سناء حمد تكتب: الاستقامة بين الثابت والمؤقت

الاستقامةُ بين الثابت والمؤقت .

قليلون هم الذين يعطونك بصيصَ أملٍ في النخبة السودانية التي أدمنت الفشل ، والتي تُثبتُ المواقف والتحديات الكبرى انها شكّلت ضلعاً مهماً في صناعة الأزمات في السودان واستمرارها ، وان جزءاً مقدراً منها إتخذ تلك الازمات مطيّةً لمصالحه الخاصة ، و يثير الأسى في النفس أن لدينا نخبةً منكفئة على ذاتها ومتخندقة في خياراتها الفكرية أو المصلحيّة ، وتفتقرُ للأحساس الحقيقي بالوطن وبالإنسان ، وهي بلا افقٍ ولا رؤية ولا مبدئية بل تعيش مراراتها وصراعاتها ويدفع الوطن الثمن !! . طالعت اليوم مكتوباً للاستاذ / عمر عشاري معلقاً بكلمات معدودات وبمعانٍ رفيعاتٍ وبلغةٍ مستقيمةٍ عن الاعتداء غير المقبول والمُدان تماماً والذي حدث على ندوة الحرية والتغيير في ميدان الرابطة بمدينة الخرطوم بحري ، هذه المادة المنشورة هي ما دفعني للكتابة عنه ، فطرحه دوماً مختلف ، ينطلق من ايمانٍ بمبادئ ويملك استقامةً فكريةً تحمل معاني الانصاف والعدل ، وهذا أمرٌ فعلاً مختلف في الواقع المرزول الذي نشهده الان ، وهذه الاستقامة والجرأة هي التي تُحيي الأمل في جيلٍ جديدٍ من المثقفين يملك اخلاقاً وعزماً في أن يكون له اسهامه الخاص في التغيير البنّاء ، ولعل هذه واحدة من أهم صفات المثقف الذي يُشار إليه بأنه ذو معارفٍ وتهذيب ، وعندي إن المثقفُ الأصيل والمبدئيُ هو جزءٌ من عملية التنشئة السياسية للمجتمعات والتربية للأجيال، ولذلك المثقفون الحقيقيون قليل !! أنا لا اعرف السيد عشاري شخصياً ، ولكني سمعت صوته الذي يخُطُ لحناً مبدئياً قليلون امتلكوا الشجاعة لعزفه ، ولأني أومن أن العدالة عمياء عن كل لونٍ او انتماء او جهة ..ولا ينبغي لها أن ترى غير مِيزانها المنصوب بإستقامة ، وان الاخلاق لا تتجزأ وأن المبادئ مواقف وافعال وليست شعارات تستخدم حتى تُبتذل ، كما أؤمن أن الاستقامة الفكرية سلعة ليست متاحة لتُشترى بل هي درجة من الأخلاق رفيعة يجتهد بعضهم ويُلزم نفسه للحصول عليها ، فهي كسبٌ شخصيٌّ بلا شك ، لذلك انتبه لكتابات عشاري واليوم احتفي بها .
إن أهم مافي مراحل التغيير … في السودان هذا ، انها تمنحك لحظاتٌ نادرة تتيح لك معرفة معادن الناس ..ووجوههم الحقيقية ..وقد ظل القانوني والمثقف الشاب متصالحاً مع نفسه جهير الصوت بما يؤمن انه حقٌ وعدل ..فله الشكر ..لأنه لين قليلين جداً ينُعشون الأمل في غدٍ افضل ،و باختلاف تقديراتهم السياسبة او منطلقاتهم الفكرية..فهم نقطة ضوء . .. على الصعيد الشخصي متى توافر الوعي والاستقامة ليس مهماً عندي اختلاف التقديرات السياسية أو الفكرية ، واتفهم الاختلاف النسبيّ بين التفكير والسلوك ، فكما يقول ” علي الوردي” ، فإن التفكير ينتمي الى عالم الإله والمُثل العليا والقيم الأبدية ، في حين ينتمي السلوك لهذا العالم المتغيّر والمؤقت .. لكن النضج في فهم هذا الاختلاف والتعايش معه ، هو ما يخلق وعيّاً بناءاً يأخذُ من التفكير خصيصةِ النظر نحو المستقبل من زاوية ” ما يجبُ أن يكون ” ، ويأخذُ من الواقعية القابليّة للتعلم عبر الإنتباه الى الخلل ” فيما هو كائن” ، حينها في حالتنا يمكن ان نؤسس لدولة لا تقف في مهب الريح بين فينةٍ وأخرى !!
بلدنا الان في حاجةٍ لهولاءِ المبدئيون ذوو الاستقامة والشجاعة والوعي والتهذيب والغيريّة من مختلف التيارات والاتجاهات ، للإلتقاءِ عند نقطة تقاطع المثالية والواقعية ، في محاولة يمكن أن تسهم في وضع خارطة طريق مهنية ووطنية للعبور الى بر الامان ، في خضّم مرحلة دقيقة من تاريخ هذا الوطن ..الذي تكاثرت عليه السهام ، وسلّ الطامعون المتنافسون نصالهم وغرسوها في جسده ، ، وفي وهدته هذه ينظر لبعض بنيه ويقول ..نصالكم أكثر وجعاً ، إن التاريخ لا يرحم واللهُ لا يغفل ….

Comments (0)
Add Comment