست حكومة مدنية منتخبة ولا تنطبق عليها شروط القانون الدولي والاتفاقيات والمعاهدات الدولية لتعريف المدنية. ختاماً: اسأل الله أن يحفظ الوطن الجريح بفعل بنيه الطامعين في السلطة بلا فكر وبلا وعي سياسي ورحم الله من قال إن الفكر المتخلف أكثر خطورة على الاستراتيجية من السلاح المتخلف. وبالله والتوفيق.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...