تقرير .. مرتزقة كولومبيون يدربون أطفالاً جنوداً في السودان

بقلم: سانتياغو رودريغيز ألفاريز

أطفال ورجال سودانيون في معسكر تدريب مع مرتزقة كولومبيين في السودان. الصورة: أرشيف خاص.

يقول “سيزار”: “نحن ندرب الأطفال لكي يُقتَلوا”. في الصورة التي التقطها والتي كشفتها لا سيّا فاثيا، نرى شابين ممددين على أرض السافانا السودانية، ينظران إلى الكاميرا مبتسمين ويرفعان علامة السلام بأيديهما.

يتضح بجلاء أنهما طفلان دون سن الثامنة عشرة. وحولهم رجال آخرون مستلقون على الأرض أيضاً، بعضهم يوجّه بنادق كلاشينكوف AK-47. ويبرز في خلفية الصورة رجلان بزي عسكري بلون الصحراء، وهما أيضاً، مثل مصور الصورة، مرتزقة كولومبيون في السودان، مكلفون بتدريب هؤلاء السودانيين على القتال في واحدة من أشرس حروب العالم.

حصلت لا سيّا على الصورة من “سيزار”، وهو الاسم المستعار للعسكري الكولومبي السابق الذي التقط هذه المشهد خلال الأشهر الأربعة التي قضاها مرتزقاً في السودان. حافظ على سرية هويته خوفاً من الانتقام، وأكد أن هذين السودانيين اللذين ابتسما له في تلك اللحظة كانا طفلين دربهما مع مرتزقة كولومبيين آخرين.

“أرسلوني كمدرب في معسكرات التدريب. معسكرات تضم ألفاً أو ألفين وحتى ثلاثة آلاف سوداني للتدريب. كان بينهم أطفال بعمر 10 و11 و12 سنة. وكان هناك أيضاً شباب في العشرينات أو الثلاثينات، لكن الأطفال كانوا كثيرين جداً”، يروي هذا المرتزق.

المعسكر الذي عاش فيه “سيزار” هذه التجربة، وصوّر فيه صوراً وفيديوهات شاركها مع لا سيّا، يقع جنوب مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، ومعقل قوات الدعم السريع في السودان. هذه جماعة مسلحة أشعلت حرباً أهلية منذ عام 2023، وهي التي جندت الطفلين الظاهرين في الصورة.

ارتكبت قوات الدعم السريع أسوأ الجرائم خلال هذه الحرب، بما في ذلك التطهير العرقي في إقليم دارفور والتجنيد القسري للقاصرين، كما وثّقته منظمات دولية ووسائل إعلام عالمية. وقد أسفرت هذه الحرب عن مقتل ما بين 20 ألفاً و150 ألف شخص، وأصبحت أخطر أزمة إنسانية في العالم، حيث يعاني حوالي 20 مليون شخص من الجوع، ونزح نحو 12 مليوناً قسراً.

وكما كشفت لا سيّا، فقد وصل أكثر من 300 عسكري كولومبي سابق، بعضهم مخدوعون، إلى السودان منذ العام الماضي لدعم هذا الطرف عبر عملية مرتزقة عابرة للحدود يطلقون عليها اسم “ذئاب الصحراء” أو Desert Wolves.

تقود هذه العملية شخصية كولومبية هي العقيد المتقاعد من الجيش الكولومبي ألفارو كيخانو، بالتعاون مع شركة أمنية إماراتية تدعى Global Security Service Group (GSSG). ومالك هذه الشركة هو الإماراتي محمد حمدان الزعابي، الذي يملك صلات مع دول حليفة للإمارات في إفريقيا، حيث قدم أيضاً خدمات “تدريبية”.

ورغم التقارير الصحفية حول هؤلاء المرتزقة الكولومبيين في السودان وتصريحات الرفض من الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، فإن العملية العابرة للحدود ما تزال مستمرة. والآن بات الكولومبيون متورطين في جريمة حرب: تجنيد وتدريب الأطفال على القتال.

نيالا: معقل قوات الدعم السريع حيث يُدرَّب الأطفال

وصل “سيزار” إلى نيالا مطلع هذا العام وغادرها قبل بضعة أسابيع. لم يُخدع للذهاب إلى السودان، لكنه لم يكن يعلم كل التفاصيل. كان يعرف أنه سيقاتل إلى جانب قوات الدعم السريع، لكنه لم يتوقع أن يضطر إلى تدريب الأطفال، وهو أمر وجده “قبيحاً”، لكنه قام به طالما كان يتلقى راتباً.

“كنا جميعاً هناك نتحدث عن الأمر: يا لحسرة على هؤلاء الأطفال. لأنهم يُقتلون بسرعة في الجبهة”، يقول “سيزار”. لكنه يبرر ذلك بعقلية أكثر قسوة وبراغماتية: “يجب تدريبهم، للأسف هذه هي الحرب”.

منذ أن ترك المدرسة في كولومبيا، عاش “سيزار” جندياً. خدم بضع سنوات في الجيش الكولومبي، ثم ذهب كمرتزق إلى الجيش الأوكراني ليقاتل روسيا، حيث كان على الجبهات عدة مرات.

لكنه غادر بعد أن رأى كثيراً من الكولومبيين يسقطون قتلى. كما أخبره صديق بوجود عمل في إفريقيا كمرتزق، وهو بالنسبة له أقل خطورة من الجبهة الأوكرانية.

“بحثت قليلاً على الإنترنت عن قوات الدعم السريع. عرفت ما يجري وقلت عادي، أنا جئت من أوكرانيا وكنت بحاجة للعمل”، يقول. وبحسبه، كثير من العسكريين الكولومبيين يغادرون أوكرانيا للبحث عن جبهة “أقل صعوبة” في السودان.

كانت المهمة الرئيسية لـ”سيزار” في السودان تأمين مدرج مطار نيالا.

“إذا سيطروا على المدرج، الكل هناك انتهى”، يقول المرتزق.

من خلال هذا المدرج تصل الطائرات التي تنقل المرتزقة الكولومبيين من ميناء بوصاصو في الصومال، الذي يسيطر عليه الإماراتيون ويعد محورياً في هذه العملية. كما تدخل عبره الأسلحة والإمدادات.

في فيديو صوره “سيزار”، يظهر طائرة تهبط على مدرج نيالا. وتمكنت لا سيّا عبر التحليل الجغرافي من تأكيد أن الفيديو من مطار نيالا، إذ تتطابق الجبال في الخلفية مع صور الأقمار الصناعية المتاحة على “غوغل إيرث”.

هذا المدرج مهم أيضاً في العمليات الهجومية: تنطلق منه طائرات مسيرة عملاقة عالية التقنية للاستطلاع والقصف على مدن مثل الفاشر والخرطوم وبورتسودان. في فيديو آخر بعد قصف من الجيش السوداني، يظهر درون صيني من طراز CH-95 أو FH-95، مع الجبال نفسها في الأفق.

قبل حراسة المدرج، كان “سيزار” مكلّفاً بأحد أربعة معسكرات تدريب حيث يعمل الكولومبيون كمدربين، على بعد عشرات الكيلومترات من نيالا. ويقع المعسكر الذي كان فيه على بعد أكثر من 30 كم جنوب المدينة، قرب قرية تدعى بولبول تمبسكو، وفق النقطة التي حفظها على خرائط غوغل.

يدوم التدريب عادة 4 إلى 5 أسابيع، من الثامنة صباحاً حتى الرابعة مساءً، من السبت إلى الخميس (والجمعة عطلة). وكان كل معسكر يضم ما بين 1,000 و3,000 سوداني، ويشرف عليهم بين 50 و70 مرتزقاً كولومبياً.

“نعطيهم التدريب الذي نعرفه في كولومبيا، شبيه بتدريب حرب العصابات. نعلمهم استخدام الأسلحة: بنادق هجومية، رشاشات، دراغونوف للقناصة، وRPG (قاذفات صواريخ). نعلمهم إطلاق النار وفك وتركيب هذه الأسلحة. وبعد ذلك يُرسلون إلى الجبهة”، يروي “سيزار”.

كان السودانيون يتدربون بملابس بسيطة: نعال بلاستيكية وملابس رياضية وقمصان كرة قدم قديمة.

“حين كثرت خسائر المحليين، قالوا إنهم يحتاجون تدريباً أفضل. عندها بدأوا ببناء هذه المعسكرات”، يقول المرتزق.

لم يتكبد المرتزقة الكولومبيون خسائر كبيرة لأنهم يعملون باحترافية أكثر، رغم مقتل كولومبي مؤخراً في الفاشر.

“قلنا لأنفسنا: طالما نحن هنا، يجب تدريبهم. إن لم نفعل سيموتون بسهولة. صحيح أنه أمر قبيح، لكن بعد 20 يوماً معهم تبدأ تحب هؤلاء الصغار”، يعترف “سيزار”.

وراء العملية: سوداني وإماراتي وكولومبي

لا يعمل المرتزقة الكولومبيون ورجال قوات الدعم السريع في نيالا بمفردهم في تجنيد الأطفال وتدريبهم. إنهم يعملون مقابل أموال تدفعها شركة كولومبية تتعاقد مع شركة إماراتية لإرسال دعم لقوات محمد حمدان دقلو (حميدتي).

حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، شارك في انقلاب 2021 الذي جعله الرجل الثاني في السلطة، ثم انقلب عام 2023 على شريكه السابق الجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس السودان الحالي.

يروي “سيزار” أن شخصية حميدتي كانت حاضرة في كل مكان:

“كانوا يجبرونهم على وضع صورته في واتساب”، يقول.

لكن بالنسبة للمرتزق، لم يكن للسودانيين هذه القوة دون أموال الإماراتيين. تقرير في نيويورك تايمز كشف أن حميدتي حليف للإمارات، خاصة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، مالك نادي مانشستر سيتي. وتقول تقارير الاستخبارات الأمريكية إنه أرسل طائرات مسيرة وأسلحة تحت غطاء المساعدات الإنسانية.

كما أن العلاقات بين كولومبيا والإمارات تزداد متانة منذ ثلاثة عهود، مع عقود لحماية منشآت الطاقة هناك. واستخدمت عائلة غيلينسكي صندوقاً مملوكاً للعائلة الحاكمة لشن هجمات استحواذ على مجموعة الأعمال الأنطاكية. وفي عهد بيترو، أصبحت الإمارات شريكاً رئيسياً في مشروع مركز بيانات وذكاء اصطناعي في سانتا مارتا.

في السودان، يعتمد وجود المرتزقة الكولومبيين على شركة GSSG، المملوكة لمحمد حمدان الزعابي. وقد ذكر اسمه في تقرير نيويورك تايمز عام 2019 كمالك شركة تقوم بدعاية مؤيدة للجيش السوداني. كما ظهر في أوغندا في صورة مع قائد الجيش يشكره على دعم تدريب القوات المسلحة الأوغندية.

بحسب “سيزار”، كان تأثير الإماراتيين واضحاً. قبل دخول السودان، نُقل هو و40 كولومبياً آخر إلى قاعدة قرب أبوظبي لتعلم قيادة الطائرات المسيرة، خاصة بيرقدار التركية، رغم أن الدرون الذي صوره في نيالا كان صينياً من طراز CH-95 أو FH-95.

أخيراً، هناك شخصية رئيسية أخرى: ألفارو كيجانو، العقيد الكولومبي المتقاعد الذي يعيش في الإمارات ويقود العملية. زوجته كلوديا فيفيانا أوليفيروس هي المالكة الرسمية لشركة A4SI في كولومبيا، لكنها مجرد واجهة حسب كل الشهادات.

ويتهم المرتزقة كيجانو بعدم دفع الرواتب كاملة (2,600 دولار شهرياً)، وفرض خصومات تعسفية، وإجبارهم على دفع تكاليف عودتهم إذا احتجوا.

ولتجنب التسريبات، منع كيجانو إدخال الهواتف المزودة بكاميرات إلى السودان، ويجري تفتيش الأجهزة في الصومال باستمرار. كما غيّر اسم الشركة إلى فينيكس (Fénix). وهناك أيضاً شركة أخرى مرتبطة تدعى Global Staffing S.A. مسجلة في بنما وترتبط مباشرة بكيجانو

قناو الزرقاءكولومبيامرتزقة
Comments (0)
Add Comment