شقلاوي يكتب : الموسم الزراعي الصيفي قضية أمن قومي

وجه الحقيقة

إبراهيم شقلاوي

 

لم تكن التحديات التي تواجه الزراعة في السودان بمعزل عن التحولات السياسية والأمنية التي عصفت بالبلاد منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، حين أقدمت مليشيا الدعم السريع، بدعم داخلي وإقليمي، على إشعال الحرب التي ألحقت أضرارًا مباشرة ببنية الاقتصاد الوطني. ولم يكن مشروع الجزيرة كأكبر مشروع زراعي في السودان 2.2 مليون فدان ، بمنأى عن هذه التداعيات، حيث تحوّل إلى مسرح للاعتداءات والانتهاكات، من نهب وتخريب متعمد للبنية التحتية وسرقة التقاوي والآليات الزراعية، ما عطل دورة الإنتاج الزراعية. اليوم، وبعد أن استعادت القوات المسلحة سيطرتها على ولاية الجزيرة وتم تحرير المشروع من قبضة المليشيا، يعود مشروع الجزيرة إلى واجهة الاهتمام الرسمي كأحد ركائز الاقتصاد الوطني. في هذا السياق، جاء لقاء عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام الفريق مهندس إبراهيم جابر مؤخرا بمحافظ المشروع، ليؤكد التزام الدولة بإزالة كافة العقبات التي خلفتها الحرب، مع التركيز على معضلة الري التي تشكل العمود الفقري لضمان نجاح الموسم الصيفي المقبل. التقديرات الأولية للخسائر التي تكبدتها الهيئة العامة لأعمال الري والحفريات بولاية الجزيرة تجاوزت ستة مليارات جنيه سوداني، وفق ما كشفت عنه منظمة “مؤتمر الجزيرة”، شاملة أضرارًا لحقت بالمكاتب والمخازن وورش الحفريات وآليات الري، إلى جانب البنية الأساسية الممتدة من ود مدني وحتى سنار والدندر. الأرقام الواردة تعكس حجم الدمار الذي أصاب المشروع . وبالنظر إلى هذا الواقع، تبدو دعوة اللجنة الزراعية بمنظمة مؤتمر الجزيرة لتسريع وضع خطة طوارئ لإنقاذ الموسم الزراعي بمثابة جرس إنذار مبكر. فالموسم الصيفي لا يواجه فقط أزمة في الري، بل يعاني من إشكالات متراكمة تتراوح بين نقص الآليات الزراعية، وانعدام التقاوي المحسنة، وشح الأسمدة والمبيدات، فضلًا عن فقدان جزء كبير من البنية اللوجستية التي تضررت بفعل الحرب، وهو ما يتطلب تحركًا عاجلًا يتجاوز الحلول الجزئية نحو خطة شاملة تعيد المشروع لدوره المحوري في الاقتصاد يناط بوزارة الري والموارد المائية المسارعة في اعداد هذه الخطة مرحليا لإنقاذ الموسم واستراتيجيا للمعالجات الجذرية. ولا يمكن فصل هذه التحديات الداخلية عن التحذيرات الصادرة إقليميًا ودوليًا، إذ نبّهت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) مؤخرًا إلى تدهور الإنتاج الزراعي في معظم دول القارة الإفريقية نتيجة شح الأمطار وتغير المناخ، مما أدى إلى نقص حاد في الحبوب والمواد الغذائية الأساسية (FAO Report 2024). هذا التحذير يضع السودان، الذي يعاني بالفعل من آثار الحرب، أمام مسؤولية مضاعفة لضمان تأمين إمدادات الغذاء داخليًا وتقليل الاعتماد على الواردات، وهو ما يجعل من إنجاح الموسم الزراعي الصيفي ضرورة تتجاوز كونها مطلبًا اقتصاديًا لتصبح قضية أمن قومي. من الناحية السياسية، فإن قدرة الحكومة على تجاوز هذه المرحلة وتقديم حلولا عملية للمزارعين تُعدّ اختبارًا حقيقيًا لمدى فاعلية وزارتي الري والموارد المائية ووزارة الزراعة في إدارة ما بعد الحرب، خاصة أن استعادة الدورة الإنتاجية لمشروع الجزيرة لا تعني فقط تحقيق الأمن الغذائي، بل تشكّل أيضًا خطوة استراتيجية نحو استعادة ثقة المزارعين، وخلق حالة من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في إقليم شهد نزوحًا واسعًا وتدميرًا للبنية التحتية. يجب على وزارتي الزراعة والري وضع خطة متكاملة تشمل التحضير الجيد بتأهيل قنوات الري، إزالة الأطماء، وصيانة المعابر، إضافةً إلى توفير المعدات الزراعية اللازمة. لإدارة العمليات الزراعية، وهذا يستوجب تواجد كافة العاملين في المشرع بصورة عاجلة مع التأكيد على ضرورة توفير التمويل وفتح الاعتمادات الخاصة بمدخلات الإنتاج الزراعي، بما فيها التقاوي والأسمدة والمبيدات، في وقت مناسب يضمن إنجاح العروة الصيفية. ولا يغيب عن المشهد أن استتباب الأمن في ولايات الجزيرة وسنار بعد دحر المليشيا يفتح نافذة أمل جديدة يمكن استثمارها لتعويض سنوات التراجع. غير أن هذا الاستقرار الأمني وحده لا يكفي، ما لم تصاحبه قرارات جريئة تعيد تفعيل الطاقات البشرية واللوجستية بالمشروع، وتضمن انتظام عمليات الري وفق جدول واضح يراعي التحضيرات العاجلة للموسم الزراعي. هذا وبحسب ما نراه من #وجه_ الحقيقة: يُعد نجاح الموسم الزراعي الصيفي، خاصة في مشروع الجزيرة والمشاريع المروية، تجسيدًا عمليًا لتعافي مؤسسات الدولة واستعادتها لدورة الإنتاج الوطني. وفي هذا الإطار، تضطلع وزارتي الزراعة و الري بدور محوري، حيث يمثل انتظام عملياتهما في التحضير الجيد والإدارة الفاعلة للمياه ضمانة للأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. إن انسياب المياه نحو الحقول، في ظل التحديات الراهنة، ليس مجرد إجراء فني، بل رسالة واضحة على قدرة الدولة على تجاوز تداعيات الحرب، وترسيخ دعائم الاستقرار والتنمية المستدامة. دمتم بخير وعافية. الأربعاء 19 مارس 2025 م

كاتب سوداني .

Shglawi55@gmail.com

إبراهيم سقلاويالسودانالموسم الزراعيقضية أمن قومي
Comments (0)
Add Comment