وليد علي
لعبت الأحداث في الصومال،افغانستان،احتلال العراق، وثورات الربيع العربي دورا في تعزيز سياسة الاعتماد على المليشيات المسلحة على نسق اثني وطائفي وقبلي، وشهدت هذه النطاقات تفاعلات لحرب الوكالة وسباق للنفوذ الدولي والاقليمي، ونشطت التفاعلات في مسألة تفكيك الجيوش الوطنية لصالح صعود المليشيات لتشكيل واقع جديد على المستوى الداخلي بارتقاء الاقليات المهمشة والتماهي مع الفواعل الخارجية لحرب الوكالة بمبررات مكافحة الارهاب والتطرف ،والانتقال السياسي نحو تعزيز الديمقراطية، وعلى هذا الاساس عملت الفواعل الاقليمية والدولية المنخرطة في التغيير في السودان على تجهيز الدعم السريع للقيام بمهام تفكيك الدولة والجيش من خلال الادوار والمهام الانتقالية .
منذ الوهلة الاولى بدأت مؤشرات الانهيار في ما يتعلق باعلان الحرية والتغيير ، وتمرد مليشيا الدعم السريع، وهي مؤشرات صادرة من العوامل الطبيعة والسياسية والمجتمعية ، والتكوين السياسي ،المجتمعي والثقافي للدولة السودانية ،وبدأت هذه المؤشرات تتعاظم وتتفاعل ما بعد الطلقة الاولى من خلال تداعيات حرب 15 ابريل ، فالجرائم والانتهاكات واعمال النهب والقتل ضد المدنيين ، ومقدرات الدولة السودانية التي تعبر عن العوامل والمؤشرات التي تستند عليها العقيدة العسكرية للقوات المسلحة ، وهو ما يعني وضوح اهداف المليشيا في تحقيق مبدأ تفكيك الدولة عبر مزاعم الاصلاح العسكرى ، واعمال حرب ابريل ، ولذلك ارتكزت المليشيا على شعارات متحركة حسب متغيرات الحرب ، حرب من اجل الدولة المدنية والديمقراطية ، حرب على الاسلاميين ، الارتكاز على البعد القبلي الجهوي ، واخيرا عادت الى رغبة تفكيك الدولة عبر طرح الحكومة/الدولة الموازية وهو ما أدى الى خسائر سياسية وعسكرية وجهوية تبدو في تنامي المقاومة الشعبية والسياسية العريضة .
لعب العامل الطبيعي” العمق الاستراتيجي للدولة السودانية المساحة والموقع الجيوسياسي” اضافة إلى الحكم الاتحادي الدفاع بالجغرافيا كمؤشر لانهيار المليشيا وحرب الوكالة ،وتتمظهر فاعلية العمق الاستراتيجي التي تبدو في حكومة بورتسودان التي تقلل المليشيا وتنسقية تقدم من شأنها واعتبارها تراجعا سياسيا وعسكريا ، وما يبدو في حركة النزوح الداخلي التي وفرت الحماية الذاتية للمدنيين، وشكلت حركة النزوح المقاومة الثقافية والمجتمعية والعسكرية .
المؤشرات السياسية تبدو في الاعتماد على ادبيات الحرب الثورية ” الغوريلا ” التي اسسها محمد عبد الكريم الخطابي وتشي جيفارا والتي اصبحت من المبادئ الثورية وتستخدمها حركات التحرر والمليشيات للوصول لحالة الارتقاء السياسي والعسكري ، وتتعارض هذه المبادئ مع طبيعة تكوين مليشيا الجنجويد وحالة الارتقاء السياسي للدعم السريع عبر رافعة وامتيازات الانتقال السياسي، ونفوذ الدعم السريع في اجندة الانتقال ومفاصل حكومة الثورة والانتقال ، وعلى مستوى التكتيك العسكري بدأت المليشيا التمرد المسلح من داخل القصر الجمهوري هو ما يعني التمرد ضد نفوذها في مفاصل الدولة وامتيازات الانتقال، وانطلقت عملياتها العسكرية في المركز حيث تحذر المبادئ الثورية والتجارب من استخدام حرب الغوريلا في مركز وعي الدولة وهو بطبيعته مقاوم للتمرد المسلح ، وقابل للانقلاب التوافقي من داخل النظام نفسه.
منذ دحر المليشيا في ولايات سنار، الجزيرة ، الخرطوم اضافة لصمود الفاشر بدأت تتجلى مؤشرات الانهيار الى الواقع حيث تتضافر كل العوامل الطبيعية والسياسية المجتمعية في دحر مليشيا الجنجويد، ومخططات حرب الوكالة ، ولذا لجأت المليشيا والوكيل الاقليمي في الانتقال الى الخطة البديلة عبر المسار السياسي عبر التحالفات المدنية على نسق جهوي في طرح الميثاق التأسيسي كمحاولة للاستعواض العسكري والسياسي او اعادة التموضع حسب اللواء اركان حرب برمة ناصر رئيس حزب الامة القومي، واعادة التموضع مهمة مستحيلة في واقع الانهيار العسكري الكامل والسقوط الاخلاقي والسياسي، حيث فقدت المليشيا ” دارفور” كجغرافيا وحاضنات مجتمعية واستغلال قضايا الاقليم لاعادة التموضع على المستوى العسكري او سيناريوهات الحكومة الموازية بصورة اكثر دقة العودة الى حركة جهوية مسلحة ،وفقدت اعادة التموضع في البعد القومي سواء بالترتيبات السياسية او العسكرية .