عبدالله إسماعيل يكتب :السودان.. بعد الحرب هل يبدأ فجر جديد؟

رأس الخيط

عبدالله إسماعيل

في الخرطوم، المدينة التي كانت يومًا نابضة بالحياة، تقف المباني نصف المدمرة كشاهد صامت على حرب أكلت الأخضر واليابس. الأسواق التي كانت تعج بالناس تحولت إلى أطلال، والطرقات التي ربطت العاصمة ببقية الولايات صارت ممرات أشباح. لكن وسط هذا الدمار، هناك آمال في مستقبل جديد، لوطن يُعاد تشكيله ليس كما كان، بل كما يجب أن يكون. الخراب ليس النهاية.. إنه نقطة البداية قد يكون من الصعب تصديق ذلك، لكن التاريخ يخبرنا أن بعض الدول لم تُولد إلا بعد أن دُمرت تمامًا. ألمانيا خرجت من الحرب العالمية الثانية أكثر قوة، واليابان أُعيد بناؤها من تحت الركام لتصبح رمزًا للتطور. والسودان اليوم أمام فرصة مشابهة: أن ينهض من تحت الأنقاض، لا ليعود كما كان، بل ليصبح دولة حديثة تقف على أسس جديدة. الحكومة، ولو كان هناك حكومة بالمعنى الحقيقي، ليست قادرة وحدها على حمل هذا العبء. إعادة بناء السودان يجب أن تكون مشروعًا يشارك فيه الجميع، داخل الوطن وخارجه، بجهود شعبية وخطط استثمارية، وبتصور جديد كليًا لما يعنيه أن تكون هناك “دولة”. الاقتصاد.. من أرض الموارد إلى مصنع القارة ظل السودان لعقود دولة تُصدّر المواد الخام دون أن تستفيد من قيمتها الحقيقية. الذهب يخرج في صناديق مغلقة ليُصنع في أماكن أخرى، والزراعة تظل محكومة بأساليب تقليدية تستهلك الكثير وتعطي القليل. الحل ليس في انتظار “مستثمر خارجي” يأتي ليصلح كل شيء، بل في خلق اقتصاد مبني على التصنيع والمعرفة. لماذا لا يتحول السودان إلى مركز تكنولوجي لأفريقيا، حيث تُستخدم الذكاء الاصطناعي والزراعة الذكية لزيادة الإنتاج؟ ولماذا لا تكون هناك مصانع محلية *لتحويل الذهب إلى مجوهرات، والزراعة إلى منتجات غذائية عالية الجودة*، بدلًا من تصدير كل شيء خامًا؟ الحكومة.. أقل تعقيدًا وأكثر كفاءة من أكبر الأزمات التي واجهها السودان لعقود، هي البيروقراطية المترهلة، والفساد الذي جعل كل معاملة إدارية كابوسًا لا ينتهي. في الدول الحديثة، المواطن لا يحتاج إلى أن يذهب لمكتب حكومي للحصول على خدمة، بل يقوم بها عبر هاتفه الذكي في دقائق. لماذا لا يكون السودان أول دولة في أفريقيا تعتمد نظام “الحكومة الرقمية الكاملة”، حيث تتم جميع المعاملات إلكترونيًا، ويُلغى التعامل الورقي تمامًا؟ هذا ليس ترفًا، بل ضرورة. البلد بحاجة إلى قفزة نوعية تجعله يتجاوز مرحلة الإصلاح البطيء، ويقفز مباشرة إلى ما وصل إليه العالم اليوم. التعليم.. صناعة قادة المستقبل منذ الاستقلال، ظل التعليم في السودان نسخة من أنظمة تعليمية وُضعت في عهود الاستعمار، تركز على الحفظ والتلقين أكثر من الإبداع والابتكار. لكن المستقبل لا يحتاج إلى حفظة نصوص، بل إلى مبرمجين، وعلماء ذكاء اصطناعي، وخبراء في الطاقة المتجددة. مدارس السودان وجامعاته يجب أن تتحول إلى *مصانع عقول*، حيث يكون الطالب شريكًا في العملية التعليمية وليس مجرد متلقٍ. يجب أن يكون هناك استثمار حقيقي في البحث العلمي، لا مجرد إنشاء جامعات بلا رؤية. السودان.. بوابة أفريقيا الجديدة الموقع الجغرافي للسودان وحده يجعله مؤهلًا ليكون لاعبًا رئيسيًا في القارة. لكن الموقع وحده لا يكفي. هناك حاجة إلى بنية تحتية تربط السودان بدول الجوار، إلى سكك حديدية تصل بورتسودان بأعماق أفريقيا، وإلى قوانين استثمارية واضحة وجاذبة. إذا تمكن السودان من تطوير موانئه، وإنشاء مناطق حرة تكنولوجية، وتحويل نفسه إلى مركز *تجاري وصناعي*، فإنه لن يكون مجرد دولة أفريقية أخرى، بل سيكون القلب النابض للقارة. هل يبدأ السودان الجديد اليوم؟ السؤال ليس نظريًا، بل عملي جدًا. *النهضة لا تأتي بالتصريحات*، بل تبدأ بخطوات حقيقية: • إطلاق مشاريع الطاقة المتجددة: حتى لا يبقى السودان رهينة لانقطاع الكهرباء. • بناء مدينة ذكية كنموذج: تجربة حقيقية لسودان المستقبل. • إطلاق نظام دفع رقمي: لوقف التلاعب في الاقتصاد. • تحويل الحكومة إلى نظام إلكتروني بالكامل: للقضاء على الفساد والبيروقراطية. هذه ليست أفكارًا طموحة فقط، بل خطط قابلة للتنفيذ إذا وُجدت الإرادة. السودان الآن أمام خيارين: أن يظل رهينة لماضيه، أو أن يقرر القفز إلى المستقبل. الخيار الأول واضح نتائجه، أما الثاني، فهو وحده الذي قد يجعل هذا البلد قصة نجاح جديدة في القارة السمراء. 25 مارس

الحربالسودان بعدبداية جديدعبدالله إسماعيل
Comments (0)
Add Comment