ضياء الدين بلال
تواصلت معي عبر الخاص طالبة من كلية العلوم الإدارية بجامعة الخرطوم، تُدعى رحمات كمال الدين، ونقلت إليّ تجربتهم كطلاب في إعادة إعمار وتأهيل كليتهم بعد ما لحق بها من تخريب ودمار على يد المليشيا المتوحشة.
وقد جاء في ورقتهم التعريفية:
“هي مبادرة شبابية طلابية واعية، نشأت من داخل قاعات الكلية وأروقتها، وتهدف إلى إعادة تأهيل البيئة المتضررة ماديًا ومعنويًا، من خلال العمل الجماعي، والتنظيم الذكي، والتمويل الذاتي من طلاب الكلية أنفسهم”.
توقفت طويلًا عند السطر الأخير، حيث الرهان معقود على الطلاب وحدهم، لا غيرهم.
هؤلاء الطلاب الذين لا يتقاضى أغلبهم دخلًا، ولا يملكون موردًا سوى ما تجود به أسرهم التي أرهقتها الحرب وشردتها بين نازح ولاجئ.
قلت في نفسي:
وأين مئات الآلاف من خريجي جامعة الخرطوم؟ !
أولئك الذين نالوا تعليمهم فيها ويتقلدون اليوم أرفع المناصب في أنحاء العالم، ويستحقون ما ينالونه من امتيازات بفضل كفاءتهم وتفوقهم أليسوا هم الأولى لمثل هذه المبادرات النبيلة؟!
أليس ما أنفقه الشعب السوداني على تعليمهم يستحق أن يُرد له جزء من الجميل، لا أن يضيع هدرًا في مهب رياح السياسة والنزاع العقيم.
لو أن كل خريج تبرع مرة واحدة فقط بما يعادل مئة دولار، لنهض هذا الصرح التعليمي التاريخي، وعاد إلى ما هو أفضل مما كان عليه.
ولو أن المبادرة امتدت إلى خريجي الكليات والمعاهد الأخرى في كل الجامعات السودانية —الطبية والهندسية والتقنية والتربوية—لشهدنا أثرًا ملموسًا في إعادة تأهيل مؤسسات الدولة المنهارة.
اطلعت أيضًا على مبادرة مشابهة أطلقها خريجون من جامعة الجزيرة، تسير في الاتجاه ذاته، وتعكس روح المسؤولية والالتزام الوطني.
لقد أثبت المجتمع السوداني خلال هذه المحنة أنه أقوى من كل مؤسسات الدولة، وأكثر فاعلية منها.
يكفي أن تنظر إلى قرى ولاية الجزيرة التي دفعت أغلى الفواتير في هذه الحرب، لكنها كانت الأسرع في النهوض وتوفير مقومات الحياة بفضل التضامن والعطاء المجتمعي.
ولا ينبغي التعويل كثيرًا على الدعم الخارجي، فالعالم بعد سياسات ترامب التجفيفية والنهبية لن يجود علينا إلا بالقليل، إن جاد.
أما الحكومات الانتقالية المتنازعة على الكراسي، فأغلب من يصل إليها يأتي ليأخذ لا ليُعطي.
ختامًا، مثل هذه المبادرات الشبابية الصادقة هي بذور أمل في تربة سودانية عطشى للتغيير الحقيقي، ويكفيها أن تؤمن بذاتها فقط لتصنع الفارق الوطني العظيم .