محمد عبدالقادر
مخطئ من يظن ان الحرب الوجودية التى يواجهها السودان منذ عامين وثلاثة أشهر قد انتهت بتحرير الخرطوم، والجزيرة وسنار وبعض مناطق كردفان، الواقع ان اوار المعركة مازال مشتعلا فى مناطق عديدة تسعى عبرها مليشيا الدعم السريع ومن يكفلها لاعادة الكرة مرة أخرى والعودة لتنفيذ مخططهم الاثم الرامي لاسقاط الدولة المركزية واحتلال البلاد.
الساحة السودانية تعايش ترفا فى تعاطي السياسة هذه الايام ، صرف الجميع عن المواجهة المصيرية، واوجد معطيات بائسة انست الناس حتى اخبار وماسي الحرب.
للأسف الشديد لم تعد اخبار المعارك وتحرير المناطق والمدن هي الشغل الشاغل للسودانيين، اجندة الاعلام الموجه ونزق الساسة والجنرالات المتكئين على الارائك فى مكاتب وفنادق بورتسودان صرف الناس عن مواجهة المليشيا فصعد صراع الكراسي، واجندة الذوات الفانية ومؤامرات مراكز القوى المتنفذة، وتراجع التفكير فى تحرير السودان من جرائم وانتهاكات ومخططات ومؤامرات ال دقلو الخبيثة.
المواجهة المحتدمة والمخجلة حول حقائب حكومة كامل ادريس كانت المقدمة التى كادت ان تمهد لحريق السودان مرة اخرى..
يبدو لي (والله اعلم) ان المليشيا ومناصريها اتخذوا خططا بديلة للحرب على الدولة ، عبر انتهاج تكتيك التسريبات الهادف الى زعزعة الثقة بين اطراف الدولة وأوتاد استقرارها فى كابينة القيادة،
اعجبني مقال كتبه الاستاذ عادل الباز يحذر فيه من الخلافات بين القادة، وينبه الى خطورة نظرية “افراغ الدائرة” المحيطة بالرئيس، ويذكر فيه بما فعله هذا المسلك بالرئيس الاسبق عمر البشير الذى سقط حينما تاكلت دائرة تامين حكمه من القيادات التى تم ابعادها واحدا تلو الاخر حتى وجد نفسه وحيدا فى مواجهة طوفان التغيير.
تابعنا اثناء معركة الحقائب الوزارية التى لم تنجل بعد سلسلة من التسريبات المشككة فى ولاء جنرالات وقرأنا عن مراكز قوى تتصارع لفرض اسماء فى الحكومة الجديدة علاوة على الحديث عن تنقلات، واعفاءات وكانما المعركة قد انتهت وعادت كردفان ودارفور وطردنا اخر مرتزق من مليشيا ال دقلو الارهابية..
خلال اليومين الماضيين دخلت التسريبات دائرة الفريق اول البرهان، عبر شائعات ارادت اشعال النار فى كابينة القيادة، وخلخلة تماسك الدائرة الضيقة حول الرئيس…
ظل جهاز المخابرات العامة يمثل مركز الوعى للدولة، واستطاع ان يلعب دورا محوريا الى جانب أجهزة أخرى فى افشال مخطط الدعم السريع، قيادته ومنسوبوه قدموا تجربة وطنية ملهمة فى كيفية ادارة الحرب والازمات، فكان جهاز المخابرات العامة عبر قيادته الواعية صمام الأمان ، الهم الدولة الثبات، واضاء طريق نصرها بالتخطيط الامني والجهد المخابراتي والعطاء العملياتي البائن، كان مركز التفكير ، وعرين الشهداء والمقاتلين اعطى وما استبقى شيئا، وهو يمارس ادوارا مركزية حققت الممكن وبعض المستحيل .
استطاع جهاز المخابرات ان يحافظ على هيبة الدولة ويحرس خطها الوطني ويعبر عن سيادتها فى أحلك الظروف، وتوالت عبره الفتوحات السياسية والأمنية والدبلوماسية والأقتصادية فى خضم الحرب اللعينة.
تحقق كل ذلك بفضل جهود قيادته ممثلة فى الفريق اول احمد ابراهيم مفضل المدير العام لجهاز المخابرات العامة الذى بعث الجهاز من تحت ركام التفكيك والنسيان، وعاد به الى واجهة الاحداث ماردا عملاقا يسند الجيش فى العمليات ويؤازر الدولة فى الملمات ويعبر عن عزتها وسيادتها ويحرس امنها ويصون وحدتها عبر العديد من الانشطة والبرامج التى جعلت من جهاز الأمن والمخابرات احد الأذرع القوية فى حماية الدولة والحيلولة بينها والسقوط..
حينما ارادوا الانقضاض على الحكم فى السودان ، ورتبوا للحظة التمرد والانقلاب عملوا باكرا على تجريد الدولة من انيابها واظافرها حتى يسهل التهامها، فكانت المؤامرات التى ارادت ان تجعل من جهاز المخابرات العامة “مكتبا” لموظفين يجمعون المعلومات وقوة ناعمة “لاتهش ولاتنش”، ولكن هيهات فقد نهض المارد واستعاد قوته تحت قيادة الجنرال مفضل ومثل خط الدفاع الأول فى اسناد الجيش الى جانب مهامه الاخرى فى الامن والدبلوماسية والاقتصاد وترويض الظروف السياسية بما يتواءم مع احتياجات وطن تتنازعه اجندة الحرب البغيضة.
واليوم يتكرر استهداف جهاز المخابرات عبر الحديث عن تغيير قيادته التى باتت ملمحا اساسيا فى خارطة تماسك اجهزة الدولة، يريدون تجريد الفريق البرهان من أهم اسلحته فى مواجهة الحرب والمتمثلة فى قيادة جهاز المخابرات العامة.. نعم انهم لايستهدفون الفريق مفضل الذى أعلم ويعلمون زهده فى المنصب، فقد عرض بنفسه ان يترجل اكثر من مرة غير انه كان يتراجع نظرا للاحتياج الوطني الملح واستدراكا منه لخطورة احداث اية خلخلة فى كابينة القيادة الامنية…
لا اعتقد ان هنالك شخص سيخلد فى كرسي المسؤولية العامة، فالتغيير سنة الحياة، كما ان الحركة والسكون سمتان ملازمتان للبشر، وهما بيد الله، ولكن استهداف استقرار مؤسسة امنية بهذا القدر من الحساسية والاهمية، وفي ظل استمرار الحرب، سلوك غبر برئ ولامبرر، يستبطن حالة تامر خطيرة تستدعي ان ننبه الرئيس البرهان بانه المقصود من محاولات زعزعة الثقة بين المسؤولين فى كابينة القيادة، وان الهدف هو تفكيك الدولة التى فشلوا فى اسقاطها فى مواجهة الميدان ، فانتبه سيادة الرئيس، ولاتفتح الباب فى هذا التوقيت امام اي فراغ فى كابينة القيادة.. نعم حافظوا على تماسك الصف ووحدة القيادة فالحرب لم تنته بعد.
من صفحة الكاتب