محمد إبراهيم الدسوقي يكتب : زيارة ترامب

محمد إبراهيم الدسوقي

اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن يستهل أولى جولاته الخارجية، بعد توليه الرئاسة في العشرين من يناير الماضي، بزيارة الشرق الأوسط، بغرض تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، وفقًا لما أعلنه البيت الأبيض قبل وصول الضيف الأمريكي إلى السعودية، المحطة الأولى في جولته التي سوف تشمل أيضًا الإمارات وقطر، ووصفها ترامب بأنها ستكون تاريخية.

ولا وجه اعتراض على الهدف المعلن لزيارة ترامب، وهو تدعيم أواصر العلاقات بين واشنطن والعواصم العربية، لكن يلي ذلك طرح تساؤل منطقي وحتمي، متمثلًا فيما إذا كانت الأرضية مهيأة وجاهزة لتحقيق هذه الغاية التي ليست موضع خلاف ونزاع؟

بالتأكيد، فإن أمريكا ورئيسها يوجهان جل تركيزهما وجهدهما ناحية الجوانب الاقتصادية والاستثمارية، التي تشكل الشاغل الأكبر والأهم لهما، وما يرتبط بها من مصالح ومنافع متشعبة ومتشابكة ومتبادلة مع الأطراف المعنية والمنخرطة فيها، وسيحاول ترامب تعظيمها وتوسيع نطاقاتها للحد الأقصى الممكن، بحكم تكوينه كرجل أعمال يبحث دومًا عن المكاسب والصفقات الرابحة، ونظريًا لن تكون هناك عوائق وحواجز تحول دون إتمام ذلك بالصورة المرضية لواشنطن وبقية الشركاء.

لكن بالنظر للجانب العملي ومعطياته الماثلة أمامنا، فإن الأوضاع الجيوسياسية المحيطة بالإقليم والعالم غير مواتية بالمرة لبلوغ الأهداف المرجوة اقتصاديًا وماليًا من زيارة سيد البيت الأبيض للشرق الأوسط الملتهب، وسيكون لها انعكاساتها الأكيدة على المساعي المبذولة بهذا الاتجاه.

ويتصدر هذه الأوضاع، المأساة الإنسانية المروعة في غزة، التي تتعرض لحرب إبادة إسرائيلية وسط صمت دولى تام وغض الطرف عما يرتكبه جيش الاحتلال الإسرائيلي من مجازر ومذابح يومية، يسقط جراءها مدنيون، تعمدت تل أبيب حرمانهم من أبسط وأقل مقتضيات ومستلزمات الحياة الآدمية من مسكن ومياه شرب وعلاج.. إلخ، بل استكثرت عليهم قوات الاحتلال الإسرائيلية الخيام البالية التي يحتمون بها من لهيب الشمس وتقلبات الطقس، وتسعى لتهجيرهم قسرًا وعنوة، دون اكتراث بالقوانين والأعراف الدولية ومسئولية إسرائيل كدولة احتلال.

ما يجري في غزة، والذي يُصر باستماتة رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو، على مواصلته، أدخل المنطقة والعالم في دوامة رهيبة، نتج عنها ليس فقط عدم استقرار سياسي واضطرابات لا تتوقف توابعها، وإنما أيضًا هزات اقتصادية ناجمة عن تأثر حركة الملاحة في البحر الأحمر، جراء هجمات الصواريخ والمسيرات التي يشنها الحوثيون على إسرائيل، من أجل تخفيف العبء الواقع على غزة، وبطبيعة الحال فقد امتدت الارتدادات الاقتصادية للجميع وعصفت بالبورصات وحركة التجارة العالمية.

وساهم ترامب في توسيع نطاق تلك الارتدادات بقراره فرضه رسومًا جمركية أكبر، لإدخال مزيد من الأموال والعوائد إلى الخزانة الأمريكية، وأبدى اقتناعه بأنه كان يتم سرقة الولايات المتحدة جهارًا نهارًا، وأنه حان الوقت لوقف هذا، وتصحيح الأوضاع غير القويمة.

وهو ما تسبب في سجالات وخلافات بين واشنطن وحلفائها ومنافسيها، الذين رد بعضهم برفع الرسوم الجمركية على ما يأتي من بلاد العم سام، وأشهرت الصين، ثاني أكبر قوة اقتصادية، أسلحتها الثقيلة في وجه القرار الأمريكي، وكانت الضحية هي الاقتصاد العالمي برمته.

كل هذا يحدث بينما عالمنا لم يتعافَ بعد من آثار الحرب الروسية الأوكرانية المدمرة، ولم تكتفِ إسرائيل بجرائمها في غزة، بل أضافت إليها محاولات دؤوبة لإشاعة الفوضى وزعزعة استقرار الشرق الأوسط؛ عبر تدخلها وهجومها على سوريا ولبنان، واقتطاع أجزاء من البلدين بحجة إقامة مناطق أمنية لحماية حدودها، بخلاف استهدافها اليمن بالتعاون والتنسيق المشترك عسكريًا مع الولايات المتحدة، وضغطها على واشنطن لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية ما لم توقف طهران برنامجها النووي، الذي تعتبره تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.

فإسرائيل لا تمانع في الزج بالشرق الأوسط وسط جحيم نووي لا يُبقى ولا يذر، فالمهم أن تحقق مبتغاها وتبسط سيطرتها الكاملة على المنطقة دون منافس أو منازع.

إن الدور الأصيل للقوة العظمى الأولى، بخلاف حمايتها مصالحها، هو محاولة المحافظة على السلم والاستقرار، والقضاء، قدر المستطاع، على العوامل المحفزة على التأثير عليهما والإضرار بهما وليس العكس، وعلى الرئيس ترامب التفكير جيدًا في الظروف الكائنة بالإقليم، والسعي لإحلال السلام، حتى يعم الرخاء الاقتصادي على بلاده وعلى الآخرين.

الحخليجبوابة الأهرامزيارة ترامبقناة الزرقاءمحمد إبراهيم الدسوقي
Comments (0)
Add Comment