(تقرير) : طريق الأسلحة والمرتزقة من الإمارات للسودان

الزرقاء : التقاط _ تقرير فرانس 24

في الجزء الثالث من تحقيق فريق تحرير مراقبون فرانس24 حول وجود قذائف هاون ذات منشأ أوروبي في السودان، سنلقي الضوء على رجال شاركوا في رحلة نقل هذه الذخائر. ويتعلق الأمر بمواطنين من كولومبيا عرضت وثائق هويتهم في مقاطع فيديو التقطت بالسودان. ومن بينهم، شخص يدعى كريستيان إل الذي يوثق رحلاته عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي. وتزيد المناطق التي سافر إليها في ترجيح فرضية تورط الإمارات العربية المتحدة في نقل تلك الأسلحة أوروبية إلى السودان، في خرق لحظر تصدير الأسلحة إلى هذا البلد.

خلفية مهمة :

في الجزء الثاني من تحقيقنا، بفضل وثائق حصرية، تمكن فريق تحرير فرانس24 من التأكد من طرق نقل قذائف هاون إلى السودان عبر شركة إماراتية تدعى “إنترناشونال غولدن غروب” (International Golden Group)، وتعرف هذه الشركة بتورطها في عمليات تحويل أسلحة إلى شرق ليبيا لصالح قوات المشير خليفة حفتر الحليف الوثيق للإمارات العربية المتحدة.

على الرغم أنه من الصعب تقفي أثر الجزء الأخير من رحلة قذائف هاون بلغارية الصنع في اتجاه السودان، فإن شيئا متوفرا في مقاطع الفيديو التي عرضت قذائف شركة دوناريت البلغارية Dunarit في الصحراء السودانية يمكن أن يساعد على معرفة تفاصيل أكثر عن هذه الرحلة: وتتمثل في وثائق شخصية تعود لرجلين كولومبيين هما كريستيان إل وميغال بي.

لا توجد إلا معلومات قليلة عن ميغال بي على وسائل التواصل الاجتماعي أما كريستيان إل فكان يوثق عبر حساباته يومياته بأدق تفاصيلها، وذلك عبر نشر صور لرحلاته وتمارينه الرياضية. ولم تعد هذه الصور متوفرة في الوقت الحاضر وكل حسابات كريستيان إل على منصات التواصل الاجتماعي إما حذفت أو بات من المستحيل الولوج إليها.

من كولومبيا إلى أبو ظبي مرورا بمطار شارل ديغول في باريس :

في يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر، أشار الشاب المغروم بكمال الأجسام الذي ظهرت وثائق هويته في مقاطع فيديو تم التقاطها في السودان إلى أنه كان عسكريا سابقا في الجيش الكولومبي، ووثق رحلته الأولى من خلال التقاط صورة في مطار رواسي شارل ديغول في العاصمة الفرنسية باريس.

وأظهرت مقاطع فيديو التقطت بعد بضعة أيام بأن كريستيان إل سافر من باريس إلى الإمارات العربية المتحدة. والتقط لنفسه صورا على شاطئ العاصمة أبو ظبي وهي المدينة نفسها التي يوجد بها مقر شركة إنترناشونال غولدن غروب International Golden Group، التي اشترت قذائف هاون بلغارية.

في يوم 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أي قبل أربعة أيام من وقوع وثائقه الشخصية في أيدي المقاتلين السودانيين، نشر كريستيان آل آخر مقطع فيديو له. ونراه من خلال الصور بصدد عبور منطقة صحراوية وسط شمس ساطعة. ويبدو أنه التقط الصور في عربة أثناء السير.

لم يتم التقاط هذه الصور في الإمارات العربية المتحدة، إذ أن جواز سفر كريستيان إل الظاهرة في مقاطع الفيديو الملتقطة من قبل المقاتلين السودانيين يظهر ختم خروج من البلد الخليجي في يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر 2024. وهو ما يعني أن الرجل لم يقم إلا لبضعة أيام في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.

تمكن منصة التحقق من الأخبار الزائفة البريطانية بيلينغ كات Bellingcat من تحديد الإحداثيات الجغرافية لمكان التقاط فيديو كريستيان إل. وقد تم تصويره في ليبيا وبالتحديد في “الجوف” آخر بلدة ليبية في الطريق إلى الحدود مع السودان.

وهو ما يعني بأن كريستيان إل إن كان عند التقاط التسجيل المصور على الحدود الفاصلة بين ليبيا والسودان حيث وقعت وثائقه الشخصية بعد مرور ثلاثة أيام على هذا في يد مقاتلين سوادنيين من القوات المشتركة. وكان كريستيان إل مسافرا مع صناديق تحمل ذخائر بلغارية الصنع موجهة إلى قوات الدعم السريع، وفق رواية المقاتلين السودانيين الذين صوروا الشحنة في يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

علي ترايو هو مستشار ومفاوض لحساب “حركة تحرير السودان”، أكد لفريق تحرير مراقبون فرانس24 جزءا من هذه المعلومات، ويقول موضحا: ” المرتزقة الكولومبيون تم القبض عليهم أو قتلهم على الحدود مع ليبيا، عندما كانوا يعبرون الصحراء. هؤلاء المرتزقة كانوا من الخبراء في الأسلحة، وجاؤوا إلى هناك لتدريب مقاتلي قوات الدعم السريع”.

من جهتها، تحدثت مقالات نشرتها صحف كولومبية، على وسيلة الإعلام المتخصصة في التحقيقات لا سيلا فاسيا La Silla Vacia، عن تواصلها مع جنود كولومبيين خدموا في نفس الوحدات العسكرية لكريستيان إل. ووفق نفس الصحيفة، فإن أكثر من 300 من الجنود الكولومبيين السابقين سافروا إلى السودان لتقديم العون لقوات الدعم السريع، ومروا جميعا عبر الإمارات العربية المتحدة ومن ثم بنغازي في شرق ليبيا، حيث تكفل بهم مقاتلون في صفوف قوات الدعم السريع. شرق ليبيا وبنغازي بالتحديد، حيث سارت مواكب شحنة الذخائر البلغارية هي مناطق واقعة تحت سيطرة نظام المشير خليفة حفتر، الحليف الوثيق مع الإمارات العربية المتحدة في المنطقة. ووفق مصادر تحدثت لوسائل الإعلام الكولومبية، فإن الهدف من هذه العملية كان جمع ما يصل إلى 1800 مرتزق كولومبي على أراضي السودان لتنفيذ مهام قتالية خطيرة.

“إن اكتشف القائمون بالأمر أن أحدا ما قد سرب معلومات، فإنهم كانوا يعطون أوامر بتصفية الحسابات معه في الصحراء” وفق ما كشفه أحد الجنود الكولومبيين رفض كشف هويته في تصريحات لصحيفة لا سيلا فاسيا المحلية.

شركات مرتبطة بالإمارات العربية المتحدة هي من تقف وراء عمليات المرتزقة :

دائما، ووفق صحيفة لا سيلا فاسيا، فإن الجنود السابقين في الجيش الكولومبي تم انتدابهم من قبل شركة كولومبية تدعي “إيه 4 إس آي” “A4SI”. ويتولى إدارة هذا الشركة عسكري كولمبي سابق يعيش في دبي، ومتهم بإقامة علاقات مع شبكات المخدرات الكولومبية. كما من المرجح أنه وقع عقدا ثانيا مع شركة غلوبال سيكيرتي سيرفيس غروب  Global Security Services Group الإماراتية.

وفق وثيقة داخلية من شركة “A4SI” تمكن فريق تحرير مراقبون فرانس24 من الحصول عليها، طلبت شركة الأسلحة من الأشخاص الذين يترشحون للانضمام إليها تقديم معطيات شخصية دقيقة: إذ تم سؤالهم ما إذا كانوا قادرين على “حمل سلاح” أو ما إذا كانت لديهم “خبرة عسكرية” أو مكان وجود وشوم في أجسامهم. وتمنع معظم جيوش العالم وجود وشوم على أجسام مقاتليها أو تتثبت منها على الأقل. وتؤكد هذه المعطيات بأن شركة “A4SI” متخصصة في انتداب مقاتلين وأعوان أمن.

ويكشف تحقيق صحيفة لا سيلا فاسيا الكولومبية بأن كريستيان إل لم يكن يمثل حالة معزولة: فقد شارك عدد كبير من العسكريين الكولومبيين السابقين مثله في القتال في ليبيا ومن ثَمَّ في السودان، عبر العمل لحساب شركتين، الأولى كولومبية والأخرى إماراتية. هؤلاء المرتزقة متورطون في نقل قنابل هاون بلغارية الصنع من ليبيا إلى السودان.

“هناك تحالف غير معلن بين نظام حفتر في ليبيا وقوات الدعم السريع في السودان”

والكفرة هي واحة بالقرب من مدينة الجوف في جنوب شرق ليبيا. وهي المنطقة التي التقط فيها كريستيان إل آخر تسجيلاته المصورة قبل الهجوم على موكب شحنة الأسلحة الذي شارك فيه.

بعد معرفة طريقة وصول الذخائر يتبقى السؤال التالي: ما المجال الذي ستستخدم فيه قذائف الهاون  بعد وصولها إلى أرض السودان؟ تمكن فريق تحرير مراقبون فرانس24 من جمع بعض الشهادات وتسجيلات مصورة التقطها مقاتلون وسكان في مناطق النزاع والتي تسمح بفهم الأثر المدمر لهذا النوع من الذخائر على المدنيين السودانيين. كما يظهر تحقيق فريق تحرير مراقبون فرانس24 أيضا بأن هذه قذائف الهاون بلغارية الصنع وصلت بالفعل إلى ساحات القتال في السودان.

الإماراتالسودانطريق المرتزقةفرانس 24قنابل اوروبية في السودان
Comments (0)
Add Comment