(شهادتي لله)
الهندي عز الدين يكتب :
كيف تستمر هذه الحكومة المهترئة ؟!
– هل تظنون الحُكم ترديداً لأغاني “مصطفى سيدأحمد” ونحيباً في تأبين “القدال” وتسلقاً لمقطورات قطار “عطبرة” ؟!
– ماذا قدمت أمريكا وأوربا لأفغانستان بعد عشرين عاماً من الاحتلال؟ تركوها خراباً يباباً لا تستطيع إدارة مطارها الوحيد.
– على مجلس السيادة حل حكومة الرجل (الثلجي) فوراً وإلغاء مسار الشرق وفتح الطريق القومي
احتشدت قاعة الصداقة وحدائقها بالخرطوم نهار (السبت) الماضي ، بالآلاف من مناصري حاضنة سياسية جديدة لحكومة الفترة الانتقالية ، تضم قوى سياسية وأكبر الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام (حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي و حركة العدل والمساواة التي يتزعمها دكتور جبريل إبراهيم).
و عكس ما توقعنا بأن يكون جمهور حفل التوقيع على ميثاق التوافق الوطني لتوحيد (قوى الحرية و التغيير) سواده الأعظم من عضوية الحركتين، فوجئنا بمشاركة واسعة من طوائف مختلفة تمثل المجتمع التقليدي في شمال و وسط السودان، في مقدمتهم زعماء الإدارات الأهلية و مشايخ الطرق الصوفية، وهو القطاع الكبير والمهم الذي تجاهلته عمداً قوى (اليسار) التي تشكل التحالف الحاكم في حكومة الدكتور عبدالله حمدوك !
في مخاطبة حشد القاعة، أعلن زعماء التكتل السياسي الجديد موقفهم الرافض بشدة للسلوك السياسي والتنفيذي لشركائهم في الحكومة الانتقالية، حيث جدد كل من مناوي وجبريل موقفهم المناهض لمجموعة المجلس المركزي (حزب الأمة القومي، حزب المؤتمر السوداني، حزب البعث العربي الإشتراكي الأصل والتجمع الاتحادي ومنظمات مجتمع مدني) في ما يتعلق بالعدالة الانتقالية، وعلى وجه الخصوص منهج لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو التي تجمع سلطات الشرطة والنيابة و القضاء في مفارقة واضحة وتجاوز سافر لقواعد العدالة وأسس دولة القانون في كل دول العالم الديمقراطي المتحضر.
نادى قادة التحالف الجديد بتكوين المجلس التشريعي، وتشكيل المحكمة الدستورية، واستقلال النيابة العامة والقضاء بعيداً عن التدخلات السياسية. كما طالبوا بتوسيع قاعدة الحكومة الانتقالية ومراجعة التعيينات التي تمت بعد الإطاحة بالنظام السابق، وفك احتكار ما أسموها (مجموعة الأربعة) للقرار السياسي بالبلاد.
و بهذا الإعلان السياسي الجديد، تبدو الصورة قاتمة، والمشهد بالغ التعقيد، فرئيس الحكومة “حمدوك” يرأس مجموعتين متحاربتين متنافرتين داخل مجلس الوزراء ، الأولى بقيادة وزير رئاسة مجلس الوزراء “خالد عمر -سلك” وتضم وزراء الخارجية ، الصناعة ، الزراعة ، التعليم العالي ، الإعلام وأخرى.
المجموعة الثانية يتصدرها وزير المالية والاقتصاد الوطني “جبريل إبراهيم” مع عدد من الوزراء من بينهم وزير المعادن و وزير الرعاية الاجتماعية ومديري مؤسسات حكومية مهمة مثل “مبارك أردول” مدير شركة الموارد المعدنية ، بينما يتبع وزيرا الدفاع والداخلية للمؤسسة العسكرية وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية.
وتفقد الحكومة بإعلان السبت، تعاون حاكم إقليم دارفور “مني أركو مناوي” الذي يحكم (5) ولايات، ولاة بعضها من الحاضنة الأولى في صورة ثانية للتشاكس المحتمل في إقليم ظل يعاني ويلات الحرب منذ العام 2003م.
ويمثل خروج إقليم شرق السودان (ولايات القضارف، كسلا والبحر الأحمر) عن سيطرة الحكومة الانتقالية واغلاق الطريق القومي لنحو أسبوعين، حالة إرباك أخرى، تهدد وحدة البلاد وتخنق بقية الولايات بإغلاق موانيء نقل الركاب وبضائع الصادر والوارد وفي مقدمتها الدواء والقمح والمحروقات.
حكومة “حمدوك” إذن منقسمة على اثنين، و لا تملك السيطرة و التواصل مع شرق وغرب السودان، فضلاً عن دعوات متلاحقة لإغلاق طرق ولايات الشمالية ، الجزيرة وغرب كردفان ، في ظل وضع اقتصادي بالغ السوء وارتفاع خرافي في أسعار المواد الغذائية والوقود والمواصلات، و تصاعد غير محتمل في فواتير العلاج و رسوم المدارس و الجامعات الخاصة ، وكساد في الأسواق لضعف القوة الشرائية، وركود عام في الحركة التجارية ، ما اضطر عشرات الآلاف من المواطنين إلى الهجرة بأعداد متزايدة إلى الخارج.
فكيف تستمر حكومة بهذا المستوى من الانقسام والعجز والفشل في تولي أمر البلاد والعباد ؟!
هل تستمر فقط استجابةً لتصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أو النرويجية؟!
ماذا قدمت أمريكا وفرنسا والنرويج لشعب السودان حافزاً على ثورته وتوقه للحرية والديمقراطية ؟
إعفاءات لديون على الورق تدخل مرحلة النفاذ بعد ثلاث سنوات !! هل تحسن الوضع في السودان أم تدهور؟
كانت قطعة الخبز بجنيه واحد ، فصارت بعشرين جنيهاً بعد الثورة ، فأين هي فرنسا والنرويج و الإدارة الأمريكية من مجاعة سنة 21 في السودان ؟
لا تنتظروا من هؤلاء (الخواجات) شيئاً ، لو كان عندهم ما يقدمونه غير فُتات القروض والمنح ، لكانت أولى به دول جنوب السودان، مولودهم الشرعي الذي ألقوه في اليم ، ثم فرضوا عليه العقوبات ليغرق !
و لو كانوا يصنعون تنميةً، لصنعوها في “أفغانستان” التي احتلوها عشرين عاماً ثم تركوها خراباً يباباً ، تعجز عن إدارة مطارها الوحيد !!
يا سادتي .. إن حال بلادنا مأساوي .. ولا يبشِّر بخير في عهد (القحاتة الأربعة) ، وخامسهم “حمدوك” !!
كيف يمكن أن يرأس هذا الرجل حكومةً وطنيةً نشأت عن ثورة شعبية ، وهو لا يملك القدرة على الحوار ، ولو عبر الهاتف ، مع زعماء إقليم مثل شرق السودان ؟! كيف يمكن لعاقل أن يتمسك برئاسة هذا الرجل (الثلجي) الغائب لحكومة تحيط بها النيران من كل جانب ، وهو متحصن في ثلاجته (الكندية) ، لا يعنيه ما يدور حوله !!
ومما لا شك فيه ، أن هذا الواقع السوداوي المحزن ، لا يشجع العسكريين على تسليم رئاسة مجلس السيادة لمدنيين يفشلون في الحوار مع ناظر قبيلة، ويعجزون عن التوافق مع وزير ماليتهم وأهم حكام الأقاليم !!
هل تظنون الحُكم ترديداً لأغاني “مصطفى سيدأحمد” ونحيباً في تأبين “القدال” وتسلقاً لمقطورات قطار “عطبرة” ؟!
الحُكم ليس نزهةً يا أحباب ، ولا هو إغلاق طرق و (صبّة) و متاريس، بل هو عمل قاسٍ ومضن، تلزمه الشِدة والمعرفة والتعب و وصل الليل بالنهار ، وتعوزه الخبرة و الحكمة واللين في مواضع اللين والأناة.
الحُكم ليس صراخاً وعويلاً وهتاف .. وحكم السودان دون غيره من سائر البلاد ، يُضعِف القوي الأمين و تنوء عن حمله الجبال.
والحال على هذا المنوال ، لا يستقيم استمرار هذه الحكومة المسخرة ، بهذا الوضع المختل أسبوعاً واحداً ، فاستمرارها تهديدٌ لوحدة السودان وتجويعٌ لشعبه.
إن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تحتِّم على رئيس و أعضاء مجلس السيادة، المسارعة إلى إعلان حل هذه الحكومة المهترئة فوراً ، وإعادة تشكيل مجلس السيادة ونقل السيد “حمدوك” إلى قائمة عضويته ، وترشيح كفاءة وطنية مستقلة لرئاسة حكومة خبرات مدنية ، وحل لجنة التفكيك واستبدالها بمفوضية محاربة الفساد، وإلغاء مسار شرق السودان وفتح الطريق القومي إلى بورتسودان ، مع التشدد في منع وتجريم سلوك الاحتجاج السلبي بإغلاق الطرق الداخلية والقومية وتعطيل مصالح المواطنين ، فقد مضى زمن (التروس) وحان وقت العمل.