انتقال البرهان وإعادة هيكلة الإدارة الاتحادي

جه الحقيقة

إبراهيم شقلاوي

يشهد السودان في الآونة الأخيرة تحولات استراتيجية هامة على الصعيدين العسكري والإداري، تزامنًا مع تقدم القوات المسلحة في استعادة السيطرة على ولاية الخرطوم من قبضة مليشيا الدعم السريع. وتتمثل إحدى أبرز هذه التحولات في نقل مقر عمل رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى محلية كرري في ولاية الخرطوم، وربما قريبا الي القصر الجمهوري الذي تم استرداده أمس الجمعة في خطوة تعكس تغيرات جوهرية في آليات إدارة البلاد في خضم الحرب الحالية.

تستعد القيادة السودانية بحسب وكالة السودان للأنباء “سونا” للانتقال إلى هذا المكتب الجديد في كرري، حيث من المتوقع أن يمارس البرهان جزءً من مهامه الرسمية من هناك، جنبًا إلى جنب مع متابعة العمليات العسكرية في أم درمان وبورتسودان.

ففي أم درمان، سيركز البرهان على تنسيق العمليات العسكرية والإشراف على إمدادات القوات المسلحة وحركة الطيران الحربي، في حين سيتولى من بورتسودان إدارة الملفات الأمنية الحساسة واستقبال المبعوثين الدوليين والمسؤولين الأمميين. هذه الخطوة تمثل تحولًا لافتًا في مركزية اتخاذ القرار، حيث يُعزز تواجد البرهان في مناطق قريبة من خطوط المواجهة والتحديات الأمنية. هذا الانتقال الإداري يتزامن مع خطوات ملموسة على أرض الواقع في ولاية الخرطوم، حيث تعمل حكومة الولاية على إعادة إعمار ما دمرته الحرب.

من أبرز هذه الجهود لقاء والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، الاسبوع الماضي مع وزير التنمية العمرانية والطرق والجسور، صلاح حامد إسماعيل، لبحث إعادة تأهيل البنى التحتية، وخاصة الجسور التي تعرضت للتدمير. وتشير هذه الجهود إلى أن ولاية الخرطوم، التي شهدت تدميرًا واسعًا خلال الحرب، بدأت تشهد تحسنًا في استقرار الأوضاع الأمنية في العديد من محلياتها، مما يتيح فرصة للعودة الطوعية للمواطنين واستئناف عمليات الإعمار.

من جهة أخرى فإن عودة الوزارات الاتحادية لمباشرة أعمالها في الخرطوم، كما يظهر في قرار وزارة التنمية العمرانية والطرق والجسور كأول وزارة اتحادية تبدأ في مباشرة عملها من الخرطوم، يعكس رغبة الحكومة في استعادة هيبة الدولة المركزية وتعزيز تنسيق الجهود بين الحكومة الاتحادية وحكومة الولاية.

هذه التحركات تعتبر رسالة قوية على أن الحكومة السودانية، رغم التحديات الأمنية واللوجستية، تسعى لإعادة ترسيخ حضورها في العاصمة الخرطوم وتقديم الخدمات للمواطنين، بما في ذلك إتمام أعمال الصيانة والتأهيل التي تهم الحياة اليومية. خطوة انتقال البرهان إلى كرري إلى جانب الجهود المبذولة لإعادة تأهيل الخرطوم، تحمل دلالات عميقة في بسط الأمن في ولاية الخرطوم. يمكن فهمها على أنها خطوة لتعزيز السيطرة الأمنية على العاصمة، وإرسال رسالة للمواطنين بأن الدولة قادرة على توفير بيئة آمنة ومستقرة. كما أنها قد تسهم في تحفيز المواطنين المهجرين على العودة الطوعية إلى مناطقهم، حيث يُتوقع أن يعزز تحسن الأوضاع الأمنية والبنية التحتية المتجددة الثقة في قدرة الحكومة على إعادة الحياة إلى طبيعتها.

كذلك عودة الوزارات الاتحادية، وفي مقدمتها وزارة التنمية العمرانية تشير هذه التحولات إلى أن الحكومة السودانية تسعى جادة لتحقيق التوازن بين الأمن والتنمية، حيث تأتي الخطوة في إطار خطة متكاملة تهدف إلى تثبيت مظاهر الدولة واستعادة حضورها الفعلي في العاصمة. فاختيار كرري لتكون مركزًا إداريًا جديدًا، بالتوازي مع التحركات لإعادة الخدمات الأساسية، يعكس إصرار الحكومة السودانية على دمج المسار العسكري بالإداري، وخلق بيئة مواتية لعودة مؤسسات الدولة تدريجيًا إلى ممارسة عملها من عاصمة البلاد السياسية.

وفي هذا السياق تصبح رسالة الحكومة واضحة، إذ لا يقتصر الأمر على العمليات العسكرية في الميدان، بل يمتد ليشمل تحفيز بقية الوزارات والهيئات الاتحادية لاتخاذ خطوات مماثلة، استعدادًا للعودة إلى العاصمة والمباشرة في تسيير دولاب العمل الحكومي.

كما يُنتظر أن تحذو بقية المؤسسات حذو وزارة التنمية العمرانية، مع دعوة موظفي الدولة للتهيؤ للعودة إلى مقار عملهم، خاصة عقب عطلة عيد الفطر المبارك، التي ربما تمثل نقطة انطلاق فعلية لهذه العودة.

كذلك يدفع بإعادة هيكلة الوزارات الاتحادية ومهام العمل الموكلة لها ضمن سياقات إعادة الإعمار وعودة الحياة العامة في مركز السلطة والقرار بالخرطوم. وهكذا بحسب ما نراه من وجه الحقيقة الواضح أن معركة الخرطوم تدار اليوم على مستويين متكاملين ميدانيًا عبر العمليات العسكرية التي تفرض الأمن وتؤمن المناطق المحررة، وإداريًا عبر إعادة ترتيب بيت الدولة من الداخل، لترسيخ الاستقرار، وضمان عودة الحياة إلى طبيعتها.

وفي كلا المستويين تشكل هذه التحولات والتي يتقدمها استرداد القصر الجمهوري خطوة ضرورية نحو استعادة الخرطوم كعاصمة ذات حضور قوي، ومركز ثقل سياسي وإداري يليق بمكانة السودان في محيطه الإقليمي والدولي مع تعزيز الأمن واستعادة السلام للسودانيين. دمتم بخير وعافية. السبت 22 مارس 2025 م.

كاتب سوداني

Shglawi55@gmail.com

إبراهيم شقلاويالبرهانالحكومة الاتحادية
Comments (0)
Add Comment